مهرجان أندلسيات أطلسية | عبدالله المتقي
عبدالله المتقي
هذه ليست زيارتي الأولى إلى مدينة الصويرة المغربية، فقد سبق لي زيارتها شاعرا، قاصا، صديقا، عاشقا، ومصطافا غارقا في صيفها البارد، ولكن هذه أول مرة أحضر مهرجانها ” أندلسيات ” في نسخته 14،أما رفيق سهراتي الموسيقية فهو الصديق عبدا لصمد السبقي عاشق مساءات الصويرة وحتى النخاع ,
كان هناك ليل مختلف أمام قاعة الرياضة المتعددة الاختصاص : صف طويل من عشاق الموسيقى، سحاب يوحي بلندن، لغة النوارس، أشجار شاهقة، هواء خفيف، وجوه سمراء وبلقاء، لغات مختلفة، عواطف متعايشة، ديانات تختصر التعايش، قاعة أنيقة وتشبه مواعيد الحب، ويحلو لي الظن أن كل الحضور يعشق أن يعشق الموسيقى الأندلسية كما يتذوقها ويشمها، وذلك، على الأغلب، بسبب الأندلس التي لم تكن غير حلم عابر بيد أنها ما تزال وشما في ذاكرة كل العابرين الذين تعايشوا فيها عرقيات وديانات لمئات السنين كما تقاسموا مرارة العيش ، ثم بسبب ” سعادة العيش المشترك ” بعيدا عن العميان وكل ما يوحي بالشوفينية والانغلاق .
و .. استهلت سهرة الافتتاح بوصلة موسيقية مميزة لجوق محمد العربي التمسماني، القادم من تطوان، بقيادة محمد الأمين الأكرمي، وبعدها مرافقة أيقونة الموسيقى الأندلسية المغربي اليهودي ” حاييم لوك ” الذي يحظى بالإعجاب في الأوساط اليهودية والمسلمة في المغرب والخارج، والذي عبر في المفتتح عن ارتباطه وعلاقته الحميمية بالمغرب والصويرة ، ثم بعدها ليغرق الحضور في تواشيحه التي امتزجت فيها الأنغام والموسيقى اليهودية العربية والأندلسية .
لم تنته ” ساعة الموسيقى ” عند هذا الحد، فوق ذلك، يصعد الخشبة أيقونة الموسيقى الأندلسية المغربي عبد الرحيم الصويري وأصيل مدينة الصويرة ومنها تلقى لقبه الذي يعرف به، وبعد تهنئته بعيد ميلاده الستين، يصنع، هو أيضا شعريته الموسيقية الخاصة، إنها شعرية الفرح الموسيقي، وكان لها متلقوها وعشاقها وغارقون في سحرها، ولعل الزواج الأبيض لصوته الساحر وصوت ” حاييم لوك”، لم يفعل شيئا سوى تحويل القاعة إلى ما يشبه النبيذ الموسيقي .
وبعد إسدال الستار بقاعة الرياضة المتعددة الاختصاص قريبا من منتصف الليل، اتجه الحضور إلى ” دار الصويري “، للسهر مع مجموعة الحاج ” مارينة” للسماع والمديح، حيث لا عيون سوى عيون التراث الشعري الصوفي المحلي والعربي والكوني ومناجاة الخالق والتواصل مع الملكوت الأعلى .
زوال يوم الجمعة وبفضاء دار الصويري، كان الموعد مع حفل غنائي استمتع فيه جمهور المهرجان بحفل أحياه كل من الحبر ” رابين ميناحيم ” والفنانة الفلسطينية لبنى سلامة تآخى فيه سحر الطرب الشرقي مع التقاليد الغنائية اليهودية ليقدما وصلة مشتركة عنوانها نشدان المحبة والسلام، وعلى وعلى نفس الإيقاع، كان للحضور لقاء مع الفنان اليهودي شالوم إيفريو المطربة المغربية الصاعدة نهيلة القلعي في وصلة يستعيدان فيها ريبرتوار الأغنية العربية الطربية، فيما غنى المنشد هشام دينار رفقة المطربة سامية العنتري .
مساء وبالقاعة الكبرى تعود لبنى سلامة صاحبة الصوت الكلثومي ابنة كفر ياسيف والمتألقة محليا وعالميا وعلى أفضل مسارح العالم، والتي أدت وعلى طريقتها الخاصة في سهرة اليوم الثاني أغاني لمحبوبة الجماهير وسيدة الطرب العربي أم كلثوم، لتدخل المسرة في نفوس الحضور وعشاق ومدركي هذا اللون الطربي الأصيل .
كما كان الجمهور على موعد مع حفل متفرد أحيته الفنانات زينب أفيلال من تطوان، وعبير العابد من طنجة، وفاطمة الزهراء قرطبي من الرباط،ز اللواتي أدين وبأسلوب متفرد مقطوعات أندلسية ثم غنائية للراحل عبد الصادق شقارة وفي مقدمتها الأغنية المشهورة “بنت بلادي”. ثم وبصوت ثلاثي أغنية عن مدينة الصويرة من كلمات وتلحين ” محمد الأكرمي “
وفي جو احتفالي وتحت تصفيقات رواد المهرجان، اتحفت الفنانة الملقبة “رايموند البيضاوية” والمعروفة بتعلقها وعشقها الحميمي للمغرب ، بمجموعة من الأغاني المتنوعة والمتميزة التي تعكس أصالة وتنوع الموسيقى بمغرب التعدد.
مساء يوم السبت، حج رواد المهرجان لدار الصويري لتجديد اللقاء مع هذه الفنانة ” رايموند ” التي أدت رايموند رفقة أوركسترا شركاني برئاسة عازف الكمان أحمد شركاني، قطعا أكثر رمزية للفن الشعبي وشكوري والملحون، تعكس غنى وتنوع الموسيقى الشعبية بالمغرب.
وعرفت نفس الأمسية وتزامنا مع مهرجان ” الأندلسيات الأطلسية ” وبدار الصويري ولأول مرة ، وبحضور نسبة مهمة من يهود الصويرة الذين هاجر الكثيرون منهم في فترات مختلفة خاصة خلال الستينيات، إحياء طقوس ليلة الجمعة تمهيدا ل”الشابات” إلى هذا الفضاء بالطريقة نفسها التي كانوا يحييونها بها بمعابدهم بالصويرة.
واختتمت فعاليات النسخة ال14 لمهرجان الأندلسيات الأطلسية بالصويرة، بفسح المجال للموسيقيين الشباب المغاربة لإبراز مواهبهم فيل هذا النوع الموسيقي الأصيل وضمان استمراريته. حيث استمتع جمهور المهرجان خلال الأمسية الختامية بوصلات موسيقية أصيلة تعكس مدى ثراء هذا الفن الأصيل وما يحمله من معاني تنشد المحبة والسلام والتعايش المشترك، أداها موسيقيون شباب أتوا من عدة مدن مغربية.، وعن مشاركة المجموعة الصوتية الأندلسية تحت قيادة عبد الحميد السباعي، كما أتيحت الفرصة لكورال الأندلس لمدارس الصويرة المنصة لإتحاف الحضور من خلال لحظات فتانة وممتعة من خلال الغوص في ذاكرة الموسيقى الأندلسية العريقة والأصيلة .
وقبل إسدال الستار، أحيت نجمة الفلامنكو الإسباني ميرسديس رويز التي نالت سنة 2015 نجمة الرقص الفلامينكو بإسبانيا، رفقة مجموعتها التي تضم عددا من الراقصين، وذلك لإعطاء لمحة عن فن ينم عن الحداثة والصداقة التي تعتبر كنه مهرجان الأندلسيات الأطلسية.
وبذلك تكون مدينة الرياح مدينة كونية، وتكون الدورة ال14 لمهرجان الأندلسيات الأطلسية، المنظم من قبل جمعية الصويرة موغادور على مدى ثلاثة أيام”، عرسا أندلسيا حافلا بالعروض الفنية المتنوعة كان عنوانها الأبرز إعلاء قيم التسامح وقبول الآخر وتداول قين المحبة والسلام، أداها ثلة من الفنانين اشتهروا بأدائهم الآسر والمتميز لفن الطرب الأندلسي والفن الشعبي، والشكوري والملحون. كما شهدت فعاليات نسخة هذه السنة احياء سهرة إلتقت فيها التقاليد الصوفية الإسلامية واليهودية، فضلا عن سهرة “باقاشو” والتي تم من خلالها تكريم رائدين اثنين في المجال الشعري والانشاد بالصويرة (نهاية القرن 19 وبداية القرن 20) وهما رابي دافيد إيفاح، ورابي دافيد القييم.
عبدالله المتقي مهرجان أندلسيات أطلسية 2017-11-24