قطرات | حنان الدرقاوي

حنان الدرقاوي

 

أخرج من الحمام دائخة من فرط الماء الساخن. أحب السخونة على جسدي. الماء يندلق محرقا، يحرق عنقي وظهري وصدري. الحرق له لذة خاصة، ألم خاص جربت الحرق في صغري مرات عديدة. كنت أبحث عن النار، عن الماء المحرق وبعدها أبكي وأضحك

هو لا يفهم لما أعبر هكذا من الضحك إلى البكاء ومن البكاء إلى الضحك هو لايفهم لماذا أنا هكذا احرق جسدي بالماء فقط ينظر إلي وأنا أضحك ويقول:

• تبدين طفلة

 وحين أبكي

• تبدين كجدتي في نهاية حياتها كانت خائفة من الموت وتبكي طوال الوقت هل تخافين الموت مثلها؟

أخاف من الموت؟ الموت فتنتي الموت هو الصمت، هو الإستلقاء الأخير. أتخيله هادئا كما النوم الذي يعوزني غالبا:

• هل يبدو علي أنني خائفة من الموت؟

لم أخبره أنني أخاف الحياة أكثر من خوفي من الموت.

  كنت خارجة من الحمام والماء ينساب على جسدي قطرات للخلود. كان هو مستلقيا على سريري أفضل دائما أن نلتقي في بيتي

أنظر اليه وآخذ علبة مربى. آكلها بالملعقة مباشرة. آكل ولا أشبع أنظر إليه ولا أرتوي. أخاف من غد تنفق فيه المربى ويبتعد هو عن عيني

أسميه الرجل المربى فيضحك. يعجبه إسمه الجديد. أحكي له عن حبي المجنون للمربى منذ صغري. كان نادرا أن تدخل البيت بسبب غلائها وحين كانت أمي تشتريها كنا نتقاسمها فيكون حظنا منها قليلا.

يعجبه أن أسميه لرجل المربى لغلائها، لندرتها ويعجبني أن أسميه الرجل المربى للذته وندرته أيضا.

كنت خارجة من الحمام وكان هو مستلقيا على سريري. كل يوم جمعة يكتسي سريري حلة جديدة رائحة جديدة رائحة الجنة

شممت فيه رائحة الجنة فدعوته الى جحيم من قبلات وحين احترقنا علمته الأسماء كلها وكان الله قد عاد من موته، كان الله قد عاد إلى قلبي وكان يبارك حبنا.

• هذا خصري تحيطه ولاتغادره

• هاته شفتي فاعتصمي بها ولا نتفرق أبدا

كان ظلي ومرباي ونخلتي. نخلة طفلة الواحة التي كنتها ولا أزال. حين أبحث عن الظل تسبقني النخلة بظلها. أتخيل أن النخلة تدور لتحميني من خطر الشمس الحارقة. الرجل المربى أيضا يدور ليحميني من نفسي  ويالفرط ماعرضت نفسي للخطر لأحس أنني موجودة.

أتبعه إلى السرير، أسحب ستارة البالداكان أنظر إليه. يبدو أميرا عربيا من زمن آخر كأن الله بعثته لي في هذا العمر الذي لم أعد اصدق فيه الحب.

كان قد كتب لي البارحة رسالة في المحمول

• هل آتي لأضمك إلى صدري فقط لحظة واحدة فقط أشم رائحتك يامرأة الصحراء

كنت من صحراء فأجبت

• لا سننتظر موعدنا غدا أطفالي ينامون

• هل تحكين لي حكاية أنام عليها إلى الغد؟

وياخوفي من غد حين يصل يوم الجمعة لايسعني البيت, لايسعني العالم. يكون معي أينما ذهبت هذا الغريب  القادم من الأفق جاء ليعيد السحر للعالم, عالم كنت قد نسيت كل أوهامه وأغلقت قلبي على الحب وهمومه.

كنت خارجة من الحمام بعد شهرين من أول موعد بيننا حين تلقيت رسالة على الهاتف

• أنا حبيس محطتين للميترو أفكر بك. يخيل لي أنني أعرفك منذ بدء الأزمنة فلايهمني إن توقف زمني في هذا الميترو فقد عرفتك، التقيتك

أجل التقينا التقينا هذا مافي الأمر  لم نتعارف عاودنا اللقاء كما في عالم أفلاطون النفس التقت بالحقائق في موكب عبورها في عالم المثل ومعرفة الحقائق هو مجرد تذكر.

لقاؤنا كان مجرد تذكر للقاء سابق كقدر يربطنا معا، يربط جسدي المبلول بشفتيه, يربط حكاياتي برغبته في الإستماع، يربط شفتيه بحبي للمربى

كان سعيدا لأنه حبيس الميترو فهذا يعطيه وقتا أكبر للتفكير بي

رباه كيف أرد هذا الغريب وهو سعيد في حبسته؟

 يومها سقطت قلاعي ودعوته إلى بيتي ننصت لأستور بيازولا. أربع ساعات من أستربيازولا ونقاش محتدم عن نقد العقل الخالص لكانط. لا أعرف لماذا هو مهووس بالفلسفة. كنت أحدثه عن الأمر الأخلاقي، كان ينظر إلي قبل أن يقول

• كم أنت جميلة

لأول مرة أحس أن التفلسف يجعلني جميلة

بعدها نسيت كانط ورقصت رقصت ودعوته إلى أن يرافقني في خطوات الطانغو واعتقدنا أن لاشيء سيفرقنا إذ بيننا استور بيازولا وايمانويل كانط.  لم نخمن أن القبيلة كانت  ضدنا وستقف لنا بالمرصاد في حرب ضروس جندت لها إبنتي وزودتها بسكين لتذبحني. كنا نناقش نقد العقل الخالص دون أن ننتبه الى نقد الحب الخالص الذي تكتبه القبيلة وتشن ضدنا حربا ضروسا بإسمه.

انفصلنا وما انفصلنا وظل في شفتي شيء من طعم الجنة وأغلق الباب نهائيا على لذاته فتعال ياقطي فأنا مبللة من ماء الحمام ومن ماء جسد لا يريد ارتواء بعد اليوم أريد فقط أن أقيم في وحدتي وأن أشبه الله في ذلك فهو الواحد المتوحد. تعال ياقطي وأخبرني كيف أدبر هاته الوحدة وجسدي لازال من نار ولهب فتبت يداي إن أنا لامست جسدا آخرا. تبت يداي إن أنا نطقت اسما آخرا يكفيني من العالم هذا البيت المعزول تكفي عيناي هاته الهضبة البليدة التي تمتد حاجزا بيني وبين الرغبات. تبت يداي إن أنا نسيتك يارفائيل.