الرئيسية | سرديات | وارززات: سينما الصَّحراء، جَدِّي، وبائعُ الفشار | حسناءُ مُحمّد علي

وارززات: سينما الصَّحراء، جَدِّي، وبائعُ الفشار | حسناءُ مُحمّد علي

حسناءُ مُحمّد علي:

هل ذنب الأماكن؛ أسماء لا تنصفها؟!

غالي القلب، ماذا لو نشرت رسالة اليوم على حائطي؟! كلما رميت بحصاك نافذتي لتوقظني.. قرأتها.

أولم أخبرك يوما أن الحي الذي أقطنه غيروا اسمه، بدل “دوار الشمس” سموه حي المقاومة، ما ذنب الشمس التي تشرق من هذه الأزقة كل صباح، ماذنب سائقي التاكسي الذين سيعيدون حفظ أسماء الأزقة الجديدة كما تحفظ عيونك تقاسيمي.
أفل النور عن حيي وكساكنة طنجة سأعلن الحداد، ليس احتجاجا، بل طلبا لعودة الأسماء الأولى..

بمحاذاة سينما الصحراء كتبت لك الكثير من الرسائل.. سربت لك الكثير من الشوق، ونسيت أن أحدثك عن السينما، عن أفلام البوليوود، وعن بائع الفشار.. نسيت أن أنقل لك خبر الكراسي التي اعتلاها الغبار، شاشة العرض الكبيرة المنشقة وسطا، عن النوافد الحديدية المتآكلة، وعن سينما الصحراء التي لم يتبقى منها سوى بناية شاخت من فرط الانتظار، وصحراء قاحلة تعبرها الرياح ذهابا وإيابا، محدثة صوتا مخيفا، يتلصص لأجل مصدره الأطفال عبر الشقوق، يصرخون ويركضون، أطفالنا يا عزيزي لا يدرون جدوى السينما، أتذكر أني سألت أحدهم ذات يوم: هل سبق أن دلفت السينما يا صغيري؟
أجاب في حزم: لا، تقول أمي أنها “مسكونة“.
كنت سأسله، ألم تخبرك أمك من يسكنها!! كان بودي أن أشرح للفتى ما دارته والدته، خفت فحسب أن أصلح ما أفسدته ثقافة “عيب و حشومة” . ودعته بابتسامة خيبة وانصرفت.

منى الفؤاد،
دوار الشمس ما عاد يعطي للشمس بريقها، غدا يقاوم فحسب، يقاوم زكام الذكريات، وحمى التاريخ الذي مر من هنا كأن لم يكن، هذا الحي الشامخ سكنه جدي، كلما عبرت أزقته بحثت عن ملامح الشخص الذي حدثوني عنه ولم أره، أكتفي بالترحم على روحه الراقدة بمقابر وارزازات، سأسألك بالله عليك، هل كان عبثا أن تسوقني الأقدار إلى هذه المدينة بالضبط دونا عن غيرها؟!
بالحي نفسه سكنت أمي لسنين، أتذكر يوم اصطحبتها لتستعيد بقايا ذكرياتها بباحة بيت الخطابي، وبين قاعات مدرسة المعلمين.
كلما اشتقت أمي دلفت الساحة بحثا عن أمي الشابة، عن أنا في زمن كان.
نفسه هذا الحي، اشتغل به أبي لسنوات، من هنا بالضبط بدأ مسيرته المهنية، وترك لي بها بعض المعارف يسألون عني من حين لآخر..
غريبة هذه المدينة التي تؤثث ذاكرتي.
وأنت أيضا ألم تترك لي بها ذكرى مكان، فنجان اكسپريسو ودمعتين..
أمينة هي.
وهاهو دوري إذا قد حان، أطبعه بضع أحداث وأغادر كالسابقين.

يا سيد عواطفي

هل من مدن أخرى تحفظني، كما فعلت وارزازات؟!

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.