حاورها عبد الواحد مفتاح
فاطمة الزهراء الرغيوي قاصة متميزة، بأسلوبها وأدوات سردها الحكائي، الذي يعري عن تفاصيل كثيرة، ويخترق مواضيع اجتماعية وإنسانية، في شفافية واشتغال لا يلتفت للسائد والمتواضع عليه في الساحة الثقافية، ما يجعلها إحدى المبدعات اللواتي جُدْن على المكتبة العربية بأعمال وازنة ونفيسة.
صاحبة “جلباب للجميع” و”خمس رقصات في اليوم” تفتح لنا النوافذ مشرعة، في هذا الحوار في مكاشفة واضحة المعالم، حول وضعية المرأة الكاتبة، وضعف التلقي، في إضاءة لبعض الجوانب الهامة في سياق مشروعها الكتابي.
-
كبداية لهذا الحوار، ما فاتحة النص الذي ورطك في عالم الكتابة؟ خبرينا قليلا عن البدايات؟
يبدو الأمر بعيدا. ما أذكره تحديدا هو أنني أتيت إلى الكتابة لأنني أحببت الكتب. أحببتها كثيرا إلى درجة أن اصطفيتها رفيقة لعب وأنا صغيرة. كان ذلك قبل أن أتعلم القراءة والكتابة. ثم عندما تعلمت وضع الأسئلة، وقد كانت كثيرة وشائكة ولم تكن لي الجرأة لأطرحها على المحيطين بي تارة، ولم تكن لهم الجرأة لإجابتي تارة أخرى، بدأت أكتب. كان أول الكتابة قلقا صافيا، ويبدو أن جزءا كبيرا من هذا القلق ما يزال حاضرا فيما أكتبه. لنقل إذن إن ما ورطني في الكتابة، وربما هي ورطة جميلة على كل حال، هو القلق. أليس العالم، هذا العالم، مصدرا كبيرا للقلق؟
-
لديك رغبة عارمة في الكتابة، ما يوضحه غزارة إنتاجك؟ ماذا عن طقوسك الكتابية؟
ربما لا يمكنني نفي رغبتي التي تسميها عارمة، بالكتابة. إنها أقرب إلى الحاجة الملحة والضرورية أحيانا للبقاء قيد هذه الحياة البئيسة. لكنني لا أعتبر نفسي غزيرة الإنتاج. أكتب نصوصي القصصية ببطء شديد. ستصدر لي قريبا مجموعة قصصية ثالثة (بعنوان: أضع سري بين يديك) بعد خمس سنوات من صدور مجموعتي الثانية، خمس رقصات في اليوم. ولم أنجح بعد في إتمام أي من مشاريعي الروائية.
إذا كنت تقصد بالغزارة تلك النصوص الفايسبوكية شبه اليومية، فأنا لا أسميها كتابة حقا. لا أعرف كيف أسميها. إنها كتابة قلقة أيضا، وملحة، ولكنها لا تشبع رغبتي في الكتابة، وإنما تزيد الظمأ.
لا ألجأ إلى طقوس محددة لأكتب. كثيرا ما أفوت فكرة جيدة لأنني أشعر بالكسل، أو لأن الوقت غير مناسب للكتابة، أو لأن هناك أولويات أخرى. أن تكون لديك طقوس خاصة بالكتابة تفترض أحد أمرين: إما أنك تمارس الكتابة كرفاهية تمتلك إمكانياتها (المادية خاصة)، أو أنك قادر أن تتحلى بما يكفي من الأنانية لتجعلها تسبق كل شيء آخر… في حالتي قد يكون الكسل هو المسؤول حقا عن عدم تحلي بالأنانية الضرورية لخلق هذه الطقوس (الرفاهية هي أمر مستبعد في حالتي). الكسل الناجم عن اليأس؛ لماذا أكتب، ولمن أكتب، وبماذا تفيدني الكتابة؟ لذا أحيانا كثيرة أكتفي بالكتابة لنفسي. أقصد أنني أكتب في مخيلتي نصا كاملا وأنا أمشي أو أنتظر شيئا ما أو أدعي أني نائمة، ثم أمحوه.
-
كل عطاء فني مصدر استلهام فمن أي الينابيع تستلهم فاطمة الزهراء الرغيوي، كتابة القصة ؟
إذا نظرت إلى عالمنا اليوم، فستكون أمامك قصص كثيرة. إن نشرات الأخبار، وصفحات الانترنت، ونميمة الجيران، ووجهك صباحا الذي يقاوم انتكاسة جديدة… كلها أفكار ممكنة لتحويلها إلى نصوص أدبية. هناك تحولات درامية وتراجيدية وكوميدية، يكفي أن تفتح عينيك جيدا لتلتقطها. أحاول أن أفعل ذلك عادة. أنظر جيدا ثم أكتب. لكن الكتابة هي قبل كل شيء القراءة. إذا لم تكن قارئا جيدا فلا يمكنك أن تكتب.
-
كيف ترين القصة القصيرة التي تكتب في المغرب، ما لها وما عليها ؟ وما هو حالها بين الرواية والشعر ..؟
إنها بخير. تحتاج قراءً أكثر منه إلى كُتاب. القراء الحقيقيون يخلقون نقاشا حول الأعمال الأدبية ويفسحون لها المجال لتحيا، أو يتركونها لتموت. نحن لا نناقش ما يكتب. أصبح الكاتب/ة خطيبا يقول كلمته ويمشي، لا يَلتفِتُ إلى أحد ولا يُلتفتُ إليه. إنه حال القصة وحال الرواية وحال الشعر في المغرب. لا أجد فرقا كبيرا في تلقي كل الأنواع الأدبية من القراء المغاربة. يعاني أدبنا من لا مبالاة قاتلة، لا تكفي مجاملات النقد من انتشاله منها.
-
الكاتبة تكون في الواجهة وأكثر عرضة للنقد، فكيف تقبل القاصة فاطمة الزهراء الرغيوي النقد (خاصة أنك من الكاتبات غير المهادنات) وإلى أي مدى تتأثرين بالنقد سواء كان سلبي أو إيجابي؟
إذا كنت تقصد النقد (وحتى القراءات) الذي كتب حول نصوصي، فإنها لا تتجاوز عدد أصابع اليد. وقد كان كله جميلا ومشجعا على المواصلة. وإذا كنت تقصد الشفهي منه، فأحيانا يصلني النقد الذي يطال المرأة التي تكتب وليس الكاتبة. وهو نقد لا أهتم له، إنه نقد بائس وعاجز عن خلق حوار مع النصوص ومع الأفكار ومناقشتها… عندما يتعلق الأمر بنقد أدوات الكاتبة والكتابة والمواضيع والأسلوب وغيرها فإنني أستمع بانتباه. إنني أتعلم الكتابة كل يوم، وأحب أن أعرف مكامن قوتي وضعفي، وأن أبني تجربتي في الكتابة انطلاقا من هذا النقد أيضا.
-
نلاحظ وجود صور جريئة في عالم قصصك برأيك، هل هي عامل للنجاح ومصداقية الواقع، أم للفت أنظار القراء والتشجيع للقراءة والشهرة .