سرديات للإنسانية – (1) – أحلام هند وكاميليا | محمد رمضان

 محمد رمضان

الحياه ليست خطأ مستقيما، هى خط متعرج بين الفرح والحزن، بين الحب والكره، بين كل تلك الثنائيات المتناقضة، والسينما كذلك هي صورة من الحياة، لم يكن لانبهارنا بها أى دافع آخر سوى أننا نرى أنفسنا فيها، ترى نفسك في رحلة البحث عن السعادة والحب، تكره البطل أو تحبه لا شيء يهم لكنك في النهاية تبحث عن شيء من مشاهدتك للسينما، ولا شيء أفضل من مشاهدة سينما تحكى عن الانسان، ليس تلك الكائنات الهوليوودية، وإنما الانسان … فقط الإنسان مجردا من كل ما يزيفه، من كل ما يمحي ويسحق إنسانيته، الإنسان الذى يحاول التخلص من العبء الذى تركه على كتفة المجتمع، وخاصة مجتمعاتنا العربية السلطوية. الفيلم هو حالة للخروج من الواقع المرير والدخول في واقع  مرير آخر لكنه جميل، جميل لأنه يحكى عنا، من المؤكد (( أحلام هند وكاميليا )) لمحمد خان يحكى عن الإنسان، وهذا ما يجعله عملا عظيما . 

السعى نحو الحرية .

يبدأ خان بأغنية رائعة من  كلمات وألحان عمار الشريعي – غناء هدى عمار  يمكن أن تسمعها من الرابط التالي : ( هنا)

في بناء سردى رائع  يعرفنا المخرج على  “هند ”   التي تعمل خادمة عند أحد أسر الطبقة الوسطى  تذهب مع الطفل الصغير لتضعه على أحد الألعاب ليلعب عليها، وهى تنظر بعينين  تتطلع نحو سعادة الطفل وتتمنى أن تكون مكانه في يوم ما، أول حلم  يبدو بسيطا  للغاية، كان من الممكن أن تقفز هى الأخرى فوق ( اللعبة ) ، لكن هذا سوف يعرضها لعقاب الأسرة التى تعمل عندها .  كاميليا  الصديقة  تعمل أيضا خادمة لكنها تتمتع بقدر بسيط من الحرية حيث تعمل  عند شقق كثيرة وليست حصرية لأسرة واحدة، تحلم أيضا، لكن حلمها يبدو أكبر قليلا تحلم أن تتحرر من قيود العالم المحيط بها، تحلم ان تتحرر من قبضة أخيها، تحلم بالأمومة التي حرمت منها، تحلم بأن تجمع مالا حتى لا تضطر للعمل عند أحدا، ببساطة تحلم بأن تحرر من ظرف اجتماعي ولدت لتجد نفسها فيه .

في أحد المشاهد الأخرى تتحدث الصديقتان عن الأحلام، فتقول  كاميليا أنها تحلم أن تسكن في شقة مثل هذه، فترد هند :  ” احنا أخرنا نخدم فيها ” . تتعصب كاميليا  لترد ” يعنى إنتى عايزانى أحلم بالفقر ” ، الأحلام السابقة قد تبدو بسيطة، لكن في الحقيقة هي ليست كذلك أحلام الفقراء ليست بسيطة وليست سهلة التحقيق، هي بسيطة بالنسبة لغيرهم، لكن لهم هي الحياة، تلك الحياة التي تتجسد في حلم، الوصول إليه يعنى السعادة ، ولولا هذا الحلم لماتوا .

  ”  مسيرها تروق وتحلى  ” .

أحمد زكى، الحرامي الفاشل، الذى يريد أن يتوقف لكنه لا يجد طريقه للتوقف، يسرق مبررا لنفسة أن الكل حرامية”  فاشمعنا أنا “، يعود للندم، يتوقف ويعود للسرقة مرة أخرى، ينتهى به القدر بان يتاجر في العملة، لكن لا يتحصل على شيء فهو يعمل صبى عند سمسار عملة، يكسب الكثير بينما هو لا يأخذ شيئا، يحب  هند لكن يريد أن يحوز الحياة كلها، يحاول الحصول على أي  شيء أتى أمامه ، عقلية اللص تحتم ذلك، يحاول مغازلة الصديقة ( كامليليا  ) ترفض فيدرك خطأه، على لسانه جملة واحدة هي ( مسيرها تروق وتحلى )، يحاول دائما أن يجعلها تروق، لكن الحياة لا تروق له، حتى ينته الفيلم وهو في السجن .

ما يميز محمد خان في نظري أنه لا يصدر أحكاما على أحد، يترك المشاهد ليتعاطف مع أو ضد الممثل، هو فقط يرصد الواقع الشخصي بحرفية شديدة، فطوال الفيلم لا تدرى هل تتعاطف مع أحمد زكى أم تكره ذلك الحرامي .

 ” هند : مبسوطة من عيشتك دى يا كاميليا  ؟!

كاميليا : لا ترد .  ”

يبدو السؤال السابق وجوديا  في جوهره، لكن لم يخطر ببال هند أنه سؤال وجودي ، هو فقط مجرد سؤال يعبر عن حالة القهر لامرأة أتت من الريف لتعمل عند المدينة، المدينة التي تحاول أن تقتل فيها يوما بعد يوم إنسانيتها، هي فقط  إنسان يريد أن يشعر أنه إنسان ، وكامليا لا تدرى كيف ترد على سؤال كهذا تنظر فقط للأعلى، بالفعل كيف يمكن لإنسان أن يرد على هذا السؤال، لا أحد يستطيع أن يجيب، حتى الذين يجيبون على السؤال السابق هم كاذبون… كاميليا لا تكذب لذلك لم ترد على السؤال.

يستمر الفيلم في محاولة للبحث عن السعادة، سعادة الفقراء بسيطة لكنها صعبة التحقيق، هم يحاولون اقتناص أقل الفرص  للسعادة ،”  خروج للقناطر”  ، 257 جنيه تسرقهم ( كاملييا ) من زوجها الذى لا تحبه ويجبرها على ممارسة الجنس معه ، هند تجرب الحب، لكن المجتمع يمنعها من أن تستمتع به، الصراع الدائم بين فردانية الفرد وغوغائية المجموع هى ما يحرك الاثنان، هم فقط يبحثون عن السعادة لا شيء غير ذلك .

الفيلم في النهاية يخلق حالة إنسانية في ثوب اجتماعي رائع وتمثيل أروع من أبطاله الثلاثة، محاولة البحث عن السعادة والحب وأبسط الأشياء، التضامن الاجتماعي التي تخلقه الصداقة بين هند وكاميليا، تظل هند وكاميليا على التمسك بأحلامهم، والتي كادت تضيع في النهاية، تلك الأحلام التي جسدها خان بحرفية في بنت هند ( أحلام ) والتي كادت تفقد  لكنهم وجدوها ليبتسموا متناسين ضياع المال الكثير الذى فقدوة. وينتهى الفيلم بأغنية أروع من ألحان عمار أيضا وغناء هدى عمار   كلماتها كالاتي  ويمكن الاستماع لها من  هنا

ينتهى الفيلم على أنغام الأغنية بعد أن عثرت هند وكاميليا على أحلام ، فهل تكون هي أحلامهم الفعلية ؟!، هل تلك البنت هي أحلامهم، أم أن الفقر يدفع البشر للتخلي عن الحلم، لا تعرف في نهاية الفيلم هل تلك نهاية سعيدة أم حزينة. ثم هل هناك في هذه الحياه نهايات سعيدة من الأساس ؟!