نبيل عبد الكريم (الأردن ):
اتكأت الأم بظهرها على مسند السرير وأغمضت عينيها، لم ترتخِ ذراعاها اللتان تحيطان بجسد طفلها وتضمانه إلى صدرها العاري، لكنهما تحوّلتا إلى غصنين طويلين ناشفين. استمرّ الطفل يرضع حتى غدا الحليب بارداً؛ فأشاح بوجهه وأخذ بالبكاء. هرع أبوه وجدته وعمته وبذلوا جهداً كبيراً لتخليصه من حضن الشجرة الميتة.
رفضت مرضعات العائلة تلقيم أثدائهن للطفل الذي رضع حليب عزرائيل، وتهرّبن من النظر إلى عيني الأب الحائر. صارت الجدّة تضمّه إلى صدرها فيفتش بيديه الصغيرتين عن الضرع المكتنز فلا يجد غير بالون مفرغ من الهواء.
ظلت العمة تقدم له رضعات الحليب الصناعي إلى أن حنّت عليه أمٌّ مات وليدها فاتخذته ولداً. ظل الطفل متعلقاً بثديي مرضعته حتى قال لها أبوه :
-
يكفي، لقد سجلته في الروضة.
يعود من الروضة بعد الظهر، يرمي الحقيبة على الأرض فتقع منها الوجبة التي أعدّتها له في الصباح كما هي لم يأكل منها شيئاً، يقفز إلى حضنها ويعريّ صدرها و يحشو حلمتها بين شفتيه الجائعتين. لم تعد ساقاها النحيلتان تحتملان وزنه الثقيل، ولا صدرها الذي نتأت عظامه رأسَه الكبير، ولا ضرعاها المترهلان نهمَه الشديد، وازرقّت حلمتاها والتهبتا ونزتّ منهما الدماء. فتح عينيه المغمضتين وكفّ عن الشرب وسألها وآثار دمائها على شفتيه :
-
أمي، ما هذه العلامة على جبينك؟
مسحت جبينها بكفها وقالت وهي تنعم النظر في أطراف أصابعها :
– أي علامة؟
– هذه التي تشبه العلامة التي ترسمها المعلمة على دفتري عندما تغضب مني.
عاد ابن عزرائيل إلى بيت أبيه بعد أن ماتت مرضعته، وصار يأكل كلّ ما يوضع أمامه من طعام طالباً المزيد، ومن يره لا يصدق أن هذا الجسد الضخم هو لطفل في الخامسة من عمره. احتضنته جدته وشاركته فرشتها، يدفن وجهه في صدرها فيشتمّ رائحة نباتية لا تعجبه، وحين تستيقظ في الفجر تجده قد اندسّ في فراش عمّته.
– متى تتزوج عمتي. يسأل جدته فتجيبه :
– عمتك ما زالت طالبة، ستتزوج بعد أن تتخرج من الجامعة.
– وهل ستعيشين حتى تتخرج. يسألها وهو يحدّق في العلامة الغائرة في جبينها.
استيقظت الشابة في الفجر على نطحة قوية من الرأس الكبير في صدرها، فقالت بعد أن دفعته بيدها :
– ارجع إلى فرشة جدتك ولا تزعجني.
– جدتي فرشتها باردة. قال وهو يلتمس الدفء في حضن عمته.
رفعت العمة رأسها فرأت وجه أمها مثل قطعة من البلاستيك، فاحتضنت الرأس الكبير وأجهشت بالبكاء.
بعد وفاة الجدة صار منامه الدائم في حضن العمة، يتشمّم صدرها ويحدق في جبينها كلّ ليلة وهي غافية. أنهت العمة دراستها وتوظفت في شركة ذات ساعات عمل طويلة.
– عمتي، متى ستضعين طفلك؟ سألها من تحت الغطاء الثقيل، ارتبكت وتلعثمت قائلة:
– كيف سيكون عندي طفل ولم أتزوج بعد! وأتبعت قولها بضحكة بلهاء.
– ولكني أشمّ رائحة حليب في صدرك.
انتفضت الشابة وأزاحت الغطاء بيديها وقدميها ونظرت إليه بعينين مذهولتين ثم تمالكت نفسها وقالت متوسلة:
– إياك أن تكرر هذا الكلام أمام جدك.
– لن أخبر أحداً، أقسم على ذلك، أنا فقط أنتظر الحليب.