الرئيسية |
فكر ونقد |
قراءة في كتاب “الصدمة المزدوجة : المسرح و الحداثة” | محمد سعيد
قراءة في كتاب “الصدمة المزدوجة : المسرح و الحداثة” | محمد سعيد
محمد سعيد
عن دائرة الإعلام والثقافة، أصدر الكاتب المسرحي عبد الكريم برشيد كتابه “الصدمة المزدوجة : المسرح والحداثة” (2014) هذا الكتاب يعالج بشيء من الذكاء الخلاق إشكالية المسرح العربي والمغربي تحت وطأة العولمة والقطب الواحد، واضعاً عدة أسئلة للنقاش، من بينها مثلاً: لماذا صدمة المسرح وحداثة المسرح ؟ (ص 17) إن إختيار صدمة المسرح موضوعاً لهذا البحث -الكتاب- “هو بالتأكيد إنحياز إلى الذات، ليس الذات المنفصلة عن العالم، ولكن الذات المندمجة في الواقع والوقائع، والمتماهية في التاريخ وفي الكون، ولذلك لدرجة أن يصبح المؤرخ تاريخاً، وأن يصبح المسرحي مسرحاً، وأن يكون الباحث المجتهد بحثاً،أو جزءاً أساسياً وحيوياً من فعل البحث وفعل الإجتهاد”، بهذه الكلمات حاول الكاتب،الإجابة عن هذا السؤال الحامل لقلق وجود المسرح وماهيته. يحتوي الكتاب في مجمله على 247 صفحة مجزءة إلى ثمانية عناوين،ثم الخاتمة التي تعنى ببداية الكتاب (البدء الأخر). فتحث عنوان “فاتحة الكتاب – المشروع” (ص 7 – 34) إعتبر عبد الكريم برشيد كتابه جديداً،مستحضراً قولة لسليمان النبي “لا جديد تحت الشمس”،حاول الكاتب أن يفهمنا أن الحقيقة قديمة،و لكن العيون التي تراها هي عيون جديدة،فدرجة الصفر هي درجة الإندهاش الأول، الإندهاش من الوجود و من المسرح كوجود،صدمة المسرح و صدمة الحداثة، هي صدمة الوجود العربي (ص 10 – 11). إن المعرفة طريقها عذراء،و كم هو ممتع أن نتعلم،فالمعلومات ليست هي العلم،فالكاتب ينطلق من تعريف المعرفة عند “كونفوشيوس” إلى الفيلسوف الأمريكي “هربرت ماركيوز” – ماذا يمكنني أن أعلم ؟ ماذا يمكنني أن أعتقد ؟ ماذا يمكنني أن أفعل ؟.فالمعرفة المطلقة لا وجود لها،و لن يكون لها وجود إلا في أذهان المغرورين،لقد تسأل في السابق حي بن يقطان السؤال التالي – كيف نصل إلى أعلى المراتب بدون معرفة ؟ إن المسرح يحاول أن يعطينا هذه المعرفة،فهو فن يمشي (ص 14 ص 18). نرى أن هذا البحث – الكتاب،يطرح سؤال الحقيقة إلى جانب سؤال المعرفة،حيث يستشهد بما قاله المخرج اللبناني يعقوب الشدراوي “لكي تقول الحقيقة يجب أن تبتكر لا أن تنقل،الإبتكار جرأة”،و المسرح جرأة كذلك،هذا ما يريد أن يقوله لنا المسرحي عبد الكريم برشيد،فلا يجب أن نقول “أعرف إلا إذا عرفت،فإن جهلت شيئاً فقل لا أعرف،فهذا هو رأس الحكمة” كما قال كونقوشيوس قديماً،أو كما قال الحلاج “طريق الحقيقة دقيقة”،إن ملح الحقيقة هو الثقة في النفس،و المسيح يقول “أنتم ملح الأرض” (أصحاب الحقيقة و المعرفة)،فأهل الحقيقة و المعرفة دائما مختلفون،و لا يضيرهم أن يكونوا مجهولين وسط الناس،إنما يضيرهم أن يجهلوا قدراتهم الذاتية،فأكثر المعارف يقيناً هي المعرفة الحدسية كما يقول جاك دريدا (ص 15 – 16).فهذه الدراسة النظرية المجردة للمسرح حاول فيها الكاتب أن يستحضر الحقيقة و المعرفة بكل وجوهها الممكنة،و بكل درجاتها المختلفة،فلماذا صدمة المسرح و الحداثة كما قال الكاتب ؟ الكاتب المسرحي عبد الكريم برشيد،يريد أن يكون بحثه بحتاً فلسفياً من خلال العنوان،إذ يصف نفسه بأنه رجل المسرح،ثم يتسائل – أي مسرح ؟ المسرح أخلاق تمشي (ص 14 ص 18)،فهل يمكن أن نتكلم عن مسرح عربي أخلاقي ؟ هذا السؤال هو المدخل للمعرفة الممكنة – فما معنى المسرح ؟ المسرح ليس سلعة تجارية،و ليس المسرح للتسيس و التحريض السياسي بل المسرح هو تربية أخلاقية،قد يكون تبشيراً دينياً مسيحياً،أو تعليماً معرفياً،فالمسرح لا يمكن إختزاله في هذه المعنائيات فقط،بل المسرح مغامرة وجودية،مغامرة إحتفالية كما بكتابات عبد الكريم برشيد (الإحتفالية – بيان لأخر القرن،و كتابات على هامش البيانات – المؤدنون بمالطا..) فالمسرح ليس إيديولوجياً،و لا يجب أن يكون كذلك،و إن أكثر الرسائل في المسرح العربي اليوم،ما هي إلاً منشورات إيديولوجية،فمصر بعد ثورة الضباط سنة (1952) أدلجت مسرحها،و الجزائر بعد ثورتها التحررية من براثن الإستعمار الفرنسي،أدلجت مسرحها كذلك (ص 25). المسرح بداياته كانت يونانية،فأصل المسرح هو المسرح اليوناني،أدم المسرح الأول،لقد وقع الباحثون العرب في مأزق الرؤية التجزيئية،إذ إعتبروا المقامات و التعازي الشعبية،و الشعر الذي به حواراً مسرحا،واعتبروا بابات خيال الظل نصوصاً مسرحية،و تناسوا أن المسرح هو التعييد و الإحتفال (ص 24 ص 27)،فمن مأزق الرؤية التجزيئية إلى مأزق الرؤية الإنتقائية،يصبح هذا المسرح الشامل و المتكامل،مجرد خطاب سياسي متشنج،و ذلك عند المسرحيين الذين ينسبون أنفسهم إلى المذهب الملحمي البريختي،و إلى المسرح السياسي التحريضي (ص 27 – 29)،فالمسرح تجربة وجودية كما قلنا – فمن الذي يبدع،الإنسان،أم المكان ؟ (ص 31). فالمسرح بالغرب مؤسس على فلسفات،و الحركة التجريبية و الحركة التراثية و المسرحية الشعرية قائمة على أسس فكرية (ص 32 – 33)،ففي الجزء الذي عنونه “من التمثيل إلى المسرح” (ص 35 – 59) إستعمل عبد الكريم برشيد مدخلاً كتابياً “في البدء كانت المحاكاة” و كأنه يقول :”في البدء كانت الكلمة” (إنجيل يوحنا 1 : 1)،الكلمة المفككة لطلاسم الوجود الإنساني منذ البدء،و هنا من خلال هذا الكتاب،البدء هو بدء المسرح،المسرح العربي بكل تجلياته و شخوصه،إذ لم يكن المسرح معروفا عند العرب،إلا أن المسرحي عبد الكريم برشيد،إعتبر – بديع الزمان الهمداني و الحريري،و الجاحظ كتاباًَ مسرحيين،من غير أن يعرفوا المسرح كما مارسه اليونان،لأنهم تأملوا الحوار و وجدوه في الشعر و الحكاية و الملحمة،و إعتبر مسارح عربية،ليست بمسارح (الحكواتي – الحلقة – الفداوي – عبيدات الرمى – سيدي الكتفي – القوال..)،فهذه كلها ليست بمسارح،بل إعتبر مسرح سيدي الكتفي وثن مسرحي في الصفحة (101) من هذا الكتاب،و بعد عرضه للتيارات المسرحية الغربية،و كذا الإتجاهات و المدارس و الإجتهادات الفنية المختلفة،إعتبر مسرح الطيب الصديقي،مجرد قالب تمثيلي فارغ،يمكن أن يعبأ بالأمثال الشعبية،لكنه لا يرقى إلى الفعل المسرحي (ص 38 – 39)،فالمسرح عند المسرحي عبد الكريم برشيد كالعالم هو كبير بطبعه كما قال شكسبير (ص 41 – 44). إن تقليد الطبيعة البشرية قد كان دائماً – و سوف يبقى دائماً – من أكبر الألغاز و أخطرها على الإطلاق،فهو فعل مركب و دقيق و شفاف و حساس و معقد،و بهذا،فإن هذا الفن – العلم – الصناعة – و الذي يسمى التمثيل،لا يمكن أن يأتيه إلا المجانين أو أشباه المجانين،و العشاق و الشعراء و المتنبؤن و المغامرون و العرافون و المشتغلون بالسحر الحلال..(ص 42)،فالممثل الحقيقي،هو الذي يركب إحساسه،و يضاعف وجوده،و يفلسف رؤيته،و يصنع حالاته (ص 43)،فالشحاذون يمثلون،و الكاذبون و المنافقون كذلك،فهم يصنعون الحالات و ينساقون مع السياقات،و كأن هذا التمثيل إحتفالاً (ص 44 – 45)،فالتمثيل الإحتفالي هو التعدد إذن،التعدد بالأصل و الصورة،و بالشخص و الشخصية،و بالصوت و الصدى،و بالمحسوس و المتخيل،و بالوجه و القناع،و هو محاولة لأن يكون الممثل ذاته و غيره في نفس الأن،إن الإنسان هو أخطر كل مخلوقات الله،أما المرأة فهي أخطر ما صنع هذا الإنسان،و هناك من الناس من يرى بأن هذه المرأة من إختراع الأنثى أو أنها صُنعَت للأنثى و بطلب منها (ص 48)،يذكرنا هنا الكاتب المسرحي عبد الكريم برشيد بكتاب “الكون و الكينونة” أو “الكينونة و الوجود” لمارتن هيدغر martan haedigger حيث إعتبر “الكينونة،أن تحاول أن تكون كل شيء غير نفسها كالمرأة المعكوسة،التي تعكس صورتنا بذون أن تكون هي صورة لنفسها أو لنا”،إن الممثل الذي يتأمل المرأة يتحول هو نفسه إلى مرأة،و إن هذه المرأة الصادقة – مثل المبدع الصادق تماماً – عينها بصيرة و يدها قصيرة،و قد يصل صدقها لحد الوقاحة و إلى درجة الفضول المزعج،إذ هي فضاحة لللأسرار الخفية و كاشفة للعورات المستورة بورق التوت،و هي تسمي الأشياء بأسمأها،و لا ترى في الخواء إلا الخواء،و هي تعري،و تخترق الأجساد المكسوة بالريش و الحرير (ص 48) فالممثل في الأخير،كاشف للمستور و الخفي،و فاضح،إذ تأمل المرأة و صار مثلها،عاكس صورة الواقع في المسرح.
2016-10-22