حمود حمد الشكيلي (عمان):
1
هذا العامل أراه صباح كل إجازة آتي فيها إلى الشاطئ. يكنس طلح الغبار من جوٍّ تلامسه يداه، يترك على الرمل أصابع قدميه، تصيد عيناه طيورا تحط على الموج وتطير، يسير وعيني في وجهه، سحنته لا تنبئ عن وطن قذف به نحو سلّة الخبز، وحيدا في صورة الجمع، شبيها بوافد مغترب.
لا يمكنك أن تعرفه لتقول إنه هندي، أو بنغالي، أو باكستاني.
لا أظن أنه من سريلانكا أو النيبال.
الدول الثلاث الأولى كانت واحدة، وحدها الحرب شظتها إلى ثلاث دول، كإمبراطورية الساحل، قبل أن تحولها عقود منتصف القرن النفطي لدويلات صغيرة، من فوقها بحر، ومن تحتها ذهب.
بدا وجهه مألوفا للذاكرة. نتبادل السلام بكلمة واحدة. أقول “رفيق”، فيرد علي أيضا بكلمة “صديق”.
2
تطوي أصابع أقدامنا الحافية حبيبات رمل الشاطئ.
تذهب قدماي ناحية الحديقة، تأخذه ساقاه النحيلتان للناحية الأخرى.
يواجهه السوق، تواجهني بوابة نصف حديقة نائمة.
3
يفكر كأي أحد يمشي وحيدا. تخيلوا أنه يفكر في بلده وهو عنه بعيد. يقينا نمشي مفكرين مثله ببلد ونحن في قلبه.
تراه في أي أمر يفكر؟
أفي فقره؟ أم فقر البلاد، أو أنه في أمر حياته هنا يفكِّر، هل سيرسل في هذا الشهر جزءا من رابته لأفواه تموء هناك؟ أسيلتقي يوم الجمعة برفيقة غربته في الكنيسة؟
4
أنا أفكر، ليس لأني هنا، بل لست موجودا في قلب بلدي، أنا في أطرافه، أشعر أني تحت واحدة من أصابع قدم وطني، لذا كثيرا أُفكِّرُ، حتى أن ابنتي تقول:” أبي دع ما تفكر فيه، تعال اشرح علم المعاني..” أذكر الآن أمي قبل احتضارها قالت: “سيقتلك التفكير، ستموت وأنت تفكِّر”. لسان زوجتي لم يتركني لحظة في قلب التفكير فتلفظ قائلا “انظر إلى شعر وجهك في المرآة، أنت في أوّل الثلاثين والشيب يكسو شعر لحيتك ورأسك، هذا ما فعله بك التفكير”.
5
كل تلك الأقوال ذكَّرت بها نفسي أثناء سيري حافيا فوق قلب الرمل.
صار وجه العامل مألوفا لعيني المستيقظتين أول الصبح، ثم بعد انزياح الشمس أراه صدفة دون موعد في المكان نفسه، أُسلِّمُ :
-
رفيق.
يرد:
-
صديق.