مماذا يخاف الرجال؟ | حنان الدرقاوي

حنان الدرقاوي

أتاني في مكتب الترجمة الذي افتتحته منذ سنوات. طلب مني ترجمة تسجيل صوتي. كان منفعلا, متوترا. شعرت بحرجه الكبير. قال بصوت مضطرب أنه يريد ترجمة حوار لخطيبته المغربية, تسجيل تتحدث فيه مع أختها. يريدني أن أترجم ولكن أيضا أن ألاحظ نبرات الصوت ومدى صدق خطيبته وأختها بصدده. قال أنه عانى تجارب مأساوية في الحب والزواج لأنه لم ينتبه لأشياء وتفاصيل صغيرة. لايريد تكرار تجربة الإرتباط بامرأة شريرة. كان إسمه دافيد  وبعد أن اسلم صار إسمه وليد. كان فرحا بهويته الجديدة وسعيدا بالإرتباط بامرأة عربية. سألني وغصة في حلقه

• النساء العربيات دافئات, أليس كذلك؟ لا أحتمل برودة الفرنسيات. أصلي من إسبانيا, من الأندلس.

أجبته بنعم النساء العربيات دافئات وطيبات ويردن الحياة. لم أحدثه عن العربيات العقارب اللواتي يحولن أية علاقة إلى جحيم

انصتت للتسجيل. كان صوت أخت خطيبته واضحا. فهمت أنها تنصح أختها بقبول الزواج وحمد الله وشكره أن فرنسيا دق بابها. كانت تقول لأختها بأن تحترم زوجها وتدعه يتصرف تبعا لما يفكر فيه فهو رجل لايمكن التحكم فيه. كانت خطيبة دافيد غير موافقة وكانت تريد التحكم في خطيبها كما تريد. كانت تضحك ضحكا لئيما حين تنصحها أختها. تقول أنها ستتريث إلى أن يتم الزواج والإنتقال إلى فرنسا وبعدها تنظر في الأمر. بدا لي واضحا أن الخطيبة طامعة في أوراق الإقامة والجنسية والبيت الشاسع.

ترجمت لدافيد ماقالته الأخت وقلت له أن صوت خطيبته غير واضح. بدا عليه الحزن الشديد. اقترحت أن أعيد الإنصات إلى التسجيل علي ألتقط تسجيل نبيلة خطيبته. كان يردد في ألم ” أرجوك قولي لي إن كانت صادقة, أريد الزواج والإستقرار لكنني خائف ولي تجارب قاسية مع النساء”

كيف لي أن اقيس صدق خطيبته؟ كيف لي أن أواسي هذا البئيس ؟

بدا لي أننا كلنا بائسون وخائفون من أن نضع ثقتنا في الآخر. نحتاج إلى ضمانات لكن اي ضمان يمكننا أن نحصل عليه؟ عالم المشاعر معقد ومتغير. المرأة المحبة خلال الخطوبة تنقلب إلى زوجة شريرة بعد الزواج ويحدث العكس أيضا, يحدث أن يتحول الرجل المؤدب إلى ذئب بعد الزواج. لم أخبر زبوني أنني أنا أيضا اكتويت من نفس ناره وأنني خدعت خدعة شنيعة أورثتني القسوة والمرارة.

كان ينظر إلي بإلحاح وبدا لي مصيره كله معلقا على نتائج الترجمة. هل أقول له أنني أشعر أن نبيلة لها أغراض أخرى من الزواج به؟ هل أقول له أنها ربما تريد امتيازات العيش في فرنسا؟

انتهى التسجيل وأصبت بالصمم. كان هو يتحدث عن الزواج الإسلامي المبني على المودة والرحمة. صمتت لدقائق وقلت له أن نبيلة وأختها تبدوان صادقتين لاتخف توكل على الله وأكمل الزواج” قلت له.

جعلني أكرر الترجمة مرات عديدة. أكدت له كلامي. انصرف وهو  يدعو لي بطول العمر.

نظرت إلى ذلك الرجل الخائف من الآخر, الخائف من الألم وأنا احاول أن أنسى خوفي الخاص من عالم المشاعر والإرتباط.