الرئيسية |
سرديات |
نهاية حلم: ألف قصة وقصة عن مغرب لا ينتهي | حنان الدرقاوي
نهاية حلم: ألف قصة وقصة عن مغرب لا ينتهي | حنان الدرقاوي
حنان الدرقاوي
لسنوات حلمت بحلم الصحافة. لسنوات اجتهدت، درست، حفرت بأظافري العزلاء وتفوقت. نجحت في الالتحاق بمعهد الصحافة. حلقت في سماء الحلم وخططت لمستقبلي وتصوري للعمل الصحفي. سأكون حسب لجنة التحكيم منشطة برامج تلفزية. قالوا لي ذلك وخفت. لست جميلة لأطل على الناس في التلفاز. كان ذلك تصوري عن جسدي. تصور ورثته عن وسطي العائلي حيث كنت أوصف بالذميمة وتتأسف أمي على عوجي. إن يقل لي أحد أن الجمال في الروح لا أومن بذلك. هذا ما يقال للذميمات ليبررن وجودهن الرديء. أؤمن بجمال الجسد ولا شيء غير البعث في جسد جميل يمكنه أن يشفي جراحي. في حياة أخرى سأكون جميلة وستحبني أمي. سيحدث هذا حين تتناسخ روحي وأعود إلى هاته الأرض من أجل حياة حقيقية، حياة تكون لي وليست لأبي وهيستيريته وأنانيته وعجزه عن أن يحترم الآخرين وخاصة القريبين منه.
كنت أطير من الفرح، ها أنذا في معهد الصحافة كما خططت لنفسي، لن يثنيني أحد عن تحقيق أحلامي بالعمل في الصحافة السياسية. أؤمن بإمكانية تغيير العالم. أربط الفلسفات بقدرتها على التفكير في المعيش وإمكانية تطبيق النظرية.
حلمت لأيام بما سأشتريه من ملابس تليق بطالبة في معهد الصحافة. أليس رائعا أن يولد في أسرة بسيطة صحافية كبيرة تجوب العالم من أجل الحقيقة. صحافية ستنشر الكتب لحاقا وهي تحقق في الأحداث الساخنة وتكتب عنها. صحافية تكتب القصة والرواية. صحفية ترفع من شأن انتمائها المتواضع وتدخل اسمها واسم عائلتها في دائرة التاريخ. حلقت في سماء الحلم وتصورت كل الشخصيات الوطنية والعالمية التي سأحاورها وألتقط بواعثها في العمل. سأكون محاورة لبقة. الجميع منذ طفولتي يثنون على قدراتي في التواصل بالرغم من أنني حادة الطبع وموحشة في بعض الأحيان وأميل إلى الغضب والحدية. سأعدل من مزاجي، سأشتغل على نفسي وطباعي، سأهذب طاقة الغضب التي بداخلي لأكون محاورة لبقة، تحترم الآخر.
بعد نتيجة الامتحان الشفوي، تجولت قليلا في شوارع القامرة بالرباط. ها حلمي يتحقق وها أنذا سأدخل نهار الرباط التي لفظتنا إلى تمارة، مدينة تصلح للنوم فقط، نوع من الدورتوار الذي يلتقط من لم يستطيعوا أن يدخلوا الرباط ويعيشوا فيها. لا شيء سيعيقني بعد اليوم عن دخول نهار الرباط وليلها. سأسكن حي حسّان أو المحيط هناك تسكن الطبقة المتوسطة. سأخرج من ظلمة تمارة إلى الرباط. سأصير صحفية كبيرة. سأؤسس صحيفة أو مجلة سياسية. ربما اشتغل أيضا بالثقافي خاصة بالفلسفة. يلزم صحيفة فلسفية تناقش القضايا الكبرى وتنير الشعب. أجل ما أريد أن أفعله هو أن أنير الآخرين، أن أساهم في الوعي وأن ألتقي التاريخ كما يلزم بكاتبة وصحفية قديرة. لا أفكر بالمال وبالراتب لأنني صراحة لا أحتاج إلى مال كثير ثم إن ربح المال ليس ضمن أولوياتي في الحياة. ما يهمني هو أن أفهم العالم من حولي وأؤثر عليه دون أن أمتلك سلطة غير سلطة العقل. جلت في شوارع القامرة وقادتني قدماي إلى الجوطية حيث أتسوق في أغلب الأحيان، أحب الملابس المستعملة وعلى أي لا أملك ثمن الجديد. لا يهم هاته الأشياء لاتهمني كثيرا. لا أحكم على الناس من خلال ملابسهم بل من خلال وعيهم وقدرتهم على تقديم شيء جديد للإنسانية من حولهم. لم أهتم يوما للمظاهر وكانت لا تعنيني. منذ طفولتي استعنت بالاستغناء فلسفة وطريقة تفكير لهذا لا يمكن لأحد أن يشتري قناعاتي فأنا مستغنية، لا أبحث عن ربح ولا أسعى إلى سلطة. سأكون صحفية قديرة لا تسعى إلا إلى الحقيقة ولاشيء غير الحقيقة.
حلقت في سماء الحلم وأنا في الحافلة رقم 17 التي تعود بي إلى البيت. كنت أرى الناس كأني أراهم لأول مرة، بدوا لي جميعا طيبين وفرحين لأجلي. بدت لي الحافلة أنيقة والسائق مهذبا. كل هؤلاء سيكونون محط عنايتي وأنا أقوم بتحقيقات عن ظروف معيشهم وأحمل تطلعاتهم إلى حياة أفضل. كنت أؤمن إيمانا وثوقيا بإمكانية الخلاص الجماعي.
حلقت في سماء الحلم وأنا اقطع المسافة بين موقف الحافلة وبيت أسرتي. تخيلت أن أمي تزغرد لنجاحي. في الحقيقة هي لم تزغرد لنجاحي يوما وظلت دراستي وتفوقي شيئا غريبا عنها. لا يهم كل هذا. اليوم نجحت وسأزغرد لنفسي.
دخلت البيت وأعلنت لأمي الخبر وقالت في حسرة “ليت أخاك هو الناجح” برد الحلم قليلا بداخلي لكن لا يهم. سأعلن الخبر لأبي هو أكيد سيفرح. دخلت الصالون ووجدت أبي وهو يدخن. أعلنت له الخبر وانتظرت. قال بحدة:
– هل تعتقدين أنني سأسمح بهاته المسخرة. صحفية؟ لقد نجحت في امتحان الأساتذة وستلتحقين بالمدرسة. صحفية؟ يعني ستجلسين في المقاهي وتجوبين العالم.
– الصحافة هي حلمي.
– من تحسبين نفسك نحن من طبقة تسعى إلى الخبز الخبز وليس تحقيق الأحلام والمجد.
حاولت لأيام أن اقنع أبي، أن أتشبت برأيي لكنه واجه إصراري بعنجهية وهدد أمي بالطلاق. حلف بالأيمان المغلظة أنني إن دخلت المعهد فإن أمي مطلقة. عاتبتني أمي على موقفي وهددتني بالسخط إن أنا تسببت في طلاقها. غادرت المعهد في الأخير وأنا أبكي على قدري الذي لا أستطيع فيه أن أكون كما أريد. لحد الآن أحتفظ بغبن على جبني أمام تهديدات رجل حقير لم يعي يوما ما معنى الأبوة وقاد الجميع إلى الخسارة.
2016-10-12