قرار | البشير زندال
البشير زندال (اليمن ):
الزمن: الثانية رقم واحد
ما الذي جعلني أمرّ من هنا وأنا عائد من وظيفتي. فها هي الكرة محلّقة. تقترب من رأسي. فماذا أفعل عادة ما أفكر كثيرا قبل اتخاذ أي قرار في حياتي، وأحيانا ما اتخذ القرار بعد فوات الأوان. والآن ها هي الكرة تقترب من رأسي فما هو القرار الذي سأتخذه. هل أقفز إلى الهواء وأميل بظهري إلى الخلف ثم أقوم بحركة المقص الخلفي أو الدبل كي )double K( فأسددها نحو الأطفال، أم أقفز فارداً صدري أمام الكرة، لأتلقاها بعضلات صدري كي اخفف من سرعتها وتنزل بهدوء أمام جسمي فاقتنص اللحظة المناسبة وأسددها بقدمي كما كان يفعل الكابتن ماجد. مازالت الكرة تقترب من رأسي وما زلت أفكر كيف أتعامل معها. أنا نادراً ما العب كرة القدم، وحين كنت العب مع أصدقائي دائماً ما يختارونني حارس المرمى. لذلك لم أتمتع بمهارات الكرة كأصدقائي. واليوم مررت بالصدفة بالقرب من هؤلاء الصبية وهم يلعبون فتوقفت لأشاهدهم. لم يكن في حسباني أن يقوم ذلك الطفل برمي الكرة بقوة لتتجاوز الخطوط الوهمية لملعبهم وتصلني في هامش الشارع. هامش حياتهم. كيف أتصرف مع هذه الكرة المقتربة مني.
الزمن: الثانية رقم اثنان
ما دخلي أنا بها. بإمكاني أن أنزاح سريعا واتركها تسقط في الأرض. لن يلومني الأطفال إن قمت بذلك خصوصا وهم يرونني ألبس بدلتي التي لم أستطع اختيارها بنفسي في محل الملابس لأن الألوان والأقمشة المختلفة أربكتني فترجيت البائع أن يختار لي أي بدلة رغم أني أعرف أنه لا ذمة له وقد يعطيني أسوأ ما في المحل كي يصرف بضاعته لكن هذا القرار كان أسهل من أن اختار بنفسي. بدلتي هذه ستبرر لي أمام الأطفال هروبي من محل سقوط الكرة. ربما كان هذا القرار هو الأنسب. لكن الكرة ليست مسرعة. ذلك الطفل رماها عاليا. وهي تتجه نحوي بانحدار جميل. لو أني قمت بحركة المقص الخلفي أو استقبلتها بصدري لهلل الأطفال لي على حركة رائعة دائما ما يرونها من اللاعبين الكبار. ثم أني لم أتمتع مسبقاً بنظرات الإعجاب ممن حولي. سيكون من الممتع أن أشاهد نظرات الإعجاب تتجه نحوي. فحتى لو اتسخ القميص أو الجاكيت (الكوت) فلا بأس بذلك لأنه بالمقابل سأغسل قلبي بإعجاب الأطفال. ثم أن لكل شيء ثمن. فثمن إعجابهم سيكون اتساخ بدلتي. لو قمت بالمقص الخلفي ستتسخ بدلتي كثيرا. أما لو سقطت الكرة على صدري لن يتسخ إلا القميص. لماذا لم تأت هذه الفرصة وأنا البس أي ملابس عادية أو حين لا يكون لدي موعد مهم كما هو الآن.
الزمن: الثانية رقم ثلاثة
تقترب الكرة أكثر مني. تأتي ساقطة نحوي كحجر يتجه في مساره. لم يعد لدي الكثير من الخيارات. لم يعد لدي الوقت لأستدير وأقوم بعمل المقص الخلفي. بإمكاني أن استقبلها بصدري. بيد أنها اقتربت أكثر وصار ارتطامها وشيكا. بإمكاني أن أتلقاها برأسي. ربما يتسخ شعري وتختلط حبات الرمال بدهان شعري. لكن لا بأس فبالمقابل سأكسب إعجاب الأطفال. أما لو قفزت وأتقنت ضربها برأسي كما فعل زين الدين زيدان في مرمى البرازيل. فإن إعجاب الأطفال سيرتفع إلى أقصى دراجاته. وربما عادوا إلى بيوتهم ليتحدثوا عن ذلك الرجل العابر جوار الزمن الذي ضرب الكرة كما يضربها أمهر اللاعبين. ربما أيضا توقف الأطفال عن اللعب كلما مررت من جوارهم ليطلبوا مني أن أعلمهم حركات رياضية. بيد أن الكرة اقتربت أكثر ولم يعد لدي الوقت لأقفز وانطحها برأسي. لم يعد لدي إلا خياران فقط. أن أتحاشى سقوطها على رأسي وبهذا يسلم شعر رأسي من الاتساخ. أو أن أضربها رأسية دون أن اقفز. سيقل طبعا إعجاب الأطفال برأسية مع جسم ثابت بالمقارنة مع قفزة رائعة ورأسية أروع. لا بأس بإمكاني أن أضربها وأنال جزءً يسيراً من الإعجاب اقتات به لأيام في أحلامي. لكن اقترابها أكثر أربكني. وتقاتل سؤالان في رأسي كما يتقاتل كلبان شرسان. هل أضربها؟؟ أم أتحاشاها؟؟ أضربها أم أتحاشاها؟؟ أضربها أم أتحاشها؟ اقتربت أكثر. تجمدت عن اتخاذ أي قرار. أوشكت على أن تضربني. أغمضت عيني كطفل يقف أمام سيارة مسرعة ولا وقت له للفرار.
أصوات القصة العربية الجديدة: الأرخبيل المتشظي البشير زندال راهن راهن القصة العربية : صحاري الخيال المنسية قرار 2016-01-31