عن أزمة التشكيل المغربي | عبد الواحد مفتاح
عبد الواحد مفتاح
عدد ويفاجئ، من التشكيليين المغاربة الذين جمعني معهم ملتقى هنا أو معرض هناك (هذه الأيام أعيش انفصال عن كل هذا في عزلة تريحني) أجد أنهم محدودي الثقافة إلى معدميها، محض تقنيين لا أكثر، رسام بالمعنى الحرفي محدود الرؤية البصرية خاصته، منكمشة لحد لا أجرئ معه إلى نقل السؤال إلى مشروعه الجمالي، لأنه ببساطة لا يملكه، أو يختزله في علامة أو رمز، وهو ما ينعكس على المستوى المخجل لمعارض عديدة، تنجز عنها تغطيات إعلامية واسعة، لا لشيء إلا بحكم العلاقات الخاصة لصاحبه، وهو ما يضيف تأثيثات جديدة لبؤس المشهد التشكيلي المغربي، الذي لولا أسماء قليلة تعمل داخله باشتغال عالم لخبا ضوئه.
لو قمنا بإطلالة سريعة على عدد الفنانين التشكيليين داخل المغرب – ودونما الحاجة إلى إحصاء رسمي- لأصبنا بالرعب لجحافل هؤلاء الفنانين، ربما لو استخدمنا الأمر بشكل جدي لدخلنا موسوعة (غنيس) للأرقام القياسية. العدد كبير ويزداد، مستفيدا من عدم وجود تقاليد فنية مترسخة داخل البلد، إلى جانب غياب مؤسسات ثقافية مستقلة ومؤثرة، وترك وزارة الثقافة الحبل على الغارب، لتجد هواة يصيرون في جرة قلم فنانين محترفين، والعامل الرئيسي نقاد لا يجيدون مؤسسات تضمن استقلاليتهم وتوفر الدعم الكافي لهم، لا جوائز ذات مصداقية أو متابعة جادة من الوزارة الوصية، نقاد جعلوا من أقلامهم وسيلة للاسترزاق وتوسيع دائرة المصالح، وهو ما ينعكس سلبا على الحراك الثقافي الوطني، ويضر بسوق الفن الذي تشابهت فيه القنافد.. بصالات عرض لا يهمها غير الربح السريع، وتسليع اللوحة باعتبارها تجارة لا ثقافة، وتعاون بعض أصحابها مع لوبيات تنعم بمرح في الريع الثقافي، الذي ليس أقل فتكا من أي نوع أخر من أنواع الريع، مستغلين عدم تمييز المتلقي العادي بين العمل الفني الرصين النابع من رؤية ومشروع جمالي، هو هم صاحبه، و(خالوطة) من الألوان في وضعية متناسقة.. أحيانا أخالط بعض هؤلاء تجده في اطمئنان بليد للنسبية التي تصير شعاره الكبير، الذي يختبئ وراءه ..العمل الفني نسبي يقول: لكل رأيه لوحتي شيء نسبي ..العالم بأكمله نسبي لما تسألني هذه الأسئلة ..
إنه من المخجل فعلا أن بعض هؤلاء الحاصلين على بطاقة فنان أميين، وهو الأفضل بكثير من أنصاف المتعلمين، هؤلاء الذين يفتحون أفواههم أوسع من تمساح ليطلقوا على أعمالهم الرديئة، أوصافا في غاية الصحة والجمال.
إن واقع هذا التشردم الذي تشهده الساحة التشكيلية، قطعا لن تتضرر منه غير اللوحة المغربية، وقيمة هذه اللوحة ..الفنانون المزيفون أو فناني يوم الأحد، ظاهرة موجود بالعالم وبنسب متفاوتة، إلا أن عدم المواكبة القوية من طرف الحركة النقدية، هو العامل الأساس في انتشار هكذا طفيليات ضارة بالمشهد الثقافي ككل، وهي الحركة التي تعاني بدورها من المجهود الشخصي والاشتغال الفردي للناقد، في ضل بيئة صعبة جدا، فمع قلة الجوائز الأدبية وعدم وجود مؤسسات ثقافية وتضعضع القائم منها، لضمان استقلاليته ودعم نشاطه، يبقى من الصعب جدا توجيه أصابع اللوم له.
إن النهوض بالساحة التشكيلية مسؤولية الجميع، فنانين ونقاد وأصحاب صالات والوزارة الوصية على القطاع، وعليه فلا يمكن النهوض بهذا القطاع الفني الحيوي إلا بتكثيف الجهود وخلق مؤسسات مستقلة لحمايته.
عبد الواحد مفتاح عن أزمة التشكيل المغربي 2016-08-19