لارا رمضان أيوب
كل فجر كانت تجلس على حافة شريط الذاكرة ترتشف باقة الكستناء وتبدأ بالكتابة بومضة حزن تقول لوالدها الشارد بشرودها ” لاشيء فقط أحبُ الكتابة ” حاول الأب بلهفة احتضانها وهو يهمس ” افرغي حزنك ما بالكِ كلما باتتْ الشمس تشرق في زاوية البيت تتأملينها وكأنك تنتظرين وعداً غير الشروق منها ؟ تعود لحزن صوتها :” في كل ليلة أترقبُ حركات النجوم في كل حركة تخبرني شيئاً عن ابتسامتي التي ربما غطها التراب الأن ، ما أستطيعُ قوله إن الشوق لمن لن يأتوا يقتل فينا كل غد قادم …”
استدار الأب لصورة جان المعلقة بغيمة البيت الأيمن .. ” أمازلتِ تنتظرينه ؟ قد مرت أعوام ؟ ” ألا ترى ظلال العابرين في هذا الحي المستشهد منذ أول بندقية كيف ينظرون اليَّ ؟ وكأنهم أحياء وأنا الميتة يشفقون على جرحي الذي لم يندمل وكأنهم دون حزن ! أو كأن الحرب لم تضحي بهم أبداً ، أتظنُ أنه لن يعود ؟ لا أستطيعُ نسيانه بتلك البذلة العسكرية تلك الخضراء التي كان يجب يكون لونها أسوداً ، أسوداً كحزننا يا أبي فهي تقتل كل من حضنها “.
يحلق أباها باحثاً عن أجوبة لكل هذا الانكسار بين جناحي ابنته : ” كلما داهمك خياله لا تترددي اكتبي لهُ كلّ حب ، وغداً سأصطحبكِ لشجرة العام الجديد هناك تستطيعين أن تعلقي انتظارك دون حزن ، ” في اليوم الثاني يضغط الوالد أنامله على باب عزلة ابنته وهو يعزف على العتبة كإنها نايٌ سيراقص اللقاء ، كانت بفستانها كما آذار تتلآلآ وكأنها صندوق ذهبٍ تحت النهار ، واقفة أمام صورة جان ” ارتديتُ الأجمل يا والدي وتركتُ الفرح معه .. حربهم لن تنتهي ، وأحبتنا لن يحيون ، ونحن لن نكف على الصراخ بوجه الإنتظار ، حتى شجرة الميلاد إن سألتها غداً عن آمال الذاهبين إليها اليوم ستقول لك كلهم كانوا يبكون انتظار من لن يطرقوا للإياب باب.
( كاتبة كرديّة سوريّة)