قصيدة بقلم بيير طُرُويْ
ترجمة: جمال خيري
لَيْلَى!
هَا ذَا الصَّمْتُ يَرْوِينَا
***********
3- أَغْرِيجَنْتُو (١)
مَأْسَاوِيٌّ وَجْهُ الصَّخَبِ الْأَزْرَقِ الْعَارِي!
غَيْرَ مُخْتَلِفٍ مَا يَزَالُ عَنِ الْبَحْرِ وَالسَّمَاءِ مَعَهُ،
الدَّقُّ الْبَاهِرُ،
طَارِقاً زُهَاءَ الْفَجْرِ الرُّخَامَ الْمُتَدَفِّقَ،
يُسَامِرُ الْبَابَ الْإِغْرِيقِيَّ الْأَرِقَ.
مُنِيرةً، تَسْبِي مِنَ الْبَحْرِ الْجُذُورَ الصَّوْتِيَّةَ،
فِي الْحَجَرِ تُلَطِّفُ الْهَوَاءَ
الزَّيْتُونَةُ ذَاتُ النَّظَرِ الْمُتَعَدِّدِ.
… دَلِيلٌ، إِبْرِيزُ الْجُذُوعِ الْمُشَذَّبَةِ
يُسَمِّرُ فِي الْعَيْنِ الْبَاهِتَةِ
التَّنَبُّؤَ الْمُتَبَصِّرَ لِلْكَلاَمِ الَّذِي لَمْ يَنْتَهِ.
هُنَا، يَرْتَدِي الْجَمَالَ،
حِيلَةً لِتَدْبِيرٍ مُنْغَلِقٍ عَلَى نَقَاءِ الْمَوْتِ،
خَرَسُ الْمَدَى فِي الصُّرَاخِ الْآسِفِ لِكَاسِرٍ…
لَكِنِّي لَا يُسْمَحُ لِي أَنْ أَرَى،
مَأْخُوذاً بِالْهَلَعِ الشَّدِيدِ،
مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ الْمُتَآكِلِ يَخْبُو النَّظَرُ.
“يَا الْأُمُّ الْفَرِيدَةُ الَّتِي نَتَنَفَّسُهَا”
أَيُّ هَدْأَةٍ غَرِيبَةٍ هَذِهِ؟
أَقْنَثَا (٢) اللَّيْلِ ذَاتُ الْجُفُونِ الْمُمَزَّقَةِ
تَمْنَحُ لِلسُّطُوحِ الْمَفْقُودَةِ مَظْهَرَ الصَّمْتِ الْمُتَآكِلِ؟
مَاثِلٌ لِمَنْ يَسْتَطِيعُ لَمْسَهُ،
أَيُّ وُضُوحِ أَعْمَى لِكَارِثَةٍ فِي مَخَاضٍ
يَرْعَى
فَوْضَى قِطَعٍ مُنْحَنِيَّةٍ نَحْوَ اللَّاشَيْءِ؟
وَيَدَعُ الْإِبْرِيزَ الْخَالِصَ يُرَاقُ مِنَ الْبَلاَءِ الَّذِي لاَ يَنْتَهِي؟
مَدَافِنُ سِرْدَابِيَّةٌ فِي الْهَوَاءِ الطَّلْقِ،
مَثْوَى الْمَوْتَى حَيْثُ الْمَعْنَى يَتَنَاقَصُ،
أَيُّ وِلاَدَةٍ مُسْتَمِرَّةٍ تُفْلِتُ مِنْ هَذَا النَّزِيفِ؟
أَيُّ مَجْدٍ لاَ يَتَوَقَّفُ عَنْ إِبْهَارِ كَلاَمِ الْغُمُوضِ
الَّذِي لَمْ يَحْدُثْ أَبَداً، وَيُقِيمُ فِي الْجَلِيِّ؟
مَنْ يُنَادِي؟
وَلَكِنَّكَ أَنْتَ الَّذِي يُنَادِي!
يَتَحَقَّقُ أَمَامَ عَيْنَيْكَ،
مُثْبِتاً نَفْسَهُ لِذَاتِهِ، مَا يَقْرَعُ عَلَى كَلِمَاتِنَا.
دَمٌ أَسْوَدُ، دُنُوٌّ مُقِيمٌ،
الْأَلَمُ الْعَمِيقُ يُودِعُ طَمْيَهُ،
وُشْكاً، لِمَدٍّ، بَعِيداً مَا يَزَالُ…
يُخَاطِبُكَ،
عَلَى الْعَتَبَةِ الْجَامِدَةِ لِلْعُزْلَةِ،
مَرْمَرُ الصَّوْتِ الصِّرْفِ
كَاشِفاً عَنِ الْحَاصِلِ الْعَتِيقِ.
الْمُقَرَّبُ مِنْكَ، الَّذِي لَمْ يُخَلَّفْ،
يَلْتَحِقُ بِرَحَابَةٍ دُونَ بُرْهَانٍ،
فِي مَغْرَةِ لِسَانِكَ،
لِأَسْمَاءٍ آهِلَةٍ بِالْآلِهَةِ.
الَّذِي لاَ يَنْكَشِفُ، هَا هُنَا، يَشْهَدُ أَنَّهُ مَوْجُودٌ.
يَسْتَحِمُّ
ارْتِدَادُ النَّظَرِ هَذَا الَّذِي يَمْحُوهُ الْوَقْتُ
وَجَدَعَاتُ الصَّمْتِ.
تَتَوَلَّجُ فَتَقْضِي بِالسَّمَاءِ الْجَوْقَةُ
دَاعِمَةً، مُمَزَّقَةً، كَتِفَ الْمَوْتِ…
يَسْتَعِيرُ مِنَ الْأَرْضِ تَقَاطِيعَهَا،
يَنْفَجِرُ، إِذْ سَبَقَ أَنْ عَرَفَ الْمَخَاضَ،
الْأَصْلُ، فِي نَشَاطٍ دَائِمٍ،
حَيْثُ تُهْلَكُ الذَّاكِرَةُ.
حَجَرُ الْخُلُودِ،
فَيْضٌ مَجْدُوعٌ مَحْمُولٌ إِلَى الْخَصَاصَةِ،
هَذَا الْمَكْتُوبُ فِي الْحَجَرِ.
أَيُّ قَضَاءٍ يَقْطُنُ مَا يَزَالُ، مُتَّقِداً،
فِي عَيْنِ الْغُرْغُونِ (٣) أَلَقَ الْأَزْرَقِ الْمُذَهَّبَ؟
فِي الْبَعِيدِ سَاكِناً، يَنْتَظِرُ،
مَدُّ الْحُمَمِ الْمُظْلِمُ…
مِسَلاَّتٌ مَصْعُوقَةٌ تَنْصُبُ أَصْلَهَا الْعَبُوسَ،
هُنَا تَنْفَكُّ الْحَيَاةُ مِنِ اشْتِبَاكِهَا بِالْمَوْتِ.
أَرْمِي الْبَهَاءَ الْأُولَمْبِّيَّ،
أَلْمَسُ، مُرْتَجًّا فِيَ،
الْحَرْفَ الْحَامِلَ لِصَمْتٍ صَافِيٍّ.
من ديوان “ما يقرع على كلماتنا”.لبيير طُرُويْ الشاعر الفرنسي الملقب بشاعر الأنوار الأطلسية (1921-2005)، صدر الكتاب عن منشورات فاتا مورغانا 1998
(١) أغريجنتو: مدينة تاريخية إيطالية، سميت أصلا من طرف الإغريق “أكركاس”، ثم من طرف المسلمين الفاتحين “كِركَنت”.
(٢) أقنثا: نبات مزهر.
(٣) الغرغون: كائن خرافي -ثلاثة أخوات- في الأسطورة الإغريقية بشعر من ثعابين من نظر إليه تحول إلى حجر.