نمر سعدي / فلسطين
شوكُ الحنين
أملٌ يقايضني بلا شيءٍ ولكني أضيءُ الليلَ بالأشواقِ في عمرِ النبوَّةِ، لا فحيحُ الطينِ يُدميني ولا شوكُ الحنينِ لأورشليمَ، أنا سوايَ، وشاعرٌ يهذي ولكن لن أقيسَ اللهفةَ العجلى بثرثرةِ النساءِ، ولا بوردِ الغيبِ، قد أمشي وفي قلبي من الناياتِ أمطارٌ، ولكني أُجيبُ غريبةً بالصمتِ حينَ تقولُ: حدِّقْ بي، بعينيَّ اللتينِ اقتصَّ حزنُ الآدميَّةِ منهما، خمساً من السنواتِ كالخمسينِ أو كالحلمِ، يا أرقي الذي لمَّعتهُ وصقلتهُ بيديَّ، يا أملاً يقايضني بلا شيءٍ، ويعطيني جناحَ فراشةٍ وقصيدةً زرقاءَ خُطَّتْ فوقَ وجهِ الماءِ أو وجعِ الزبدْ.
*
ماذا تريدُ من الحياةِ؟
ماذا تريدُ من الحياةِ أو القصيدةِ؟ قالَ لي أحدٌ، أجبتُ بلستُ أدري، ربَّما ما كانَ يبغي الآخرونَ، العاملُ البلديُّ والشرطيُّ، مأمورُ الجماركِ، نادلُ البارِ الوحيدُ وبائعُ الذُرةِ الشريدُ، وربَّما لا شيءَ، لا أدري، الحياةُ متاهتي الكبرى، القصيدةُ ليلُ هاويتي، ولكني أحاولُ أن أكونَ وأن أُغنِّي، أن أُحدِّقَ في فراغِ الكأسِ أحياناً، وأن أتوسَّلَ النسيانَ، لستُ أرى طريقاً لا تقودُ إلى القصيدةِ أو إليَّ، ولا سماءً تقتفي غيري، ولاستدراجِ أيِّ قصيدةٍ ظهرتْ كأنثى البحرِ لي نايانِ في صدري، ولي حجَلٌ يراوغني ولكن ليسَ يعصيني، لأسبوعينِ أشطبُ في الظهيرةِ كلَّ ما في الصبحِ أكتبهُ، أريدُ من القصيدةِ أن تضيءَ القلبَ لا قمرَ المجازِ المدلهمَّ، جوانبَ الرؤيا الأخيرةِ لا ظلامَ الاستعارةِ، أسفلَ الينبوعِ لا مجراهُ، آخرَ صبوتي لا مشتهى ضلعي، وكاحلَ أيَّةِ امرأةٍ، أصابعَها النحيلةَ، لا هبوبَ نحيبها الأبديِّ في شجَرِ الظلامْ.
*
رملٌ ناصعُ الحيرةِ
تندلعُ الوردةُ في الكتابِ، والعصفورُ في اللوحةِ، والظلُّ الذي في الماءِ، والضحكةُ في عينيكِ، هل أُقشِّرُ الظلامَ عن مَحارةِ الليلِ وعن شَعرِكِ، والليلكَ عن أصابعِ العشَّاقِ؟ أم أُدرِّبُ الخشفَ على الركضِ أو القلبَ لكي يطيرَ؟ رملٌ ناصعُ الحيرةِ في الفكرةِ، ملحٌ جارحٌ يلمعُ في العينينِ، هذا الليلُ سمَّى باسمكِ الأزرقِ كيْ يدلَّ سربَ النورسِ البحريِّ للنجمِ الذي يولدُ من ضلعكِ، كوني أوَّلَ الأشجارِ في سفرِ المزاميرِ، وكوني آخرَ النساءْ.
*
صبوةٌ أولى
طوَّفتُ كابنِ زريقٍ الأرجاءَ وحدي والقصيدةُ سرُّ خسراني الجميلِ، أقولُ: واسعةٌ هيَ الأحلامُ ضيِّقةٌ حياةُ الناسِ، هل أحتاجُ كيْ أنسى التفاصيلَ الصغيرةَ في الشتاءِ الهامشيِّ قصيدةً وفماً وقلباً مثلَ ما لكِ؟ لا يهمُّ الآنَ.. أعرفُ أن قلبَكِ أو شفاهكِ من صفيحِ الصمتِ والرغباتِ، لم تكُ أيُّ شمسٍ حذوَ بابِ الليلِ، لم تكن القصيدةُ في انتظاركِ، والحديقةُ لا تزالُ كنصفِ نافذةٍ مواربةٍ، وأجراسُ النعاسِ تدقُّ، كانَ الزعفرانُ يضيءُ عاصفةَ الظلالِ كشمعةٍ مقطوفةٍ من غيمةٍ، كانَ الظلامُ كوردةٍ ليليَّةٍ موشومةٍ في كاحلِ امرأةٍِ تُرقِّصُ ليلَها الكحليَّ أغنيةٌ بلا ايقاعٍ.. اقتربي لتنحسرَ العبارةُ عن فمي وأذوقَ طعمَ الصبوةِ الأولى وزهرَ البرقِ في نيسانَ، أو لأراكِ من خلَلِ السرابِ الحُلوِ في يدكِ المساميرُ الثلاثةُ والإشاراتُ الثلاثُ، قصائدُ الغزلِ التي حُذفتْ من الديوانِ كيْ تنمو على الجدرانِ، والفرَحُ الخفيُّ، روائحُ الماضي، غبارُ القبلةِ الفضيُّ أو أثرُ الحمامِ على السطوحِ وسرُّ ناركِ في المياهِ، وليسَ لي غيرُ الحنينِ إلى الوراءِ أو النحيبِ الآدميِّ على الذي ضيَّعتُ، غيرُ الزمهريرِ وبردِ آخرةِ المتاهِ، فيا إلهي يا إلهي.
*
نافذةُ نوفمبر