عبد الرحمن مجيد الربيعي (العراق):
1
قد يبدو “جميل” خارجا على السياق في المواصفات البشرية فإذا رسمنا مثلا علامة استفهام سيكون تكورها الكبير رأسه الذي هو أكبر عضو في جسده فهذا الرأس ملتصق بجذع قصير تتدلى منه ساقان نحافتهما دقيقة حتى يحار من يراه ويتساءل: كيف بإمكان هاتين الساقين أن تحملا الرأس المكور الكبير؟ رأس “جميل” الذي لا علاقة لهيئته بأي جمال؟ ولعلها أسماء الأضداد التي عرف بها العرب.
جميل وجد نفسه في موسكو عاصمة الاتحاد السوفييتي في سنوات مجده الذي تبدّد وذهب فتقطّع وتوزع وتبعثر وتشرذم وتقزّم ولولا روسيا بعراقتها لأخذت الأرجل كل المزق ولامتدّت الأيدي الشرهة لتخطف كل الخزائن وتفتك بكل الأسرار.
تلك حكاية لم يشأ بشار العمادي أن يتمها فهي معروفة لكن ما لم يعرف لنا نحن المنصتين لبشار حكاية جميل، أو أن الجيم تلفظ بالطريقة المصرية الشائعة رغم أنه ليس مصريا حتى أن بعض زملائه في ذلك المبيت الطلابي المترامي يلذّ لهم مناداته ” جميل جمال” وفقا لأغنية فريد الأطرش الشائعة.
قال بشار ونحن نحيط به نحتسي الشاي بالنعناع من إبريق وضعه أمامنا نادل المقهى.
– جميل هذا على نقيض كل طلبة المبيت لم تكن له صديقة. وبين كل طلبة المبيت كان يمضي ليلة الأحد في غرفته وحيدا مع زجاجة الفودكا التي لذّ له طعمها وصار لا يجد عنها بديلا بين كل الكنوز الكحولية التي بإمكانه أن يشتريها ما دام يستلم راتب طالب البعثة بالعملة الصعبة والتي تتضاعف عندما تصرف في السوق السوداء التي هي في حقيقتها سوق مكشوفة بيضاء. وأن كل متعاطي تبادل العملة هم عملاء لأجهزة الأمن ويجري جمعها لتصل إلى خزينة الدولة.
كل واحد يأتي ليلة الأحد بصديقته إلى غرفته فإدارة المبيت تسمح للطلبة بهذا، وكان كل طالب يقيم مائدته العامرة.. شرائح اللحم والزبدة والخبز وسيدة المائدة “الفودكا” والكافيار المؤجج كما يشاع للفحولة رغم أن مغنيا عراقيا كان في زيارة لموسكو ضمن أسبوع ثقافي لبلده أكل أربع علب وبعد أن انتفخ صاح:
– أربع علب ولم يتحرك شيء منّي؟
فكان أن كتب رثاء نادرا لحالته واقتنع بما كان عوضا عن الذي سيكون، وأنه قد أخذ نصيبه من بنات حواء.
جميل الوحيد الأبدي مع كأسه وهذيانه وغنائه الأقرب للنواح الذي لم يفهم أحد كلمة منه.
قال بشار: لكن المعجزة حصلت عندما جاء جميل ذات ليلة بواحدة، قصيرة، مدكوكة ترفس الأرض رفسا بساقين قويتين وسنعرف لاحقا أنها تعمل سائقة تراكتور، أما جميل فكان يدرس الزراعة.
جاء بها كالفاتح وسرعان ما خرج الطلبة من غرفهم ووقفوا مصفقين لجميل وهو يتأبط ذراع سائقة التراكتور الحمراء الشعر ذات الردفين الهائلين والساقين اللتين ظهرت عروقهما الزرقاء مع الدوالي الواضحة، وكان صدرها عاليا، نافرا يكاد ينط من القميص الضيق بعد أن تحررت من معطفها السميك وحملته على ذراعها الأخرى.
وكانت سعيدة بهتافات أصدقاء جميل له فتقول له:
– أنت لك شعبية هنا؟
فيرد عليها بثقة:
– ولا شعبية غورباتشوف
فتضحك وهي تهمس له:
– أتعتقد أن لغورباتشوف شعبية؟
ثم تبرم شفتيها، وهي تحيي المصفقين الذين خرجوا مع صديقاتهم وقسم كبير منهم بثبات النوم.
قال بشار:
– تلك كانت حادثة لا تنسى وصرنا نؤرخ بها بعض الأحداث قبل ليلة جميل أو بعدها، هكذا..
ووصل جميل مع روزا وهذا اسمها الذي أخفاه عنا ثم باح به بعد ثلاث كؤوس متتابعة من الفودك.
وأضاف بشار العمادي وهو يشد أسماعنا إليه بحكاية جميل هذه التي كانت إحدى الحكايات التي عاد بها من موسكو بعد تخرجه، وأضاف:
– كانت سعادة جميل لا توصف، فقد وجد الأنثى التي فجّر بها خبيء رجولته التي كنا نشك فيها وهو ينوء بحمل رأس ثقيل وجسد ملبد باللحم، بهاتين الساقين البائستين وكيف يصبحان وهو يطارح الهوى سائقة التراكتور التي تعدّت العقد الرابع من عمرها.
وذات يوم همست روزا لجميل بأنها حامل فجنّ من سماع الخبر، إذ أنه لم يتوقع أن تحمل منه رغم أنها كانت تقول بأنها محتاطة لهذا وأنها تضبط حساب أيام الإخصاب . ولكن يبدو أن الخطأ وارد، وأنها لم تشأ أن تضيع ليلة أحد بدون جميل فكان الحمل الذي أصاب خبره. جميلا. بما يشبه اللوثة التي جعلته يمشي ويكلم نفسه، كيف حملت منه؟ هذا ما لم يحسب له حسابا؟ أما روزا فلم تشأ أن تسقط الجنين، قالت إنها فعلت ذلك من قبل، لكن الطبيب حذّرها إذ في هذا العمل خطر على صحّتها، ثم سألته:
– ألم تقل إنك تحبني؟ حسنا، هذه فرصتك لتثبت لي ذلك، تزوجني وسيأتي الطفل في كنفك وهو يحمل اسمك بدلا من أن يتربى في ملجأ؟
لكن جميلا لم يستوعب هذا، كيف يعود بكتلة اللحم الحمراء هذه إلى قريته هناك في الجنوب الغربي؟ وماذا سيلبسها؟ إنها لا تستطيع أن تتلفع بالسواد ولا تظهر من برقعها إلا عيناها تطلان من ثقبين صغيرين، وكل شيء منها لا يجب أن يراه ذكور القرية لذا ترتدي المرأة هناك قفازين أسودين يخفيان كفّيها فهما فتنة للذكور.
كان كل الذي جرى محيّرا لجميل الذي تصور أنه عثر على أنثى لتمضية الوقت أسوة بزملائه الذكور، وردّد بصوت عال:
– ليتني لم ألتق روزا ولم أرم نفسي تحرشا أمام التراكتور الهائج الذي كانت تقوده؟ ثم تحولت شخصيا إلى تراكتور آخر تقوده كل ليلة أحد حتى الفجر ووقوده الفودكا والكافيار وشرائح لحم البقر والزبدة وخبز التوست.
كان جميل يئن من حيرته . ويتوجع وينادي طيف أمه البعيدة.
2
سمعت تلك الحكاية من بشار العمادي، وكان يتلذّذ ويطلق ضحكاته العالية وهو يرويها لنا ونحن نشاركه الضحك كالمفرغين من الهموم ونحتسي الشاي المنعنع.
سأله أحدنا :
– وما الذي جرى بعد ذلك ؟
ردّ بشار:
– لقد عدت إلى عمان وتركته هناك، كان مخلوقا غير الذي عرفته، غادره المرح وصار يمشي ويكلم نفسه، ثم يهز رأسه ويصفق بيديه.
3
كان جميل يوقف المارة في الشوارع المثلجة عندما يضع على رأسه “القلبغ” الرومي الشهير الذي يجعل رأسه الكبير أكثر كبرا حتى يبدو وكأنه رأس خرافي تحمله قدمان ناعمتان رغم أنهما تندسان في حذاء مبطن طويل حتى الركبة احتماء من الثلج الكاسح.
كان لافتا للنظر بطوله الذي لا يبلغ المتر والنصف وهو يتدحرج في تلك الشوارع العجيبة.
ووفقا لما وصفه به بشار العمادي فقد كان وجه جميل الأسمر يميزه حاجبان أسودان كثّان كأنهما شاربان آخران أضاعا مكانهما فالتصقا مكان الحاجبين، أما شارباه فكانا أقرب إلى الشوارب الآسيوية ومن ذقنه تتدلى شعيرات ارتأى أن يسميها لحية لذا يحصدها مرة ويطلقها أخرى.
بهذا وصفه بشار أمام صديق عراقي كانت له تجارب أقرب إلى المحاولات في كتابة القصة، إذ أغراه ما سمعه عن جميل بكتابة قصة مستوحاة منه لكنه لم يجد الحماس لذلك بعد أن كتب عدّة مداخل لم ترضه لهذه القصة فارتأى أخيرا أن يؤجل المشروع إلى وقت آخر.
4
قبل أن يغادرنا بشار العمادي إلى مدينته عمان ألحّ عليه أحد أصدقائه هنا بأن يزوده بمآل جميل وروزا، وما دام ” الانترنيت” يلخص الزمن ويختصر المسافات فوجئ عبد القادر المالح وهذا هو اسم صديق بشارالعراقي برسالة طويلة على بريده الالكتروني من بشار وهذا نصها:
صديقي عبد القادر
قد يعود الفضل لك لأنك أوقدت فضولي لمعرفة ما انتهى إليه الحال بجميل لذا ما أن وصلت عمان حتى كاتبت بعض أصدقائنا ممن عرفوا جميلا وعايشوه في ذلك المبيت السعيد قبيل أن تنطوي تلك الأيام وينهار ذلك البنيان الذي كنا نظنه راسخا، ذلك البنيان المسمى الاتحاد السوفييتي على أية حال أنقل لك ما وصلني من أخبار جميل فقد اكتشف الأطباء أن روزا حامل بتوأم ولم يكن هذا التوأم إلا بنتين. آنذاك تضاعف جنون جميل إذ كيف يترك أنثيين من نسله اليعربي هنا في هذه المتاهة الكبيرة المسماة موسكو وهو يرى القوم لا يردعهم رادع عن التلاقح الحر، لا دين ولا يقين كما يلذّ له أن يردّد تعليقا على ما يراه في أيامنا الموسكوية. وصار يصرخ بهوس:
– ليتني لم أعاشر روزا وأظل أقضي حاجتي براحة يدي حتى أعود إلى بلدي وأتزوج كيسا أسود اسمه زوجة، لا تسمح لي بمعاشرتها إلا في الظلام.
ومنّى نفسه أن الأطباء قد يكونون مخطئين في تشخيصهم هذا فلينتظر، كما منّى نفسه أن تظهر البنتان شقراوين مثل أمهما آنذاك سيغادر موسكو ويتركهما لتعيشا مثل بقية الروسيات في هذا البلد الكبير. كما منّى نفسه بأنها قد تكون حملت من ذكر آخر صادفته في حانة، هذا إذا ظهرت البنتان شقراوين مثلها.
وفاتني أن أذكر لك بأنه قبل أن يعقد زواجه على روزا في احتفال أقامه له أصدقاؤه وفي مفارقة طريفة إذ العروس كانت منتفخة البطن وفي شهر حملها الأخير.
ثم أنجبت روزا بنتين كما توقع الأطباء وصار جميل جمال يلطم وجهه عندما جاءت الطفلتان وهما تحملان ملامحه، كانتا سمراوين مثله تماما فصرخ من حشاشته:
– يا للعار. سيعرف الروس أنهما من نسل يعرب.
وهنا اتخذ قراره القاطع وبلّغه لروزا التي وافقت عليه:
– سنعود إلى بلدي، أريد أن تتربى ابنتاي التربية التي تربيتها أنا.
وكانت الإقامة هناك مأساة لروزا التي اضطرت لارتداء الكيس الأسود أسوة بالنساء هناك، وحاولت أن تتأقلم. وكان لها شيء من الخبرة في التوليد إذ دخلت دورة في هذا المجال قبل أن تختار سياقة التراكتور الذي كان السبب في تعرفها على جميل حيث اكتشفته إنسانا ودودا ووحيدا مثلها.
لكن ابنتيها بلقيس وليلى فتحتا أعينهما على حياة تلك المدينة البعيدة، ولم تكن لهما أية حياة أخرى عدا الحياة التي هما فيها الآن حيث قدمتا طفلتين.
وذات يوم قررت روزا العودة لروسيا ووافق على الفور عندما أخبرته أنها ستترك ابنتيها له ليربيهما كما يشاء. أما هي فمن الصعوبة أن تواصل هذه الحياة المجدبة وهي ليست مضطرة لها.
سعد جميل بما سمع، وطلقها وسجل الطلاق في سفارة بلدها وغادرت.
كانت الأرض كلها لا تحمل الحالة التي صار عليها جميل، فأمه وأخواته تكفلن بتربيتهما وفق التقاليد التي تتربى عليها النساء هنا، ولم يتوان عن القول :
– الحمد لله، أنهما معي وفي حمايتي، وعندما تبلغان سأزوجهما بزوجين مناسبين يضمنان لهما الستر، ولو أنني بقيت في موسكو لما استطعت أن أصدّ عنهما الذكور الذين قد يغريهم لونهما الأسمر وسأربي قرنين آخر عمري.
وقال بشار مازحا:
– كم أضحكني التشبيه، وتخيلت رأسه الهائل المكور بقرنين، أي مخلوق خرافي سيكون؟ إنه بلا قرنين يمثل تكوينا بشريا عجيبا فكيف إذا كان بقرنين؟
وبعد أن فرغ عبد القادر المالح من قراءة رسالة صديقه بشار وما ضمت من أخبار جميل لا يدري لماذا نبتت في ذاكرته وعلى الفور حكاية من القبيل نفسه، لكن بطلها عراقي اسمه ليث الحمامي الذي كان زميله في المدرسة الثانوية في واحدة من أكثر الفترات السياسية عنفا في تاريخ العراق حيث الصراع على أشده بين اليمين واليسار، بين القومي والشيوعي ولذا ارتأى والد ليث أن يبعده عن البلد كله بأن أرسله إلى العاصمة النمساوية فيينا ليدرس أي اختصاص يحبه عدا الفن فوالده تاجر القماش سيّد وهو دائم القسم بجده رسول الله.
ذهب ليث الحمامي إلى فيينا عند قريب له سبقه إليها. وحمل معه شهادة إنهاء مرحلة التعليم الثانوي بعد اجتيازه الامتحان الوزاري الذي يسمى البكالوريا، وتسجل في كلية القانون، ولكن بعد أقل من عام تعرّف على فتاة نمساوية لها ملامح تجمع ما بين الشرق والغرب كما وصفها إذ أنها ليست شقراء مشتعلة بل بيضاء كالحليب – والوصف له – وشعرها الرباني أميل إلى السواد منه إلى الشقرة، ولما كانت العلاقات هناك سهلة من الممكن أن تصل إلى الفراش بعد وقت قصير من التعارف قرر ليث الحمامي أن يتزوجها، وأن لا يجعل علاقته معها حرة، فهذا حرام كما أوصاه والده فهو سيّد عليه أن لا يفعل هذا فماذا يقول للناس وجدّه رسول الله ؟
وارتأى عبد القادر المالح أن يردّ على رسالة صديقه عن طريق الإميل أيضا فكتب له :
عزيزي بشار
لك تحياتي وأشكرك على رسالتك التي أرضت فضولي عن جميل الذي بدأت أحس وكأنني أنا الآخر قد عرفته وعايشته مثلما حصل لك تماما، وما دفعني لهذا التعليق حكاية زميلي في المدرسة الثانوية ليث الحمامي وإليك حكايته.
التقيت بليث الحمامي في البيت العراقي بفيينا وكنت مارا في طريق عودتي لبغداد من إيطاليا، وكان مازال على ذلك الصخب القديم الذي عرفته به، في ذلك الوقت كان يدير هذا البيت أحد أدباء العراق الرواد الذي لذّ له العيش في هذه المدينة العذبة وآه لو رأيتهما ليث والأديب الرائد وهما يتبادلان ببذخ أجمل ما أنبتته عبقرية “الفشائر ” العراقية وبأريحية كاملة.
وهناك عرفت منه أنه تزوج نمساوية وأنجبت منه بنتا، وكان يردد:
– تمنيت من جدي رسول الله ودعوته أن يكون المولود ذكرا، ولكنها جاءت بنتا وسميتها خديجة أسوة بأم المؤمنين زوجة الرسول رغم احتجاج زوجتي على هذا الاسم الثقيل التي لا تستطيع نطقه وإن نطقته فهو “كاديجا” فتصور، كاديجا وجدها رسول الله ؟ فكيف يستقيم الأمر؟ والبنت آية من الجمال وصارت تكبر أمام عينيّ وأنا حائر في أمرها، كيف تكبر في هذا العالم المفتوح؟ والبنات يغادرن منازلهن منذ الثامنة عشرة ويمارس الجنس والسكر ويتعاطين المخدرات منذ الثانوية، فألهمني الله بأن البنت لا مكان لها إلا بغداد، وتحايلت على زوجتي وأقنعتها بأن والديّ وأخواتي الثلاث يلححن عليّ بأن نزور العراق لكي يرين زوجتي وابنتي التي أصبحت في الخامسة من عمرها، وهكذا سافرنا إلى العراق محملين بالهدايا ومكثنا هناك أسبوعين مرّا كيومين، وقد تعلّق والداي وأخواتي بخديجة ورضخت زوجتي لطلبهم بأن تبقى البنت في العراق لتتعلم اللغة العربية وأصول التربية الإسلامية، وعندما تكبر سيرسلونها لنا لتتمّ تعليمها في فيينا. وعدنا بدونها، وتركناها هناك، افتقدناها لبعض الوقت، ولكن كما ترى السيد ليث الحمامي صار يشرب النبيذ مثل البيبسي كولا، والعلاقة الزوجية على وشك أن تنتهي حيث اشترطت عليها أن لا تحبل بعد، والتوبة لله، ماذا لو جاءت بنت ثانية ؟ وقبل أن أسافر أوصيت والديّ وأخواتي بأن خديجة ستبقى معهم، ولن ترى فيينا ثانية، وعندما تكبر زوجوها هنا بواحد أكلح أملح حتى يتواصل نسلي في بلادي وعندما أعود نهائيا حاملا الدكتوراه في القانون الدولي سأبحث لي عن زوجة هنا، زواجي النمساوي كان طيش شباب ليس إلاّ.
هذه حكاية ليث الحمامي التي رواها لي وهو يواصل حديثه الصاخب ومناوشاته مع بعض الحاضرين الذين جاؤوا لأكل التمّن والمرق والتشريب و الباجة والطرشي والكبّة الموصلية التي تشكل وجبات الطعام التي يقدمها هذا البيت الذي ضمّ شتات العراقيين وبعض العرب المتواجدين في فيينا.
وقلت لبشار في الختام : لك أن تجد الرابط أو لا تجده بين حكايتي جميل وليث الحمامي، ولكن تلك قادتني لهذه فارتأيت أن أرويها لك.
بعد حوالي الشهرين :
وردت على إميل عبد القادر المالح رسالة قصيرة من بشار جاء فيها:
عزيزي عبد القادر
إليك آخر ما وصلني من أخبار جميل إذ نقل لي صديق بأن روزا لم تستطع العيش بدون ابنتيها فقررت العودة إلى بلاد جميل، وعندما وصلتها وجدته قد تزوج بابنة خالته وأنجب منها بنتا، وارتضت أن تكون الزوجة الثانية له وتغطس في الكيس الأسود الذي لا يظهر إلاّ عينيها، ولم يمانع فمعها يستطيع أن يواقع جسدا أنثويا يراه كاملا وليس مثل علاقته بابنة خالته التي لا يواقعها إلاّ في الظلام وكل واحد منهما يرتدي ملابسه الكاملة.
6
خبر في إحدى الصحف المغاربية:
قرأ عبد القادر المالح خبرا في باب الحوادث يقول بأن عربيا مغاربيا يدعى عمار يعمل سائق سيارة إسعاف بمدينة فيرونا الإيطالية استدعته الشرطة وأخذت تعهدا منه بأن لا يعنف ابنته الشابة عندما يراها تركب الموتور سايكل مع صديقها الإيطالي جاء ذلك بعد أن شكته ابنته لأنه هدّدها بأن يعيدها لقريته لترعى البقر هناك.
اقتطع عبد القادر الخبر ثم طبعه على حاسوبه وبعد ذلك أرسله إلى بشار في عمان بدون أي تعليق.