الرئيسية |
سرديات |
ضربة حظ: ألف قصة وقصة عن مغرب لا ينتهي | حنان الدرقاوي
ضربة حظ: ألف قصة وقصة عن مغرب لا ينتهي | حنان الدرقاوي
حنان الدرقاوي
كانت مجيدة فتاة في العشرين من عمرها تشتغل بمخدع هاتف في تنجداد خلال التسعينات من القرن الماضي. كانت فتاة مؤدبة، تحترم نفسها وتحترم حدودها. لم تعرف لها علاقات مع الأولاد وكان الجميع يتنبأ لها بزواج ناجح ففيها كل مواصفات الزوجة: الجمال والطاعة، قيمتان تعلوان على ما عداهما في واحة محافظة. البنت يجب أن تكون جميلة ومطيعة فيما دون ذلك لا يهم بما تفكر وكيف تفكر وبذكائها أو مهاراتها. المهم أن تكون جميلة وحبذا لو كانت بيضاء البشرة والأسنان. لندرة البياض في الواحة صار ذلك اللون غاليا وغالبا ما تدفع مهور مرتفعة في البنات البيضاوات اللواتي يَحْضَيْنَ بزيجات مستمرة ما دمن طيعات.
تربت مجيدة في أسرة محافظة جدا من نواحي الريصاني موطن الشرفاء. لم تكن عائلتها من الشرفاء العلويين لكنهم كانوا ينسبون أنفسهم للشرفاء فيسمون بعضهم البعض ” لا لا ” و”سيدي” هكذا كان الإسم الكامل لمجيدة في البيت لكن أهالي تنجداد كانوا يستخصرون فيها اسم “لالة” وكانوا يسمونها بمجيدة الفيلالية إشارة إلى واحة تافلالت عامة.
بفعل حشمتها ووقارها خلقت مجيدة حولها مزيجا من الإعجاب والحسد من طرف الكثيرات فهي تحظى بعمل في حين تقضي معظم بنات الواحة أيامهن في أشغال منزلية لاتنتهي وفي أشغال بسيطة مثل التطريز أو الزربية فوق هذا كانت حاصلة على الباكالوريا بميزة مستحسن. لم تستطع أن تذهب إلى الجامعة لأن امها لم تستطع الإنفصال عنها. حين أرادت أن تذهب إلى مكناس للتسجيل أغمي على أمها وقبعت شهرا في الفراش وهي تأمر ابنتها بأن لا تسافر وتتركها. وجدت عملا في التيلبوتيك وقنعت بقدرها في الواحة.
كانت كل لحظة تتساءل كيف كانت ستكون حياتها لو أنها أكملت الدراسة. كان يمكن أن تصير معلمة أوأستاذة عربي. اكتفت بعملها بالتيليبوتيك وأغلقت على نفسها أبواب الأماني والأحلام.
كانت تنتظر الخطوة القادمة من حياتها أي أن يأتي الزوج المنتظر الزوج ذو العمل القار والبيت الأنيق. كان قد تقدم إلى خطبتها بعض الشباب لكن لم كونوا يشتغلون. لم تكن تبحث عن الحب بل عن مواصفات الزوج والأب لأطفالها القادمين.
كانت حياتها مرسومة، حياة من احترام وحشمة ووقار وابتعاد عن مواقع الشبهات كيفما كانت. يكفيها أن تستمر في عملها، سيأتي الزوج المناسب وستلد أطفالا هادئين.
كان كل شيء مرتبا في حياتها إلى أن أتى يوم كانت عند صديقتها بوشرى وكانتا تحضران نفسيهما للذهاب إلى عرس. أزالت مجيدة ملابسها وبقيت بالتبان فقط. كانت بوشرى تصورها بالفيديو. نهرتها مجيدة لكن بوشرى قالت لها أنها ستحتفظ بالتسجيل في هاتفها النقال وستمسحه فيما بعد. لم تعر مجيدة اهتماما للتصوير فهي تعرف بوشرى منذ صغرها.
في الغد وجدت مجيدة صفا من الرجال واقفين أمام التيليبوتيك وهم يشهرون هواتفهم النقالة وهم يصيحون
– تبارك الله على البزول
– تبارك الله على الزك
خجلت من تعبيراتهم، أحنت رأسها وشرعت في فتح باب المحل. جذبها أحد الشباب من كتفها وصاح
– توقفي عن تمثيل دور المحتشمة لقد رأينا صورك العارية ، إنها على النت
– أية صور؟
– الصور التي أخذها لك عشيقك ابراهيم س ونشرها في الفايسبوك. القرية كلها رأت صورك فاخرجي من دور المحترمة.
كانت الواحة قد التهبت مع صور مجيدة. كان الجميع معلقين إلى هواتفهم وهم يطلبون الإرسال عبر البلوتوت. في يوم واحد انهارت سمعة مجيدة وضاعت حياتها. لم تشتغل يومها، عادت إلى البيت وظلت تبكي وتقسم لأمها أنها لاتعرف ولدا بالمرة وأن صديقتها بوشرى هي التي سجلتها. ضربتها أمها وأخوها ومنعا عنها الخروج. قالت لها أمها أنها هي المخطئة لأنها طالما حذرتها من رفقة بنات الواحة اللواتي لاينتسبن للأشراف.
– هاته آخرة مصاحبة بنات آيت مرغاد، إنهن حقودات، فضحتينا عليك اللعنة
ظلت الواحة تتبادل الصور العارية لشهر كامل.
أتى إلى القرية شاب هولندي رافق عائلة من الواحة لقضاء عطلة الصيف. رأى الصور وأعجب بمجيدة وبجرأتها وتقدم للزواج منها.
تم الزواج ورحلت بعدها مجيدة إلى هولندا وصارت مدينة لتلك الصور بنجاتها من واحة الغم والنكد.
حنان الدرقاوي 2016-10-01