في معنى الفلسفة اليوم
تغطية /عبد الواحد مفتاح
احتضن مدرج عبد الله العروي، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ابن امسيك، حلقة نقاش من تنظيم مختبر الفلسفة والشأن العام، “في معنى الفلسفة اليوم” ألقى ورقتها التأطيرية الدكتور عبد العالي معزوز، الذي قدم فيها جملة من المعطيات وأبرز عدد من التحديات، التي تقف اليوم أمام واقع الفلسفة، فالسؤال المحوري الذي انطلق منه هو: لماذا التفلسف في مطلع الألفية الثالثة؟ ليس سؤال ثانوي كما أبان في طرحه، الذي رأى للترحاب الكبير الذي أصبحت الفلسفة تستقبل به، وتُخصُ في عدد يزداد من الأوساط، بعدما تم تبخسُها والحط من دورها في السبعينات لفائدة بعض الأيديولوجيات والتيارات الظلامية، التي كانت سعيدة وقت إذن. فالحاجة إلى التفلسف اليوم، تبرز كضرورة ملحة وراهنية، أكثر من أي وقت مضى، لمواجهة الفكر الأحادي الجامد، الذي لم ينجب غير التخلف الحضاري، والانحطاط القيمي، فهي اليوم إذ تحارب في أكثر من مضمار -كما نبه إلى ذلك- وفي عدة جبهات: الفلسفة ضد العولمة وما تحمله من طابع استهلاكي، يبتغي التحكم في الإنسان وتعليبه. الفلسفة في مواجهة تَسليع الثقافة وصناعة الترفيه المراد من الأدب، عبر إدخاله للمقالة التي تبيع الإشهار. الفلسفة في مواجهة ثقافة العنف. الفلسفة في مواجهة التيارات الأصولية.
لتنطلق بعد هذا المدخل الجلسة الأولى التي أدارها بحس ساخر ومتفكه، الدكتور محمد الشيخ، الذي انطلق من عملية إعادة تعريف الفلسفة، عبر تشريح المقولات الجاهزة، وإعادة صياغة جملة من المفاهيم التي كانت منطلق نقدي لورقة الدكتور محمد الدكالي، حيت جاء فيها تحليل مركز لمعنى السؤال الفلسفي، لما له من أثر عميق، ضارب في جدع المعنى الإنساني المشترك، ولما له من دور بالغ في آلية تفكير الفرد والمجتمع، وتحصينه ضد اللامفكر فيه، الذي يعلي من شأن المطلقات واكتسب سلطة اليقين بفعل الزمن.
فالفلسفة بما هي احتكام على -حسب تعبيره- يتجه إلى آليات التفكير الإنساني ومفاهيمه، مسعاها فحص المقدمات والعلل التي تقف على بناء خطاب عقلاني واضح وجلي، بحوزته وبإمكانه مواجهة وبحث أسئلة القيم، والتاريخ، والمستقبل، وبعث أسئلة التقدم، والإنسان، والمستقبل، مبرزا السمات التي تجعل عدد من التيارات التي تعمل على محاربتها، وكيْل العداء للفكر العقلاني، لأنهما دعوة للتأمل والتفكير، بما هما ضد التسليم للزعامات، التي تسوق الوهم السياسي والديني، فهما حرية من الهيمنة أولا، و أيضا دعوة إلى التمسك بالفكر النقدي والوعي به، الفكر الذي لا يقبل بالمسلمات، عامله الشك والنقد بدءا بنقد ذاتها. أما مداخلة المفكر المغربي عبد السلام بن عبد العالي، الذي ألقاها أحد طلبته نيابة، حيت لم يستطع الحضور لسبب صحي، فقد تركزت كما جاء في بيانها «ضد البلاهة» والبلاهة هنا كما يوضح لنا هو اللامفكر فيه الذي تلبسه الأفكار الجاهزة، التي تتشكل في بنية صلبة متماسكة، لهذا وجب فهم البلاهة كما يصوغ لطرح ميلان كونديرا في تمثلها بالحداثة حيت كانت حتى عهد قريب هذه الأخيرة، تعني تمرداً غير محافظ ضد الأفكار الجاهزة وضد الكيتش. أما اليوم، فتمتزج الحداثة بالحيوية المتدفقة لوسائل الإعلام. أن يكون المرء حديثاً أصبح يعني أن يبذل مجهوداً خارقاً كي يكون مواكباً لما يجري، يكون طبق ما يجري مقدوداً عليه، يكون أكثر محافظة من كل المحافظين. لقد ارتدت الحداثة رداء الكيتش.ليخلص إلى أنه لن يكفي الفكر والحالة هذه، لا تصحيح الأخطاء، ولا فضح أوهام الأيديولوجية ونقد آلياتها، ولا مطاردة الأوثان وملاحقتها، وإنما يكون عليه أن يقاوم البلاهة، ويتعقب اللافكر الذي تنطوي عليه الأفكار الجاهزة، ويفضح الأساليب التي ينجرّ عن طريقها الإنسان الحديث إلى أن يكون طبق ما تجري به الأمور وعلى شاكلتها CON-FORME، إلى أن يكون أكثر محافظة CONFORMISME من كل المحافظين.
أما الجلسة الثانية والتي كانت من تأطير أستاذ مادة السؤال الفسلفي توفيق رشد، فقد افتتحها الدكتور أحمد الصادقي برصد أساليب الهجوم اللامبرر الذي تعرضت له الفسلفة من أجل إرساء فكر شمولي، يسلبُ الفرد إرادته، ويجعله رهين الغيبيات والمقولات الميثولوجية، حيت صارت اللغة إلى جانب الإنسان العربي أيضا بحاجة إلى الرقي إلى لغة أنطلوجية، بعيدا عن ثوبها اللاهوتي، الذي يربطها بماضي فقهي، يجْثم على أنفاس التحديث في جسدها، هذا من صعيد، وفي واجهة أخرى، يبرز كما يطرح دور التقنية، التي تقف حجر عثرة أمام الفلسفة، التقنية المتجلية في العلم، لأنه أصبح خاضعا للمقاولة، فالتجارب المخبرية الكبرى على سبيل المثال، تتطلب تمويلات ضخمة، وهي التي لا يستطيع العلماء التحصيل عليها إلا داخل المقاولة، التي تفرض شروطا توجيهية، لتقف الفلسفة أمام معادلة تمفصُلها اللاهوتي والتقني، وهي معادلة لا يسعها أمامها إلا الانخراط في شبكات مقاومة تسعى جهدها إلى بلورة أسئلة، وإحداث شروخ في عالم يسير بسرعة نحو التنميط والتخشب، ومحاولة السيطرة على الجموع باسم الفن، والطائفية، والتقنية، لهذا يكون لزاما مواصلة الجهود والمساعي الرامية إلى استئناف القول الفلسفي، وتوطينه في ثقافتنا. أما مداخلة الدكتورة خديجة شاكر التي جاءت تحت عنوان: « الفلسفة والمدرسة » فقد لفها إحصاء سوسيولوجي، يرصد مواطن الضعف والقوة في العملية التعليمية للدرس الفلسفي، سواء داخل الجامعات أو داخل الثانويات، التي اعتبرتها أهم فضاء لبسط الأفكار الفلسفية للناشئة، الذين يُسيجون بشبكات من الممانعة ضد هذا الدرس في الغالب، من التلفاز، والعائلة، والشارع، وضعف الإنتاج الثقافي، وفتاوى الفقهاء، حيت يعمل هذا الجمع كبنية واحدة، هدفها تحجير الناشئة من أي فكر نقدي، ما يجعل عدد منهم، يستقبل هذا الدرس استقبال العدو ويستوعبوه استيعاب الند، هذا وقد عرجت الدكتورة على المسار التاريخي لتدريس مادة الفلسفة بالمغرب، ولتطورها الراهن، وحجم التحديات، وتظهر الرهانات الفكرية والثقافية والمجتمعية التي تنتظرنا في علاقتنا بذواتنا وبأغيارنا وبالعالم،-لتضيف- ويشهد على الجهد النوعي الذي بذلته المنظومة الوطنية في بناء الإنسان المغربي، وتسليحه بالعدة الثقافية والفكرية للانخراط في فهم العالم والعمل على تغييره، عبر مغربة هذا التدريس وتعريبه وتعميمه، وهو درس يساهم في بناء مجتمع حداثي ديموقراطي يراهن على التنوير وقيم الحداثة الحقة، المبنية على العقل والقانون والتسامح والسلام
الفلسفة عبد الواحد مفتاح في معنى الفلسفة كلية ابن امسيك ندوة فلسفة 2017-03-14