حاوره : رشدي الصافي.- هانوفر ألمانيا .
اذا أردنا أن نعطي ورقة تعريفية عنك، أو أن نقول باختصار من هو علي الوراد ؟ ماذا يمكن أن تقدمه لنا من تعريف ؟
من الصعب جدا على الإنسان أن يقدم نفسه، ولكن بحدود الممكن سوف أجاوب، أنا انسان جدا بسيط، أنتمي إلى أسرة جدا فقيرة، كنت أعيش بمنطقة بنواحي دمشق قرب مخيم اليرموك، أتيح لي في فترة جد مبكرة من التعرف على مجموعة من الأصدقاء المهتمين بالشأن العام السياسي والفكري، وهذا أتاح لي الفرصة لكي أقرأ أكثر وأهتم أكثر . والانحياز أكثر للشرائح الشعبية للناس البسطاء وكل هذا جعلني أقترب أكثر لما يسمى (اليسار الجديد) في سوريا في مرحلة مبكرة من مراهقتي. يمكن أن أقول أن جو التنوع الذي كان في مخيم اليرموك والنشاطات الفكرية المتنوعة التي كانت تقام في تلك الفترة كان لها دور فعال في تشكيل الوعي السياسي بالنسبة لي.
سنسافر معك الآن في عمق ذاكرة على الوراد الصحفي والناشط السياسي، إلى سنوات الاعتقال وأوج الصراع السياسي بسوريا في فترة حكم حافظ الأسد. هل يمكن أن تطلعنا عن ما ميز تلك الحقبة على المستوى السياسي والاجتماعي والفكري عامة وعلى المستوى الشخصي خاصة؟
مع بداية الحراك الاجتماعي والسياسي في السبعينات، ومع التأثير الذي مارسته الساحة اللبنانية والمفكرين والسياسيين اللبنانيين تشكل اليسار الجديد في سوريا، كان خطه يتجه ضمن الايديولوجية الماركسية. لكنه كان محظور من طرف المركز السوفياتي، واستطالات الحزب الشيوعي الرسمي السوري، وكان ممنوع أيضا من السلطة. لذلك لم تتح لنا فرصة العمل السياسي، رغم أننا كنا نؤمن بالحوار ونبذ العنف ولازلنا. كانت هناك أحزاب يسارية لكنها مدجنة، لاستعمالات وديكورات سياسية ولتسوق مشهد مزور على أن هناك حرية وديموقراطية في سوريا للرأي العام المحلي والدولي آنذاك، وذلك لم يكن صحيحا.
في منتصف الثمانينات بدأنا العمل السياسي في العتمة، وفي غفلة عن عيون السلطة بنشر بيانات عن الديموقراطية وحرية التعبير، رفض القمع، محاربة الفساد، ودحر الدكتاتورية التي ميزت تلك الفترة .كل ذلك كان بمجهودات وتمويل ذاتي، الشيء الذي لم يساعدنا في الوصول إلى الطبقات الاجتماعية المعنية بالتغيير، رغم أننا أبناء تلك الطبقة، ﻷان العمل السري دائما لا يمكن المراهنة عليه. قس على ذلك أنه كان هناك انسداد كبير في الوعي لدى الطبقات الشعبية.
في منتصف الثمانينات تم اعتقالي لمدة خمس سنوات نتيجة للنشاط السياسي والفكري وتم الافراج عني في الفترة التي كان فيها صراع حول السلطة مع الإخوان المسلمين، كانت تجربة جد قاسية، كنا ضد العنف وكانت مطالبنا أخلاقية ، لكن لم تتح لنا الفرصة للعمل السياسي.
كنا نتحايل ونمارس المجاز في التعبير عن هموم الشعب السوري بحكم القمع الذي ينتهجه نظام حافظ الأسد ضد كل صوت حر. من بين الاستعارات التي كنا نستعملها هي القضية الفلسطينية، فقد كان” يوم الأرض” مثلا -وهي مناسبة للتعريف بشرعية القضية الفلسطينية-نعبر فيه عن السخط واحتقان الشعب السوري .لكن المجتمع كان ينظر إلينا وكأننا (انتحاريين) نناطح الحيطان، كانت هناك سلطة وبطش أكبر منا. لهما هالة وقدسية تفوق كل التعبيرات الدنيوية والسياسية، وتماهت بشكل يفوق الخيال باسم، البعث واسم ايديولوجية البعث، والدفاع عن الفلاحين، وباسم الحرية والاشتراكية والوحدة… وباسم كل هذه الشعارات التي لا تساوي ثمن الحبر الذي كتبت به. السلطة كانت تخوف المواطن لدرجة أنه أصبح يرى العمل السياسي بمثابة انتحار. تخيل أنه عند اعتقال أي ناشط يتم استنطاق كل شخص قام بمحاورته. فمثلا إذا سلمت أنا- كوني مطارد من السلطة -على الشخص “س”، يتم اعتقال هذا الشخص ومسألته بشكل تعسفي واستنطاقه. والأسرة تعاني التنكيل والقمع، لأن ابنهم اعترض على السلطة، ليس بالمعنى المادي بل فقط لأنه عبر ورفع صوته، فقد كان ممنوع أن ترفع صوتك. فعلا صارت هناك لا عقلانية في التعاطي مع أبسط الأمور. فصار الإنسان السوري مركب قلق وعقد ورهاب.
هل يمكن القول أن نظام الأسد الأب كان أكثر من مجرد نظام سياسي شمولي مغلق ؟ إذا كان الأمر كذلك، ماذا يمكننا القول عن فترة الأسد الابن ؟ ألم تعرف أية محاولة لتصالح مع الماضي وبناء حاضر جديد ؟ وهل كان هناك أي انفراج في مساركم السياسي والصحفي في تلك الحقبة؟
الأسدية نظام ملك وليس نظام حكم لأنها مبنية على الأبد ولا أحد، وهذا الشعار رفع لسنوات، التي تم اختراع الاستفتاء فيها، وهذا الأخير لا يبث للمفاهيم المتداولة عالميا حول الديموقراطية وتداول السلطة. لكن عندما نعود لدستور نجد كلام جميل عن تداول السلطة مستمد طبعا في بعض من جوانبه من الدستور الفرنسي. لكن ذلك لم يكن على أرض الواقع. حتى في المقررات الدراسية تجد أن الحرية حق أسمى للمواطن، لكن هذا الكلام مفارق للواقع تماما.
في حزيران سنة 2000 رحل حافظ الأسد بيولوجيا فقط، لأن كل شروط الفترة الماضية ظلت مستمرة، فبعد وفاته كانت كل الظروف مهيأة دوليا وإقليميا ومحليا للوريث الجديد بشار الأسد. رغم أن عمره كان دون الأربعين وهذا ما يتنافى تماما مع بند الدستور الذي ينص على عدم تولي الحكم إلا في سن الأربعين. لكن جرى تعديل هذه المادة في دقائق معدودة في مجلس الشعب الذي يعبر عن إرادة الشعب السوري. وتم التوريث بسلاسة، وسمينا في ذلك الوقت سوريا “بالجملوكية”، وهذا النوع الجديد من نظام الحكم كان يسعى إليه صدام حسين في العراق وصالح في اليمن والقذافي في ليبيا وحسني مبارك في مصر، لكن لشروط كثيرة فشل التوريث في تلك الدول، ونجح عندنا. ﻷنه كانت هناك خطة محكمة ومدعومة من طرف قوى متعددة، في ليلة وفاة حافظ الأسد قامت المخابرات السورية بخلق مظاهرات في كل المحافظات السورية كان شعارها : الله، سوريا، بشار. والشعب السوري الذي تعود على هذا النمط من السياسة ردد هذا الشعار. وتم التوريث على قاعدة الإستمرار .
حقيقة كان هناك تعطش وظمأ شديد عند الشعب السوري أن يحدث شئ من التغيير مع هذا الشاب الجديد. فكان رفع كبير لسقف الوعود، ومفاهيم تطرح لأول مرة من رأس السلطة السورية، مفاهيم اﻷخر، حرية الأخر، المواطن، الكرامة، التنمية … كلها تم رفعها في سياق التوريث. والسوريين كانوا متعطشين لشيء جديد حتى ولو على مستوى اللغة فقط .
بعد رحيل حافظ الأسد بيلوجيا عن السلطة، وبداية سنة 2001 كان هناك انفراج بسيط جدا في مسارنا بدأ مع ما سمي آنذاك بـ” ربيع دمشق”، انتهى مع أحداث الحادي عشر سبتمبر من نفس السنة. قمنا بمبادرات على شكل منتديات مع” رياض سيف”، و” جمال الأتاسي” وغيرهم. كان هدفها خلق حوار وطني، لكن تمت مصادرتها في الأخير واتهمنا بأننا سوف نجزء سوريا اذا اندفعت هذه الحوارات إلى نهايتها. وقد تمت أيضا بعض الاعتقالات في سياق ربيع دمشق، وتم التعتيم عليها إعلاميا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
على الرغم من أن الأسد الابن ظهر بالزي المدني وأنه طبيب قادم من بريطانيا وأنه لا علاقة له بالعسكر. إلا أنه كان يعرف جيدا كل دوالب التحكم، والاستبداد المبنية في أساسها على الطائفية. وهناك حقيقة لا يختلف فيها سوريان، ترقى للبداهة، وهي أن من بين الشروط التي رسمها كبار الضباط العسكريين. حول الرئيس الجديد، هي أن يكون علويا، أي من الطائفة العلوية. وبالمناسبة زوجتي علوية كي لا تقول اني طائفي. لكن للأسف جزء كبير من الشعب السوري أصبح طائفيا في تفكيره، نتيجة استحواذ كبار قادة الأمن والعسكر من مكون طائفي واحد. هذا فارق مهم عن العديد من الدول العربية. وهوا بالضبط ما خلق لنا مشكلة كبيرة في الاندماج الوطني. لدينا تنوع في الاثنيات والأعراق والأديان، كان من المفروض أن يكون موضع غنى لكن كان نقمة ولعنة على مستوى الاندماج الوطني السوري. أظن أن هذا التحليل يختص به علم الاجتماع، ولست مختصا بالسوسيولوجيا، لكن أفادتني دراستي المتواضعة وتجربتي كذلك. أننا لسنا بموضع اندماج وطني، هذا عنوان عريض يلقي ضوء كبير على سر الانفجار الكبير الذي حدث في سوريا.
بما أنك شاهد على كواليس الحدث السوري، هل يمكن أن تعود بنا إلى أهم المشاهد التي ترسخت في ذهنك عن اندلاع الأزمة ؟
قبل بداية ما سمي ب(الربيع العربي)، وآسف سأضع هذا المصطلح بين قوسين لأني لدي مسافة من مثل هذه المفاهيم، وعقلي لا يسمح لي أن تتحكم بعض الشعارات بنمط تفكيري. كنا نخوض بعض الاعتصامات والإضرابات ذات مطالب اجتماعية وسياسية، وتم اعتقال العديد من المناضلين ،كنت أنا أوفر حظا من رفاقي لأني كنت أكتب بعض المقالات وأسمي الفاسدين بأسمائهم ولم أعتقل لكن تلقيت العديد من التهديدات متكررة من بعض الضباط ببتر يدي الأخرى إذا استمريت في الكتابة، لكني كمعتقل سياسي سابق والتاريخ الطويل مع الخوف كنت قاطع للحبل السري مع هذا الشعور.
بحكم معرفتي المقربة من رئيس تحرير جريدة “قاسيون”، “جهاد محمد’ الذي لا يزال معتقلا إلى اليوم ونجهل مصيره، ولا نعرف إذا كان حي أو ميت. كنت اكتب بعض المقالات عن الفساد، في البدء كتبت عن الثقافة لكن سرقتني السياسة وسرقني صراعي مع الاستبداد. حاولنا أن نكون نواة المجتمع المدني مع بعض الزملاء بغض النظر عن كل الخلافات لكن تفاجأنا أن تسعين في المئة من اليسار العالمي مع الاستبداد.
مع بداية الأزمة بدأنا نجتمع يساريين، معتقلين سابقين، شيوعيون، مهتمين بالشأن المدني … وكونا تيار اسمه “تيار المواطنة”، طالبنا بإتاحة حريات سياسية، وإتاحة المجال لتداول السلطة، ووقف قانون الطوارئ، والبطش على رأي معارض، إتاحة مجال لقانون صحافة وإعلام جديد، وتعزيز الحوار بين المجتمع والسلطة… ما كان يحركنا هو تفاؤل الإرادة، بعيدا عن تشاؤم العقل .بعيدا عن الرؤية النقدية التي تقول أن البنى في سوريا والبلدان العربية تستلزم مرحلة تاريخية حتى تخطو خطوات نحو تنمية صحيحة.
شخصيا شاركت في المظاهرات مع بدايتها ومع بداية القتل والضرب في درعا، كانت هناك بعض التظاهرات بقلب الشام، قرب “كفرسوكة”. شاركت فيها، وثقت الأحداث بسوريا يوما بيوم، وتركت ستة عشر دفترا بسوريا. في البدء كان شيء رائع، كان هناك رقص، غناء، وعناق وثقافة جديدة، إلى أن بدأ العنف. أذكر أن المتظاهرين كانوا يرددون الله، سوريا، حرية، وبس. وعناصر الأمن تردد: الله، سوريا، بشار، وبس. صادفت شخصا يتعرض للضرب بشكل لا يقبله العقل، لم أتمالك نفسي فقمت بمحاولة إخراج هاتفي لكي أصور المشهد، لكن تم اقتيادي لسيارة الشرطة قبل أن أفعل ذلك. في الأخير تم الإفراج عنى بنفس اليوم بعدما علموا أني صحفي من جريدة قاسيون التي كانت لا ممنوعة ولا مرغوبة، لكن كان فضائها شيوعي، والنظام السياسي لم يكن من مصلحته في تلك اللحظة التصادم مع الشيوعيين. لأنه كان في حاجة إليهم كي يكونوا شهود زور. ونجح النظام في ذلك، فمسؤول “قاسيون” تم تعيينه وزير بينما رئيس التحرير زج به في السجن نتيجة موقفه الثابت. ألا وهو” لا يمكن البدء بصفحة جديدة واندماج وطني جديد دون طي لصفحة الأسدية”.
إذا كان طي صفحة الأسدية هو الحل الوحيد. فماهو البديل ؟، ثم ألا ترى أن انعدام مشروع بديل، ودخول الإسلام السياسي في الواجهة. هو ما حرك الكثير من القوى اليسارية والنخب السياسية نحو التحالف مع النظام ؟. أم أن الأمر مرتبط فقط بمساعي برغماتية ؟. وهل يمكن اعتبار الشعب السوري الآن ضحية نظام أم ضحية نخب سياسية أم ضحية مؤامرة دولية وإقليمية ؟.
أسئلة مهمة جدا وعميقة. بالنسبة للبديل، لا يمكن لأي مكون سوري تقديم أي بديل الآن، لأن السوريين انفجروا وليس لديهم اي مشروع، الريف السوري انفجر لعدة أسباب مركبة، وفانفجر معه القبيح بالجيد. لم يكن للشعب السوري رغبة في الأول بإطاحة النظام، وانما فقط المطالبة بالحد الأدنى أقل فسادا، وأقل استبداد. ولكن طبيعة السلطة السياسية لا تسمح بأي حيز ولا تقدم أي تنازلات. وهذا سر ماهوية ما يجري الآن. الكل تسأل عن ماهية ما يحدث. هل ثورة ؟ هل انتفاضة؟ هل هبة شعبية؟ … لكن بسياق الانفجار غابت كل الأجوبة .
بخصوص مسألة المؤامرة ضد الشعب السوري لدي تحفظ كبير من هذا المصطلح، لأن هناك فرق شاسع بين اعتبار الشيء مؤامرة، وبين أن يتخلله التاريخ مؤامرة. هذا ابتعاد عن حقائق وعوامل الانفجار السوري. لكن يمكن القول أنه تم استغلال هذا الانفجار بحكم طبيعة الجغرافيا السياسية لسوريا، وطبيعة تحالفات السلطة السورية، وكذلك بحكم معادلة الصراع مع إسرائيل وكذا وظيفة النظام في المنطقة. جعلت من الانفجار مناسبة للعب على كل الأطراف، وتصفية الحسابات، وجعلت سوريا من جهة سوق لبيع الأسلحة .
يمكننا القول أن النظام السوري لم يعرف كيف يتعامل مع ذلك الانفجار. تمنينا لو نهج النظام سياسة( الآذان الصماء)، “دعهم يصرخون، دعهم يعبرون، وافعل ما شئت “. كما فعل النظام الملكي في المغرب، عندكم مع حركة عشرين فبراير. لكن للأسف لم يصل النظام إلى هذا الوعي السياسي، وتعامل مع الوضع الجديد بأساليبه القديمة في سياق تحولات إقليمية وعالمية جديدة، ولم يقدم أية تنازلات. تمنينا لو تم هدر الحبر بدل الدم، لكن للأسف التاريخ لا يسمح بكلمة لو .
النخب السياسية تماهت مع الاستبداد، ولم يكن منتظرا منها سوى أن تتماهى مع الاستبداد. لأن المعارضة هي بنى من أبنية النظام السياسي. المعرفة لديها تساوي المصلحة، فهي محكومة لمصلحتها، وليس من مصلحتها التعرض لبطش السلطة. لذلك لم يكن تماهيها مع السلطة، نتيجة لتدخل الإسلام السياسي بعنفه، هذا الأخير دخل في الواجهة نظرا لموقع سوريا ضمن أقطار هذا الفكر، وما تمثله (الشام) تاريخيا في الفكر الإسلامي , وأيضا للصراع التاريخي للإخوان المسلمين مع النظام الأسدي. لكن النظام الآن يلعب على ورقة دخول الاسلام السياسي والارهاب لضمان الاستمرارية .فقد قام خلال الأزمة بالإفراج عن عدد كبير من رموز الإسلام السياسي والتطرف .من أجل تخيير السوريين بين خيارين : الموت أو السرطان. (الإسلام السياسي أو الأسد). فبالتالي السوريين كانوا ولا يزالوا بين خيارين : الموت أو السرطان. منهم من تماهى مع السرطان ومنهم من فضل الموت .
في سوريا كان هناك إسلام شعبي لم تستهويه شعارات الإسلام السياسي، لكن جزء كبير من السوريين في الأرياف، نتيجة التفاوت الطبقي بينهم وبين المدنيين بحلب والشام ،ونتيجة لغل أكثر من حقد كان السوريون بيئة لداعش وغير داعش. لذلك فداعش هو محصلة كل التناقضات الدولية والإقليمية والمحلية بسوريا.
بعد أن اشتد الصراع والعنف غادرت سوريا، واتجهت الى بعض الدول العربية قبل أن تصل ألمانيا. كيف كانت اقامتك في تلك الدول ؟، وكيف هي إقامتك الآن في ألمانيا ؟.
كما قلت لك سابقا مرجعيتنا كانت ولا زالت، نبذ العنف وتغليب الحوار. فبعد أن تصاعدت وتيرة العنف من الدولة، إلى المحافظة، وإلى الحارة، ثم إلى البيت. قررت المغادرة أنا وأسرتي الصغيرة. لأننا لم نشأ أن نتوحش في مواجهة الوحش أنا وكل الرفاق الذين كانوا معي ولم نشأ أن نصبح وقودا لقطر والسعودية وتركيا…. وبحكم أني معارض سابق كنت معرض في أي لحظة للاعتقال والتنكيل، لأنه حتى ضمن حارتك يوجد مخبرين هم في الأساس موظفين حكوميين يمارسون العنف ضد كل من يريد التظاهر أو من يقول كلمة عن التغيير، بل حتى في أسرتك يمكن أن تجد أخاك لديه ارتباط مصلحي بالنظام ولا يريد التغيير. وهذا أسوأ ما في الحرب الأهلية. لدرجة أنه حتى الجوامع التي لها رمزية دينية، والتي لم يستطع الاستعمار الفرنسي أن يصلها لمجموعة من الاعتبارات، وصلتها السلطة الأسدية واقتحمتها ومارست العنف داخلها.
لذلك في ماي 2013 خرجت من سوريا مع بنتاي وزوجتي. اتجهت إلى مصر وبقيت هناك لمدة عامين اشتغلت وظيفة إدارية في أحد المصانع، وفي الفترة الأخيرة بجريدة “الخبر”. لكن كانت الإقامة قاسية، واكبت فيها أحداث صراع السيسي مع الإخوان، وشاهدت عن قرب حجم الصراع الذي جعل الشعب المصري المقهور رهينة بين الطرفين.
قدمت طلبا إلى الخارجية الألمانية من أجل نظام الحماية، كملاحق وكمعتقل سياسي سابق، وتمت دراسته لمدة عامين. بعد ذلك وجهوا لي دعوة مع أسرتي الصغيرة وقدمنا مباشرة إلى برلين بفيزا. ثم بعدها الى ضواحي هانوفر حيث أسكن في بيت مع بنتاي وزوجتي. وصراحة بعد اقامتي هنا وجدت أن ألمانيا بلد اغراء، شيء مغري أن تتعلم لغتهم، وتتعرف على ثقافتهم، وتندمج مع هذا التعايش السلمي، الذي يجب أن يتعلم منه كل اللاجئين. لكي يعودوا برقي إلى بلدانهم .
هل تفكر بالعودة ؟ وماذا يمثل لك العمل السياسي الآن؟
بكل صراحة، نعم. وبكل حزن ليست متاحة حاليا. بخصوص العمل السياسي أساسه هو ثقافي، كنت ولا زلت لصيق بالفن والأدب والموسيقى. لكن أحيانا تجد نفسك في نقد دائما لبنى مجتمعاتنا المفوتة تاريخيا. كي تسمح لك بأحداث تراكم على المستوى الثقافي. وبما أن المجال مفتوح الآن هنا نفكر أنا ومجموعة من الأصدقاء المهتمين بالمجال الثقافي أن نأسس منتدى حوار مع كل الأقطار الموجودة بهانوفر من أجل الانفتاح على الآخر وهمومه .