الحوار مع رشيدة رقي، هو فعل اقتراب ومساءلة لوضعية تهمنا جميعا، القراءة كهم اجتماعي وأفق مغيّب داخل جغرافيتنا اليومية المصابة بالجفاف. كيف لا وهذه السيدة، أخدت على عاتقها إطلاق أكبر مبادرة للقراءة في المغرب، وناضلت وما زالت من أجل خلق وتوسيع مبادرات أخرى، إلى جانب ترأسها (لشبكة القراءة في المغرب) التي لاقت تضامنا وتقدير مفكرين ومثقفين كثر لما عرفته الشبكة من قوة انتشار وقدرة اقتراح فتحت أكثر من كوة في وجه الشباب المغربي نحو القراءة.
في هذا الحوار نقترب أكثر وإياكم من واقع القراءة بالمغرب: الإشكاليات والعقبات، دور المؤسسات وما يتبعه من تهرب من المسؤولية. وأيضا نتعرف أكثر، على مبادرة تبقى إحدى النقط المضيئة داخل النسيج الجمعوي المغربي.
حاورها عبد الواحد مفتاح:
-
كيف ترون لواقع القراءة في مغرب اليوم؟
القراءة بالمغرب تعرف ضعفا خطيرا يهدد مستقبل البلد وحضارته، فالدولة المغربية لم تخطط يوما للنهوض بالقراءة ولم تضع لها استراتيجية جادة تهدف لترسيخ هذا الفعل الحضاري، انطلاقا من اقتناعها بأن الدخول إلى عالم المعرفة والحداثة والتقدم يرتكز على انتشار المعرفة، وعلى ترسيخ أسس كفيلة بانتشار ثقافة القراءة.
وفي الندوة الوطنية حول القراءة والكتاب بالمغرب والتي نظمتها شبكة القراءة 2324- ماي 2015 بالمكتبة الجامعية محمد السقاط بالدار البيضاء بشراكة مع جامعة الحسن الثاني واتحاد الناشرين المغاربة تم التطرق إلى أن أسباب ضعف القراءة هي أسباب مركبة ويمكن حصرها في النقط الأتية:
-
انعدام الأدوار الطبيعية للمنظومة التعليمية في مجال ترسيخ فعل القراءة ومعانقة الكتاب ضمن البرامج التعليمية/التعلمية؛
-
غياب مخطط استراتيجي دقيق، عملي ومتكامل لمعالجة معضلة القراءة وضعف انتشار الكتاب؛
-
ضعف البنيات التحتية المحفزة على القراءة والاستئناس بالكتاب، أو صعوبة الولوج للموجود منها من مكتبات عمومية ودور الشباب وفضاءات ثقافية عمومية؛
-
ضعف دور الاعلام في التحفيز على القراءة والترويج للكتاب؛
-
غياب قضايا القراءة والكتاب في برامج الهيئات السياسية والنقابية والمدنية عموما؛
-
تفاقم أزمة التأليف والنشر والتوزيع والتسويق وضعف التأليف للأطفال ولليافعين بحيث أن المغرب لا يتوفر على مجلة للطفل معروفة وطنيا وتصدر بشكل منتظم.
هذا إلى جانب العوامل السوسيو-اقتصادية الأخرى كتدني القدرة الشرائية وضعف أدوار الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين في التحسيس والتحفيز على القراءة والمصالحة مع الكتاب، إضافة إلى ضعف أو انعدام ثقافة القراءة واقتناء الكتب، وتفشي الأمية داخل المجتمع.
وإذا تطرقنا للمدرسة العمومية فإن هذا الواقع، يتجلى في غياب المكتبات في جل المؤسسات التعليمية أو في حالة وجودها فهي مكتبة معطلة، مغلقة في وجوها لتلاميذ بحيث تحولت عن أدوارها في تشجيع القراءة، إلى مخازن
-
بصفتكم من مؤسسي جمعية شبكة القراءة بالمغرب التي عرفت تجاوبا شعبيا ملفتا، والتفافا شبابيا حولها، ما دور المجتمع المدني في تنمية القراءة في المغرب؟
شبكة القراءة بحكم أنها مكون من المجتمع المدني لا يمكن أبدا أن تقوم مقام الدولة التي تتحمل كل المسؤولية فيما ألت إليه القراءة والتعليم في بلدنا. دور الشبكة هو التحسيس والدفاع عن قضية القراءة وذلك عبر تحسيس وتحفيز الأطفال والشبا وعموم والمواطنات والمواطنين على لقراءة في شتى الفضاءات كالمؤسسات التعليمية والمكتبات والمخيمات والساحات والحدائق العمومية، وعبر تكوين الشباب وتعزيز القدرات والقيادات في مجال القراءة، كما تهدف شبكة القراءة إلى الدفاع عن قضية القراءة والتأثير الإيجابي في المنظومة التربوية وفي السياسات العمومية.
-
سؤالي هذا رغم أنكم من أكثر الجمعيات نشاطا، تترأسون ”شبكة القراءة بالمغرب “ ما عوائق العمل الجمعوي؟ وما نوع العقبات التي تعترضكم؟ أول عقبة تتعرض لها شبكة القراءة وهي ضعف الوعي بهذا الفعل الحضاري لدى بعض المدرسين وبعض الآباء الذين يعتبرون أن القراءة مسألة ثانوية ولا يدركون أهمية القراءة في تكوين شخصية الطفل وإعداده ليكون مستقلا وفاعلا في المجتمع.
كما أن بعض أنشطتنا تقف أمام انغلاق المدرسة العمومية على محيطها الثقافي، بحيث مثلا يصعب علينا تنظيم زيارة للتلاميذ إلى مكتبة عمومية أو إلى متحف فني أو ثقافي ولو كانت هاته المؤسسات الثقافية في نفس الحي، كما أننا وجدنا صعوبة في تنظيم زيارات التلاميذ للمعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء والذي يستفيد من برامجه الأطفال المتمدرسون في المدرسة الخصوصية.
من بين الصعوبات أيضا هو ضعف التأليف الموجه للأطفال ولليافعين وعدم ملائمة الكتب للقيم الحداثية وللتشويق الكافي لتحبيب القراءة للطفل وتوجيهه بالشكل الصحيح وخصوصا الكتب التراثية التي تكرس صورة جد سلبية للفتاة وتعتمد على عنف مجاني يضر بالذوق السليم، هناك صعوبات أيضا متعلقة بالدعم الحالي الذي توفر عليه الجمعية والذي لا يكفي لتحقيق جميع أهداف الجمعية.
-
من بين المشاكل الرئيسية ارتفاع كلفة الكتاب بالسوق المغربية وعدم قدرة الأسر على تخصيص ميزانية للكتاب؟ في نظركم من يتحمل مسؤولية هذه المعضلة ؟ وما وسائل الخروج منها؟
نعتبر في شبكة القراءة أن تكلفة الكتاب ليست هي العائق الأكبر لضعف القراءة ولعدم شراء الكتب، فكثير من المواطنين يشترون هواتف باهظة الثمن، بينما يترددون في شراء كتاب، بل هناك كثير أباء يشترون يوميا علبة سجائر باهظة الثمن ولا يفكرون في شراء كتاب ولو كان بثمن تلك العلبة. إن النهوض بالتعليم وبالقراءة هو الذي سيؤدي إلى ارتفاع نسبة القراءة وإلى الإقبال على شراء الكتب بشكل يومي وعادي تماما كما نشتري حاجياتنا الضرورية الأخرى.
-
كيف تقيمون المؤسسات الحكومية، وسياساتها عموما، في العمل على دعم الكتاب ونشر القراءة في المغرب؟
كما تعلمون، النظام التعليمي بالمغرب من أسوأ الأنظمة التعليمية في العالم وعدد الشباب الحاصلين على دبلوم جامعي ضعيف جدا بحيث لا يتجاوز 6%من الشباب، بينما يصل إلى أكثر من 50% في الدول المتقدمة، هناك إجهاز حقيقي على المكتبات بالمؤسسات التعليمية، بحيث أنها تغلق يوما عن يوم ولا يتم تخصيص أو صرف ميزانية خاصة بها، كما أن الأطر بها غير مؤهلة، ألحقت بها لسبب المرض وفقدانها القدرة على قيامها بمهامها التربوية السابقة، فأصبحت فاقدة الاستعداد للعمل أو الرغبة فيه، كما أنه لا يتم تعويض العاملين بالمكتبات المدرسية الذين خرجوا إلى التقاعد. وهناك ضعف المراقبة الحكومية للمدارس الخصوصية التي استغنت بعضها عن المكتبة وحولتها إلى قاعات للدرس، نظرا لعدم توفرها للفضاء الكافي لاستقبال “التلاميذ” أو بالأحرى الزبائن. بشكل عام هناك غياب
-
وما الوسائل الناجعة للرفع من القراءة؟
كما جاء في ندوة ماي 2015، نحن مقتنعون أن أي جهة مهما كانت قدراتها وإمكانياتها تظل عاجزة بمفردها عن القيام بمهمات تحويل شغف القراءة ومعانقة الكتاب إلى نمط حياة وتحويل المعرفة إلى خيار استراتيجي في سياسة الدولة وحياة المواطنات والمواطنين، ونؤكد على ضرورة بناء شراكات استراتيجية بين مختلف المؤسسات السياسية (بما فيها أجهزة السلطتين التشريعية والتنفيذية) والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والإعلامية ومنظمات المجتمع المدني، للانخراط الجاد والمسؤول والبناء في هذا المشروع المجتمعي وذلك من خلال التوصيات الأتية
-
فتح حوار وطني شامل حول قضية القراءة والكتاب، يساهم فيه جميع الفاعلين المؤسساتيين، سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا، إلى جانب الفعاليات المجتمعية المدنية. على أن يفضي هذا الحوار إلى بلورة ميثاق وطني لتعميم وترسيخ ثقافة القراءة ومعانقة الكتاب؛
-
بلورة هذا الميثاق الوطني في مخطط استراتيجي بعيد المدى، ذي طابع عملي متكامل، وخاضع للمتابعة والتقييم والتحيين باستمرار حتى لا يقع فيما وقعت فيه مواثيق وطنية أخرى؛
-
تفعيل وترجمة هذا المخطط في تشريعات ملزمة للجميع؛
-
توفير الاعتمادات اللازمة من طرف الجهات المعنية، حكومة ومؤسسات اقتصادية، في أفق خلق صندوق وطني لدعم القراءة ونشر الكتاب؛
-
خلق واعتماد آليات فعالة ومرنة لأجرأة هذا المخطط ومتابعته ومراقبته وتقييم تنفيذ مضمونه وبرامجه.