إبراهيم أبويه ( المغرب ):
حائط المقبرة بارد، خشِن وعالٍ جدا. و”هو”، كان متكئا عليه. ينظر بعينين غائرتين إلى أطفال يحملون لعبهم الملونة، وإلى الناس يتدافعون لشراء حلوى رأس السنة الجديدة. كان ظهره يمتص رائحة الموت الآتية من خلف السور، ورجلاه ممددتان على قارعة الطريق. أصابعه المرتعشة تمسك قنينة خضراء. وقَفَ أمامه طيف امرأة خُيِّلَ إليه أنه يعرف رائحتها جيدا. رفع رأسه الثقيلة بصعوبة. حدّق في عينيها. انحنت. ثم وضعت أناملها على خده البارد، وهي ترسم ابتسامة صغيرة ممزوجة بحزن خفي. جذبت ظهره الملتصق بسور المقبرة وعانقته. ظل “هو” جامدا، صامتا، كأن الزمن توقف فجأة ليستعيد صورا معتقلة من ذاكرة متعبة.
من جيبها، أخرجتْ صورة قديمة دستها بين أنامله. كانت تحمل ملامح جسدين صغيرين يرقدان خلف السور الذي يفصل بين أضواء المدينة، وظلام المقبرة التي بدأت قبورها تورِقُ من جديد.