شعر برنار نويل
ترجمة جمال خيري
1)
وَالْآنَ سَيَكُونُ وَلَا بُدَّ مِنْ مَزِيدِ الاِنْتِظَارِ وَإِضَاعَةِ الضَّرُورِيِّ
مَرَّةً أُخْرَى ازْدَرَدَ الْمَوْتُ سِرَّ الْمَوْتِ
الرَّأْسُ تَمْسَحُ قَفَا الْعُيُونِ تُحَاوِلُ رُؤْيَةَ الْحِينِ
وَلَكِنَّ الاِشْتِهَاءَ الَّذِي نُكِنُّهُ لَهُ يَحْجُبُ عَنَّا حَقِيقَتَهُ
إِنَّهُ لَأَمْرٌ إِنْسَانِيٌّ قَدِيمٌ بَيْنَ الْمَحْظُورِ وَالتَّصَوُّرِ
كُلُّ وَاحِدٍ يَتَقَدَّمُ الْقَهْقَرَى نَحْوَ الْقَطِيعَةِ الْحَمِيمِيَّةِ وَالْجِذْرِيَّةِ
وَلَا أَثَرَ فِي أَيِّ ذَاكِرَةٍ لِهَذَا الْمَجَازِ
حُمَّى عَقْلِيَّةٌ فَقَطْ لَيْسَ إِلَّا وَلَكِنَّهَا لَا تُفَسِّرُ شَيْئاً بَتَاتاً
كَيْفَ نُحَوِّلُ عَرْضَ التَّجْرِبَةِ إِلَى تَجْرِبَةٍ
وَلَيْسَ ثَمَّتَ حَتَّى رَائِحَةُ وَبَاءٍ يُمْكِنُ أَنْ تُفِيدَ كَتَفْسِيرٍ
طَبِيعَةُ الْأَشْيَاءِ فَقَطْ وَمَعَهَا كَنَتِيجَةٍ أَنَّنَا لَا نَسْتَطِيعُ شَيْئاً
فَالْإِحْسَاسُ بِالْفَظَاظَةِ وَسْطَ الْمَأْلُوفِ لَا يَفْضَحُهَا
نَوَدُّ بِالْأَحْرَى صُرَاخاً ارْتِعَاشاً ارْتِعَاباً
نَوَدُّ أَنْ نُنْهِيَ كُلَّ شَيْءٍ كَيْ لَا نَعُودَ إِلَى فِعْلِهِ بَيْنَمَا الاِبْتِذَالُ
يُضِيفُ يَوْماً إِلَى آخَرَ لِكَيْ يُصَيِّرَ الْمُسْتَقْبَلَ تَافِهاً
بِمَ يُجْدِي الرَّمَادُ فِي الْعُيُونِ وَالثَّرْثَرَةُ الْمَقْطَعِيَّةُ
حِينَ يَكْفِي نِسْيَانُ الْعَائِقَةِ فِي الْحَاضِرِ الْآنِيِّ
2)
وَالْآنَ تَنْظُرُ إِلَى يَدِكَ تَتَقَدَّمُ عَلَى الْوَرَقَةِ
بِيَأْسٍ جِدِّ مَأْلُوفٍ بِشُرُودٍ فِي الْفَرَاغِ
كُلُّ شَيْءٍ يَتَوَقَّفُ عِنْدَ رُؤْيَةِ هَذَا الشَّيْءِ الْمَكْتُوبِ وَالرِّئَتَانِ
لِوَقْتٍ طَوِيلٍ تَتَحَاشَيَانِ نَفْخَ الْحَاضِرِ عَلَى الْجَمْرَةِ الْقَلْبِيَّةِ
تُحِسُّ الضَّحِكَ الْمُصْطَنَعَ شَيْئاً فَشَيْئاً يَجْتَاحُ فَضَاءَ الدَّاخِلِ
تَرُدُّ عَيْنَكَ إِلَى الْخَلْفِ ثُمَّ تُرِيدُ أَنْ تُنَظِّفَ الْمَادَّةَ
أَنْ تُنَقِّيَ فِي الْعَلْيَاءِ الْبَصْمَةَ الشَّخْصِيَّةَ وَفَيْضَ الْأَنْتَ
أَنْ تَنْتَزِعَ مَنْشَبَ التَّيَّارِ الَّذِي بِهِ اللِّسَانُ يَأْتِي لِوَشْمِ الْعَيْنَيْنِ
ظِلٌّ يَمْشِي عَلَى حَافَةِ الْأَسْنَانِ هَا شَبَحُكَ الْحَقِيقِيُّ
يَلْفِظُ فِي حَلْقِكَ خُرْدَةَ هُوِيَّتِكَ
الاِسْمُ لَمْ يَكُنْ أَبَداً سِوَى انْقِلَابِ الْعُزْلَةِ
وَالْآنَ تَنْظُرُ إِلَى يَدِكَ تَقُولُ هَذَا عَلَى الْوَرَقَةِ
فِيمَا جَسَدُكَ يَتَصَلَّبُ لِقَيْءِ مَا حُشِيَ بِهِ
وَلَكِنَّ الْفِطْرَةَ أَبَداً لَا تَخْنُقُ الْوَعْيَ
الضَّحِكُ سِلَاحٌ يُرْغِي عِوَضَ أَنْ يَكْشِطَ إِلَى الْعُمْقِ
أَيُّ لُعْبَةٍ تَلْعَبُهَا الذَّاكِرَةُ وَهْيَ الَّتِي تُرِيدُ أَنْ تَحْفَظَ بِاسْتِمْرَارٍ
اللَّذَّةُ فِي أَنْ نَكُونَ كُفُؤاً الْعُجَيْلَى تَفُوقُهَا لَذَّةُ أَلَّا نَكُونَ
3)
كَيْفَ نَقُولُ أَنَّ الْآنَ مِرْسَاةٌ مُلْقَاةٌ عَكْسَ الْوَقْتِ
هَلْ طَرِيقَةٌ لِإِرْسَاءِ الرَّحِيلِ الثَّابِتِ ذِهْنِيًّا
أَمْ لِلِاسْتِسْلَامِ لِلزَّعْمِ بِأَنَّ شَيْئاً حَدَثَ هُنَا بِالذَّاتِ
حِينَ الرَّأْسُ كُلُّ الرَّأْسِ تَكُونُ لِلْإِشَاعَةِ مُعْلِنَةً أَنْ رُبَّمَا
قِطْعَةً سَتَسْقُطُ مِمَّ الْقِطْعَةُ لَيْسَ ذَا هُوَ الْمُشْكِلُ الْحَقِيقِيُّ
الَّذِي يَتَحَرَّكُ هُوَ هُنَالِكَ خَلْفَ رَغْبَةٍ فِي التَّعْبِيرِ مُبْهَمَةٍ
يُظَنُّ أَنَّ سَيْفاً مِنَ الْعَتَمَةِ يَقْطَعُ بَغْتَةً طَرِيقَهُ
أَحْيَاناً التَّنَفُّسُ الْمُتَأَمِّلُ بَغْتَةً حَاسِماً
هُوَ الَّذِي يُلْقِمُ جَزَعَ نِهَايَةِ الْعَالَمِ بَعْدَ ذَلِكَ السُّخْرِيَةُ
تَشُدُّ ضَمَاداً عَلَى فُقْدَانِ الْمَعْنَى فَيَبْدَأُ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ جَدِيدٍ
حَيْثُ إِنَّ الْإِنْسَانَ يَجِدُ دَائِماً مَا يَلْأَمُ جِرَاحَهُ
وَهَا أَنْتَ مُجْتَاحٌ بِضَرُورَةِ السَّعْيِ فِي الْمَكَانِ نَفْسِهِ
وَكَأَنَّهُ يَكْفِي أَنْ تَضَعَ كَلِمَةً ثُمَّ تَوًّا أُخْرَى
لِتُشَيِّدَ أَخِيراً وِجْهَةَ نَظَرٍ تَجْتَازُ مِنْ فَوْقِ الْأُفُقِ
وَهَا ثَانِيَةً عَمَلٌّ فَشَلُهُ يُشَجِّعُهُ عَلَى تَحَدِّي مَا لَا فَائِدَةَ مِنْهُ
وَلَكِنْ وَقَدْ صَارَ سِيَاسِيًّا فَهْوَ يَدْفَعُ بِالتَّمَرُّدِ
إِلَى أَنْ يَسْحَقَ دَائِماً هَزِيمَتَهُ الشَّخْصِيَّةَ
4)
مَا الْجَدْوَى الْآنَ مِنْ مَعْرِفَةِ أَنَّ مَسَاراً لَيْسَ مَوْضُوعاً
أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَتِمُ بِالطُّفُورِ وَبِالاِنْعِطَافِ دُونَ أَنْ يَكُونَ مَعَ ذَلِكَ ثَمَّتَ هَدَفٌ
وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَدَائِماً عَكْسُ الْهَدَفِ مَا يَبْحَثُ عَنْ إِثَارَتِهِ اللِّسَانُ
وَكَأَنَّهُ يُفَضِّلُ الْفَمَ الْحَالِيَّ عَلَى الْآتِيِّ
فِي حِينٍ أَنَّ النَّوْعَ لَا يَهُمُّهُ لِمَنْ سَيُخَلِّدُهُ
لَا يَهُمُّ لَقَدْ فَاتَ أَوَانُ الاِنْطِلَاقِ هَا هُنَا فِي كَلَامٍ زَائِغٍ
ظِلٌّ يَمُرُّ وَيُلَوِّحُ بِالشَّيْءِ الْعَارِمِ يَلْوِي وَيَحُشُّ
لَقَدْ فَاتَ كَذَلِكَ أَوَانُ الْأَكَاذِيبِ الْمَجِيدَةِ وَالْجَمَالِ
وَحَيْثُ كَانَ التَّحَابُّ لَمْ يَبْقَ سِوَى الشَّكِّ وَالشَّطْبِ كَارِثَةٌ هَيِّنَةٌ
السُّخْرِيَةُ لَا تُفِيدُ فِي شَيْءٍ الْفَمُ فَارِغٌ وَالرَّأْسُ تَدُورُ
الْآنَ الْهُوَةُ الْجَوَّانِيَّةُ تُنَاشِدُ جُنُوناً أَوْ لُعَابَ الْآلِهَةِ
رَغْمَ ذَلِكَ لَا شَيْءَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَبْعَثَ الْأَمَلَ بِأَنَّ الْحَافَةَ عَلَى مَقْرَبَةٍ
وَسَوْفَ نُطِلُّ عَلَيْهَا كَمَا فِيمَا مَضَى وَنَمْتَلِكُهَا
عَلَى مِرْجَلِهَا لِنَرَى مَعْنَى الْمُسْتَقْبَلِ يَغْلِي
لَقَدْ أَطْبَقَ اللُّغْزُ سِرَّهُ عَلَى نَفْسِهِ مُنْذُ أَمَدٍ بَعِيدٍ
ظَنَنَّا أَنَّنَا نُعَامِلُهُ بِالْمِثْلِ ذَاكِرِينَ أَنَّهُ لَيْسَ مَوْجُوداً
ثُمَّ الْمَوْتُ يَبْثُرُ وَبَغْتَةً يَتْرُكُنَا نَاقِصِينَ
5)
وَالْآنَ بَحْرُ الْبَلْطِيقِ هُنَاكَ فَوْقَ سَقْفٍ أَحْمَرَ
إِلَّا إِذَا كَانَتِ السَّمَاءُ قَدْ أَدْفَقَتْ لَوْنَهَا عَلَى الْأَرْضِ
طُرُقٌ عِدَّةٌ لِلظَّنِّ كَيْ يَصِلَ رَغْمَ ذَلِكَ إِلَى مَكَانٍ مَا
وَلَكِنَّكَ قَدْ لَحِقَ بِكَ هُنَا مُقَامُ الاِسْتِيَاءِ
يَلْزَمُ إِضَافَةُ الْمَزِيدِ مِنَ الْمَقَاطِعِ لِذِي الْكَلِمَةِ
لِتَكُونَ إِلَى الْأَبَدِ الْبَلَدَ الَّذِي فِيهِ يَسْتَوْلِي عَلَيْكَ الْأَبَدِيُّ
لَقَدْ مَزَجْنَا وُجُوهاً وَأَلْسِنَةً وَحَاوَلْنَا أَنْ نَفْهَمَ
تَنَوُّعاً يُخْفِي بِشَكْلٍ رَدِيءٍ شَهَوَاتٍ غَدَتْ كُلُّهَا مُتَشَابِهَةً
لِمَاذَا حَيْثُمَا كَانَتْ تُسْفِرُ عَلَى أَرْدَافِهَا وَبُطُونِهَا
كَانَتِ الْأَنَاقَةُ دَائِماً الشَّيْءَ الَّذِي يَرْمِي بِبَهَائِهِ وَهْوَ يَمُرُّ
مَاذَا نَفْعَلُ بِالْوُضُوحِ هَلْ نُضَيِّعُهُ فِي الْمُعْجَمِ
مِثْلَمَا نَنْسَى شَيْئاً بِمُجَرَّدِ مَا نُسْلِمُهُ لِلْخَبْءِ
شَجَرَةٌ مُزْهِرَةٌ تُفَاجِئُ النَّظَرَ الَّذِي كَانَ يَنْطَلِقُ مُجَدَّداً لِلْبَحْثِ عَنِ الْبَحْرِ
تُوَيْجَاتٌ وَرْدِيَّةٌ شُعْلَةٌ فِي وَسَطِ الْأَبْقَعِ
صَدِيقٌ يَتَمَشَّى هُنَاكَ وَلَا يَعْرِفُ أَنَّهُ يَجْتَازُ النَّظَرَ
شَيْءٌ مَا قَدِيمٌ يُغَشِّي لِهُنَيَّةٍ الْمَادَّةَ الْجَوِّيَّةَ
قَلَقٌ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْغَلِقَ فِي اسْمٍ
===============
* من ديوان “بستان الحبر” للشاعر الفرنسي برنار نويل. مشورات لوراي دي لو 2008