الرئيسية | سرديات | كيف أصبحت أحمق!!! | عبد الوهاب أوذاير

كيف أصبحت أحمق!!! | عبد الوهاب أوذاير

عبد الوهاب أوذاير:

أما زلتم لا تصدقون أنني أحمق؟

 أِؤكدُ لكم أيها القوم أنني كذلك، صدقوني وإن كنتُ صادقا في ما أقول ولا أدعي الحمق لغاية في نفسي، أعرف أنكم لا تصدقون الصادقين، وتصدقون الدجالين والمشعوذين، إذن اعتبروني دجالا وصدقوني ولو لمرة واحدة ووحيدة…

فعلا فقدت عقلي، فقدته تماما، لقد “طار عصفوري” كما تقولون في لهجتكم المحلية، طار بلا جناحين دون أن يطلب الإذن، وها أنا أعلن حمقي أمامكم وأجهر به بعد تردد دام زهاء شهرين، وأسير صباح مساء “عاري العقل”، أثرثر، أقهقه، أبكي، أتكلم مع نفسي في بعض الأحيان، وفي أحايين كثيرة أتحدث مع الحمير لأنني أعتبرهم أصدقائي، أصدقائي المقربون لأنهم يحملون أثقالكم دون تذمر كما أحملها أنا، ويتحملون سخرياتكم المتواصلة دون أن “ينهقوا” ببنت شفة كما أتحملها أنا، آه لكمْ يعجبني نهيقها لدرجة أعتبره نوتات موسيقية، أرقص على إيقاعها كما ترقصون أنتم على إيقاعات الكمان لكنني في المقابل أكره الكلاب ، لا بل أمقتها، تشعرني بالغثيان والتقزز لأنها وفية لكم وتنبح على الحمقى أمثالي، نباحها منزعج وخصوصا كلاب الصيد البلقاء والبنية، وكلما قابلت كلبا ينبح أشرع في مبادلته عبارات النباح حتى يمل ويكل ويفر من تلقاء نفسه، هل سبق ورأيتم حمارا ينبح؟ أنا هو ذلك الحمار الذي تعلم النباح من أعدائه رغم أنكم ستقولون أن الحمير تنهق ولا تنبح، وهذا دليل قاطع على حمقي، لكنني لا أعترض سبيل المارة حاملا بيدي عصا غليظة أو حجرة كبيرة أشير بها على من أقابله في طريقي، وفي المقابل انزعج كثيرا من صبية القرية حين يلاحقونني وهم يهتفون ملء حناجرهم: وا لحمق وا لحمق !!!، لكنهم بالمقابل أيضا يخافونني كما يخافون الظلام، لأنني أرتدي جلبابا مرقعا ومتسخا، وأحتذي حذاء ممزقا يظهر بناني المتسخة ذات الأظفار الطويلة كمخالب الوحوش، لكنني لست وحشا أقسم لكم أنني لست كذلك، لم أفترس دجاجكم كما تفعل الوحوش، ولم أغتصب نعاجكم الوديعة!!

أعرف أنكم ستصدقون أمري في يوم ما، وتمرون بي وأنا مستلق على الطريق، أفترش الأرض، وأتناول الأزبال وأسابق القطط عليها، وستحملقون في جسدي المتسخ وشعري الأكرت ولحيتي الكثة ووجهي الممتلئ عن آخره بالسخام وستتساءلون بشفقة مصطنعة: كيف أصبح هذا الرجل أحمق؟

هذا سؤال صعب كصعوبة إدخال الفيل في سم الخياط، بيد أن الإجابة عنه سهلة كسهولة شي سمك السردين فوق الفحم المتقد !!! يا لغبائي كيف يمكن لسؤال صعب أن تكون له إجابة سهلة؟ آه تذكرتها، هو ذا سبب جنوني أيها الملأ، إنه الغباء المفرط الناجم عن التهاب حاد في الخلايا الدماغية مما يجعل الشخص يفقد السيطرة على عقله، ألم يقل أحد الكتاب الروس المشهورين أن “الإفراط في امتلاك “الوعي” ما هو إلا علة، علة مرضية حقيقية وتامة”  !!!، يا لغبائي لماذا استشهد لكم بمقولة كهذه لكاتب كهذا، أنتم لا تعرفون الكتاب، تعرفون فقط المطربين والمطربات الأحياء منهم والأموات، وترقصون على أنغامهم ليل نهار كما أرقص أنا صباح مساء على أنغام الحمير أصدقائي الذين أتحدث معهم عندما أصاب “بالسعار” الناتج عن تضخم الكلمات في جوفي، وما الضير في ذلك أنتم أحرار في أن تحركوا عجائزكم على أي شيء يخترق طبلة أذانكم، ويلامس شغاف قلبكم ويدغدغ مشاعركم، لكنني في المقابل لست حرا في نظركم لأنني اتخذت الحمير أصدقاء دون البشر ودون الكلاب، وهذا مناف للأخلاق والأعراف !!

 أترك لكم قضية الأخلاق لتتصرفوا فيها حسب هواكم، وأعود إلى الغباء، وأعود بالضبط إلى قولة الكاتب رغم أنكم لا تعرفونه، حسنا اعتبروها مقطع من أغنية شعبية، إنه يقول أن “الوعي” علة مرضية حقيقية تامة، والحق يقال أن كلامه فيه نوع من الغموض، لماذا قال الوعي ولم يقل الغباء، كان حريا به أن يقول الغباء، لأنه السبب المباشر الذي قادني إلى الجنون منذ “ازديادي الثاني”، وهو الذي أرغمني على ارتداء الجلباب المرقع واحتذاء الحذاء الممزق، وأكل الطعام  الفاسد والنوم في العراء، وإرهاب الصبية من مظهري الموحش، لكنني لست وحشا، أقسم لكم أيها الملأ أنني لست كذلك، لم أفترس دجاجكم ليلا تحت ضوء القمر !!!

آه كم أشعر بالألم لأنني لست ذكيا مثلكم، كانت أمنيتي منذ ازديادي الأول أن أكون واحدا منكم؛ آكل طعامكم، وأمشي مثلكم في الأسواق، وأشاهد “نشرة الأخبار” على شاشة التلفاز، وأجلس معكم في المقهى وأناقش معكم القضايا المحلية الراهنة، لكنني فضلت، ولا أدري لماذا، إتباع طريق آخر بمفردي، طريق قادني نحو الحمق، ذلك الحمق الذي لا زلتم تشكون في صحته، ولا تصدقونه وكأنكم تخشون على أنفسكم مني ومن حمقي، بيد أنني أؤكد لكم أيها السادة المحترمون والأذكياء، وللمرة الأخيرة، بأنني أحمق، أحمق لطيف لا يؤذي أحدا !!!

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.