عن المثقف وسؤاله | عبد الواحد مفتاح
عبد الواحد مفتاح:
لا أحد منا يستطيع إنكار مسلسل الدهشة الذي انخرط فيه المثقفون، بعد انفجار الربيع العربي، وحتى سنوات من سقوطه المدوي، بما عرفناه من تلاحق كل تلك التطورات الدراماتيكية الكبرى- التي عشناها جميعا- من تقاطع الصراعات الإقليمية الاستقطابية، والتي كان من نتيجتها اللعب، إلى الحدود الخطرة، بورقة الأصولية، وتدعيمها إلى تَجْيِّشها ومن تم إطلاقها كأسلحة مطيعة، لنشر الفتنة الطائفية، إلى أن اشتعلت كامل هذه الحرب البئيسة بالمنطقة، في استغلال مقيت للدِين ولضعف البنية الذهنية، واستشراء عامل الأمية عند شعوب المنطقة، ليدخل الفكر العربي نفسه حالة غيبوبة لما لحقه من فوضى وتخبط غير مسبوق، انعكس عليه أيضا فيضان الوضع الدولي، الذي بات يعرف حالة سيولة تذهب بجملتها إلى اللا قطبية، تصاعدت معها أخطار العولمة وتمزيقها للنسيج الثقافي والقيمي للمجتمعات، ومن تم مرتكزات الدولة الوطنية، التي تشققت لدينا بها الهويات ما دون الوطنية داخل القطر الواحد.
إن حالة الفراغ الثقافي الذي يعرفه الوضع العربي، والتشغيل السياسي للأصولية، المساعد بقوة على تفريخها واستنساخ نفسها، في رضوخ كامل لشروط العولمة، إن كل هذا يفرض على المثقف العربي الشعور بفداحة المسؤولية، والنهوض بزمام المبادرة.
فما أحوجنا اليوم لفكر يستنبط ويقترح، قادرا على خلق الواقع والتأثير في الأحداث، لا اللهاة وراءها في دائِخية ما يحاول كثيرون منهم، التقرب إلى أصحاب القرار أو الاستحواذ على مناصبهم بغية التغيير من الداخل، بدل الدخول في غمار زحف تنويري شامل، يستهدف القواعد الشعبية التي عشعشت الخطابات التقليدية العدمية بها طورا من الزمن.
إنه لمن نافلة القول إعادة المناداة بنزول المثقف من برجه العاجي، للانخراط في عملية توسيع من دائرة خطابه حتى يطال شرائح أوسع، إلى جانب وهو الأساس اليوم الالتحام لخلق مؤسسات ثقافية محسوبة على المجتمع المدني، قادرة على حمايته وضمان استقلاليته، وهو ما يكون كبير دور له في فك العزلة وإمداد الوسائل، وخلق منابر جديدة، وكلها أشياء إلى جانب أخرى بدونها من الصعب الوقوف حصيفا، على مسائلة المثقف العربي.
أقول عبد الواحد مفتاح الربيع العربي المثقف عبد الواحد مفتاح عن المثقف وسؤاله 2016-12-12