أجرى الحوار: عبدالله المتقي
لقصيدة النثر شخصية لغوية متميزة ، تحتاج إلى تمكن مهني
جميل محمود أبو صبيح شاعر من الأردن عضو رابطة الكتاب الأردنيين منذ تأسيسها عام 1974, شر الكثير من أعماله الشعرية في المجلات الأدبية المتخصصة مثل (الكرمل), و(إبداع), و(الآداب), و(أفكار), و(المعرفة), من دواوينه الشعرية :”الخيل” ،”البحر” ، ” تماثلات “, الهجرات”,”البراري “ الأمطار ” و…كما صدرت له أعمال شعرية ونقدية مشتركة مع شعراء ونقاد عرب ، حول تجربته وسيرته الشعرية كان لنا معه هذا اللقاء :
س : جميل أبو صبيح شاعرًا وإنساناً .. هل من مقاربة ؟
– نعم ، مقاربة واضحة بمسافة لا بأس بها بين الشاعر والإنسان اللا شاعر ،– فالشاعر حياة حرة على الورق أثناء الكتابة تكسر التابوهات ، ما عدى الحدود التي أضعها لنفسي ، وأهمها عدم التجديف وعدم القفز عن ما ترتضيه أخلاقي ، وعموما أستطيع القول أنني أكتب بأخلاق الفروسية العالية ، وبين الشعراء أكون شاعرا أمارس طقوسها كما أريدها ..
أما في اللاشاعر فأنا أب و أخ وابن وزوج وابن عم وعشيرة ووطن ،ولي جيران أحترمهم وأتراب أبحث عنهم وأصدقاء أحبهم .. ولي حياة أمارسها كما هي ..
س : ماذا عن القصيدة الأولى ، الشعلة الأولى ، وكيف اتقدت ؟
– النص الأول أصدق النصوص ، فهو أول فاتحة الإبداع المتفاعل مع الحياة بكل عسرها وسهولتها ، نتيجة حتمية للتفاعل مع الموت والطرد والحلم الذي ينمو ويتسع في آفاق صدورنا المتوهجة المفعمة بأحاديث الأرض والقتل المجاني الذي تقترفه اليد الصهيونية شبه يومي .. ، فكانت فاتحة الشعر نواح أم تودع شهيدها الذي رأيته وأهله يغسلون جسده المنخل بالرصاص عندما أحضروه بسيارة المخيم يقودها أحد أقاربه ،
وعندما رفعوه على الأكف ناحت أمه وهي تمشي وراء حاملي نعش الشهيد : :
رف الحمام وطار …… …
وبعد أن وعيت قليلا بسنوات أكملته : :
رفّ الحمام وطارْ وينْ طارْ يا ربّي
شُبّان تحت لِحْجارْ ونيرانْـــها بْقلبي
ثم بعدها بسنوات قليلة بدأت لغتي تتفصّح أكثر، وكنت في الرابعة عشر من العمر: :
هل من دموع تنهمرْ من نرجس غض نضِرْ
تبكي فتى مسـتلئِما لـــقد أبـــى أن ينقـــهِرْ
رشـاشه صوت لـه والمدفـــــع الــذي زأرْ
نــاحت له أم الدنــا والأرض وانشق القمرْ
ثم بعدها اتسع مخزوني الثقافي بالأدب الشفاهي .. أدب البادية ومجالس الكبار في الإضافات ، والقراءات المختلفة بما فيها الروايات الشعبية والجادة ، منها ألف ليلة وليلة ، إلى أن وصلت المرحلة الثانوية ..
س : لو لم يعد بإمكانك كتابة القصيدة..وحتمت عليك الظروف ذلك ، فما الذي تفعله ؟
– في المرحلة الثانوية اتسع الوعي وتعمق ، وصار للطموح معنى الحياة بأبعادها الشاسعة وتفاصيلها الكثيفة ، فنمى في داخلي طموح أن أكمل دراسة الطب أو أدخل كلية عسكرية ، وكان هذا الطموح الأقوى برغم بداية اكتمال نمو طائر الشعر في فضاءاته بداخلي. وممارسة كتابته ، لكن الظروف المحيطة بعد عام النكبة كانت أقوى، فاضطررت لإكمال دراستي الجامعية في قسم الآداب قسم اللغة العربية ، ووجدتني غارقا في الشعر وأجوائه الدمشقية العارمة ، خلالها لم أكن أتصور نفسي أي شيء إلا شاعرا .. فعشت حياة الشعر كما يجب أن تعالى ..
س :هذا العصر عنيف إلى أقصى حد .. كل شيء يدل على ذلك .. فأين الشاعر ؟
ـ في مرحلة دمشق وما قبلها كان البارود يزكم الأنوف والرصاص في الشوارع ، والأطفال يحملون بنادق أطول من أجسادهم .. ، وكان شعر المقاومة طاغيا يغمر فضاء الثقافة والإعلام ، وكان الشعر والفن إجمالا تحريضيا يميل إلى المباشرة على حساب الفنية واللغة الشعرية .. ومن يريد أن يتسلق سلم الجمهور عليه أن يندسّ بين صفوف من يكتبون الشعر التحريضي المباشر ، ويسير تحت عنوان ومظلة ” أدب المقاومة ” ، بكل ما فيه من سهولة وتسطيح في كثير من الحالات ، إلى أن صرخ محمود درويش بعد خروجه من الأرض المحتلة بوجه النقاد المجاملين لشعر المقاومة بقوله ” أنقذونا من هذا الحب القاسي ” ..
أنا لم أسقط بتجربتي الشعرية منذ بداياتي الأولى في الجامعة بهذا النوع من لغة الشعر، لإيماني ووضوح رؤيتي له أنه مرحلي ، ويخبو معظمه ، فاجتهدت أن أكون أنا نفسي ، بشخصيتي الشعرية المستقلة وأسلوبي الشعري المغاير فنيا ولغة شعرية ، مع امتلاء هذه اللغة بمخزوني الداخلي من حياة الطرد والاقتلاع ، لهذا فإن عنف تلك المرحلة لم يصبغ كتابتي بطابعه التحريضي ، مما جعلني أثق بما كتبه لي الشاعر الفلسطيني الكبير خالد أبو خالد – وكان أول شاعر أعرض عليه قصائدي في السنة الأولى من دراستي بجامعة دمشق ” لقد جئتنا شاعرا مكتملا “..
س : إلى الآن أصدرت أحد عشر ديوانا شعريا ، فما الذي حققته إبداعيا في هذه الدواوين ؟
– لست مستعجلا بإصدار أية مجموعة شعرية ، وبالعادة لا أنشر إلا إذا اقتنعت بالنص ، وربما يمكث بالأدراج سنوات ، حيث أعيد قراءته وألاحظ مدى تقبل النقاد له ، فإن اقتنعت به بعد تلك السنوات أرسله إلى إحدى المؤسسات الثقافية المعتمدة ، فإن اقنعت به نشرته .. ، مع يقيني أن من هذه المؤسسات من لا يهمها جماليات النص بمقدار محبة أو عدم محبة مؤلفه ، كما حدث معي مرتين ، بخاصة مجموعتي الشعرية ” مسيرة الصباح الوحشي ” عام 1982، حيث تم سحبها من المطبعة بحجة أنها لم تتم مراجعتها مطبعيا بسبب إقامتي خارج البلاد ..
جعل هذا التمهل مجموعاتي الشعرية ذات قيمة فنية عالية يقبل عليها النقاد بفعالية واضحة ، بحيث نالت عددا لا بأس به من الدراسات المحكمة ومتابعات الطلبة الجامعيين ، ثم دعوة بعض أقسام اللغة العربية لحوارى مع الطلبة حول هذه السرديات ، إضافة إلى الإقبال على ترجمتها إلى اللغات الأخرى ، مما يعني أنها صارت جزءا واضحا من ملامح المشهد الشعري العربي .. ..
س : أراك أخيرا مسكونا بالسرديات الشعرية ، ماذا تعني في نظرك ، وما مفهومك الخاص لها ؟
– السرد بالأساس لغة النثر ، وهنا نحن أمام قصيدة النثر ، لكنها شعر ، أو لنقل نصا شعريا مكتملا ، نوع شعري حديث اتسعت دائرته وكثر شعراؤه حتى وضحت ملامحه ، ولم يعد مثار جدل كما بداياته ،
استمر الشعراء يكتبون حتى نهاية التسعينات من القرن الماضي ، لكنهم وقعوا في نمطية اللغة الشعرية حتى اتهم كثير من معارضي قصيدة النثر بأنها تلفظ أنفاسها ولم تعد تتطور ، بخاصة غنائيتها ومجانيتها صارت مكرورة ، ويصعب التمييز بين لغة شاعر عن آخر ، وبالتالي سقطوا في فوضى الكتابة ، إلا أن أنصارها ازدادوا تشبثا بها رغم أنها دخلت مرحلة السكون ، ومن النقاد من كتب في تلك الفترة أن هذه القصيدة تمر بمرحلة سكون ، ولم يظهر شاعر متميز يخرجها من مأزقها ..
لقد استمر هذا السكون حتى دخلت في مرحلة الخراب على أيدي المتشاعرين من الفيسبكيين ، وراحوا يتناسلون على صفحات الفيس بوك ، حتى فرخوا كما الجراد ، وراحوا يتقافزون على المنابر متسلحين بضعف معرفة القيمين عليها بهم ، ثم تحولوا إلى منابر علاقات عامة لها حاشياتها ..
وأنا أحد الذين تأسفوا على حال الخراب هذا إلى أن يئست منه ، فتوقفت عن الكتابة والنشر عامين ، حتى إذا عدت لم أصدق نفسي أنني أنجزت عددا من النصوص الشعرية بقصيدة النثر بلغة شعرية مغايرة، ثم انطلقت بعدها إلى عالمي الخاص بهذا النوع الشعري ، ثم كانت دهشتي أكبر حين رأيت إقبال النقاد والمهتمين بنصوصي الجديدة بخاصة ، حيث أُعدت عنها دراسات جامعية ومقالات نقدية وانطباعية بالصحف والمواقع الإلكترونية ، وتطوع مترجمون كبار لترجمتها ، وطباعتها مترجمة ، حيث صدرت مختارات منها ترجمها الشاعر والمترجم نزار سرطاوي ، وأصدرها عن رابطة الكتاب الأردنيين بعنوان ” سرديات الضوء ” ، ثم تولت وزارة الثقافة بمصر من خلال الهيئة المصرية العامة للكتاب بالقاهرة طباعة مجموعة أخرى من السرديات الشعرية بعنوان ” سرديات مضيئة ” ..
لم أتقصد الكتابة بلغة شعرية مغايرة ، لقد جاءت هكذا خلال العامين اللذين توقفت خلالهما عن النشر ، لكني أعتقد أن قصيدة النثر عندي بدأت مواكبة لبداياتي الشعرية الأولى خلال دراستي بالسنة الأولى والثانية بجامعة دمشق ، حيث انخرطت بأجواء دمشق الشعرية ، واعتبرتني الصحافة الثقافية أحد أبناء الساحة الشعرية ، فقد اختارت جريدة الثورة عام 1976 ستة شعراء شبان من سوريا كنت أحدهم باعتبارهم الجيل الجديد بعد جيل الستينات ..
خلالها واكبت تطور قصيدة النثر بالتوازي مع التفعيلة والعامودي ، وكان الجوّ والوقت مهيأين لهذا ، البيتي بالدراسة الجامعية ،والتفعيلة بجلسات وأمسيات الشعر وأصدقائي الشعراء ، وقصيدة النثر من خلال قراءتي ومتابعتي لها ، بخاصة تواجد شعرائها الكبار وأبناء جيلي في الجامعة وخارجها ، وكانت أول قصيدة نثر لي نشرتها كتبتها بدمشق ونشرتها بالصحافة الأدبية في الأردن وكنت ابن تسعة عشر عاما ، وهي أول قصيدة نثر تنشر بالصحافة الأدبية الأردنية عام 1972 ..
بالتالي ، فإن تجربتي العميقة مكنتني تلقائيا من الوصول إلى لغة السرديات الشعرية الجديدة في الشعرية العربية ، بحيث رأى فيها النقاد خروج قصيدة النثر من سكونها ، وانطلاقها إلى آفاق شعرية جديدة رحبة ..
والسرد هنا من مقاربات السرد في مكوناته المتعددة ، فكما لدينا السرد الحكائي بأنواعه ، والسرد السينمائي ، فان لدينا الآن السرد الشعري الذي حمل قصيدة النثر العربية على جناحيه إلى آفاق رحبة ، وسقته ماء الحياة ورونق الجمال ..
س : مشاركاتك بالملتقيات الشعرية المغاربية .. هل تعتقد أنها أضافت إلى تجربتك شيئا ؟
– الشعر تجارب وحياة ، والأماكن حدائق الشعر ، بخاصة عندما تكون الأماكن أرض الشعر ، هذا عرش القصيدة في زحام المدن وفضاءات السهول والجبال العالية وباقات الأصدقاء ..
هكذا تجاربي المغاربية ، فقد شكلت مفصلا من أجمل المفاصل ، ارتقت بسردياتي تلك الجبال ، وحلقت في فضاءآت السهول وزحام المدن .. ، فكانت قصائدي في سرديات ” قطار الليل – نشيج العاصفة – شجرة الكون …وسواها “..
كما استفدت من التجارب المغاربية الثقافية بترتيب إنشاء المهرجانات الشعرية ، فقمت بتطوير ملتقى الزرقاء الشعري السنوي الذي بدأته بالتعاون مع مركز الملك عبدالله الثاني الثقافي ، ثم ضممته إلى رابطة الكتاب الأردنيين – فرع الزرقاء ، ثم تطور إلى مهرجان الزرقاء الدولي للشعر ، تبنت بلدية الزرقاء دورته الأولى ، وسيتبنى دعمه في الدورة الثانية بحول الله تعالى الجمعية الأردنية للتنمية.. والقطاع الخاص ممثلا بالسيد نضال الجوابرة ، وسيكون – مستقبلا – بمشيئة الله سبحانه وتعالى تعاون بين مهرجان الزرقاء الدولي للشعر والمهرجانات المغاربية ..
س : تجربة جميل أبو صبيح الشعرية والمشهد النقدي ، أية علاقة ؟
– أهتم كثيرا بالنقد وما يقوله أو يكتبه النقاد ، سواء عرفتهم شخصيا أم لم أعرفهم ، فقد واكب نقاد عرب من بينهم أردنيون تجربتي الإبداعية ، وكانت لكل ناقد رؤيته الخاصة لهذه التجربة ، إلا أنهم أجمعوا في كتاباتهم على أنها تجربة مميزة منذ كتابتي قصيدة ” الخيل ” التي تعتبر المفصل الأول الشاهد على اكتمال التجربة وتميزها عن الشعرية السائدة في السبعينات ، بشهادة الناقد المرحوم يوسف اليوسف ، الذي كان أول ناقد عرضتها عليه صيف عام 1976بدمشق ، ثم أكد هذا كل مَن تناولها بالعرض والنقد من شعراء ونقاد كثيرون ، غير أنها لم تُعدم من قال عنها أنها الحائط الواطئ ، حتى إذا أقمت بفرنسا لدراسة موسيقى الشعر بالسوربون عرضتها على الأستاذ الدكتور جورج بوهاس أستاذ موسيقى الشعر ، فكلف طالبين من طلابه بالدراسات العليا بدراستها ، وعندما دعاني لحضور المناقشة اندهشت كثيرا أنهم اكتشفوا بها مالم أتوقع ، وكتب لي من فوره كتابا بالموافقة على أن يشرف على موضوع دراستي .. ،
هذه كانت البداية مع القراءات والدراسات النقدية الجادة للتجربة الشعرية قبل أن تتسع وتتعمق أكثر ، بخاصة بعد نشري قصيدة النثر بمجموعات خاصة بها أو مشتركة مع قصائدي من التفعيلة ..
لقد تناول النقاد جميع مجموعاتي الشعرية ، سواء من قصيدة التفعيلة أو قصيدة النثر بدراسات جامعية محكمة وبقراءات نقدية إبداعية وانطباعية ، وممن أضاف لهذا النقد جماليات بصرية الفنانون التشكيليون الذين كتبوا عن جماليات الصورة وكثافتها في النصوص الشعرية بنوعيها التفعيلة والنثر ، وأقيمت ندوات كثيرة بهذا الخصوص ..
ولكن بعد أن استقريت في موطني استأثر مشروعي الشعري الخاص ” السرديات الشعرية ” بتفرغي له ، وبالتالي اهتمام النقاد والمثقفين بسرديات .. هذا المشروع ، فتابعوه وتناولوه بالدراسات الجامعية والأوراق النقدية المشاركة بملتقيات النقد العربية ..
ووجدت أنهم جميعهم رأوا بهذه السرديات لغة جديدة لقصيدة النثر أخرجتها من النمطية والسكون إلى فضاءات جديدة رحبة ..
س : رأيك كشاعر بهذه الأسماء الشعرية ؟
– أولاد أحمد : شاعر معارضة تحريضي يعتمد على المقابلة الشعرية . .
– هادي دانيال : شاعر فنان وناقد مثقف ، تحرر من لغة شعر المقاومة برغم انخراطه بها ..
محمد شكري ميعادي : شاعر شهيد شهيد خسرته تونس والثقافة العربية ..–
محمد بنيس : شاعر فنان يوازي بين لغة الإبداع الشعري ولغة النقد الأدبي .. –
– جميلة ماجري : شاعرة تشكل مفصلا مهما في الحركة الشعرية العربية من خلال أدارتها الناجحة لبيت الشعر العربي بالقيروان ..
– زكية المرموق : الأندلس تسير على قدمين ..
س : ماذا عن المرحلة الأولى بدمشق ، وما حكاية هذا التحول من نوع شعري إلى آخر ؟ وكيف تحافظ على مستويات اللغة الشعرية فيهن برغم تزامنهن ؟
– في الجامعة مساحات هائلة بلا حدود من التفتح الشعري ، ودمشق بخاصة عالم شعري ثري متنوع ، فقرأت التفعيلة باستيعاب ، وبدأت كتابتها وعرضها على الشعراء المكرسين في الشعرية العربية ، وأذكر أني عرضت قصيدتي العمودية على الشاعر الكبير يوسف الخطيب وكان مكتبه في شارع الصالحية ، عندما بدأت التفعيلة عرضتها على الشاعر المقاوم الكبير خالد أبو خالد ، ثم انطلقت إلى شعراء دمشق الكبار ، علي الجندي ومحمد الماغوط ، فقد كنت أقرأ لهم يوميا ، وأقرأ ما أجد في مكتبات دمشق من مجموعات شعرية على حساب طعامي ، واستكفي بوجبة طعام واحدة ، وأجالسهم في مقهى الهافانا وكفتيريا النجمة ، وصار لي أصدقاء من شعراء دمشق الشباب وأبناء جيلي ، نتسامر بالشعر ، ونتابع أحدث الإصدارات والدوريات الثقافية القادمة من خارج القطر وأكثرها من لبنان ، الآداب ، وشعر ، والطريق وغيرها ، ولاحظت من بعض النقاد ومسؤولي الأقسام الثقافية الاهتمام بنصوصي . منهم الناقد الموسوعي خلدون الشمعة ، الذي كان أكثر ناقد اهتم بنشر نصوصي في صحيفة ” البعث” التي كان ينجز صفحتها الثقافية ، فأهديته فيما بعد مجموعتي الشعرية “الهجرات ” ..
في تلك الفترة كتبت قصيدة النثر متزامنة مع قصيدتي العمودية والتفعيلة ، علما أن لكل نوع شعري لغته المغايرة التي يفرضها فضاؤها الخاص ، لكن هذا يحتاج إلى دراية متمكنة من صياغات اللغة الشعرية المختلفة وممارستها ، أولا التمكن من لغة القصيدة العمودية ، ليدرك الفارق بينها وبين اللغة الجديدة ، ويتجنب الوقوع في صياغة التفعيلة بلغة العمودي ، وتحول القصيدة إلى فوضى إعداد التفاعيل في أسطر النص ،أيضا لقصيدة النثر شخصية لغوية متميزة ، تحتاج إلى تمكن مهني من صياغة الجملة بعيدا عن اللغتين السابقتين كي لا تسقط في تكرار صياغة الجملة النثرية العادية ، جملة السرد النثري والحكائي ، فهي جمل مفعمة بالصور والتكثيف والاختزال ، وغير هذا من مواصفات لغة قصيدة النثر ..
س : يصفك البعض أنك شاعر ماطر ، فهل توافقهم على هذا الأمر ؟
– شاعر ماطر بمعنى خصوبة النص وليس كثرة الإنتاج الشعري ، لأن لكل مبدع جانب من الضعف عليه أن لا يستسلم لسهولته وانفعاليته ، فالاستسلام ينتج صياغات مسطحة مباشرة ، فقيرة الصورة والتكثيف والدلالات ومتميعة ، بمعنى أنها تفتقر إلى الشعرية .. ..
أي نص بهذا السقوط أهمله ، بالتالي كتابتي خصبة النصوص أكثر منها خصبة الإنتاج الكمي التراكمي ..
س : هل تعتقد أن زمن التكنولوجيا قد سحب الحصير من تحت القصيدة ، أم هو الشعر خالد ودائم أبدا ؟
– الفن الإبداعي بعامة والشعر بخاصة حالة إنسانية عالية الجماليات الراقية ، خصوبة الإنسان في أعلى مراتبه الإنسانية ، به يحلِّق في آفاق شاسعة بأجنحة الخيال الإنساني وتكوينه الروحي وعذوبة التذوق الجمالي الروحي والبصري مما صنعته يداه وروحه وقلبه ..
إنه نساج الجمال وروحه المبدع .
فهل تنتج التكنولوجيا هذا كله ! ، أم أن التكنولوجيا صناعة المخيلة وجزء من عالمها !!!!
لا تستطيع التكنولوجيا أن تكون بديلا عن جماليات المخيلة الإبداعية ، وإلا فإن العالم يتحول إلى آلة ..
س : هل يمكن أن تحدثنا عن طقوسك وعادات الكتابة لديك ..؟
– لا طقوس ، لا رتابة ، حالة إبداعية حرة ، جامحة لحظات تهلّ بطيورها المفاجئة ، لا فكاك منها ، والطيور الملونة تهبط وحدها على الأوراق كلمات مضيئة ، طيور حرة حرة تكتبني ..
شكرا لنوافذك الابداعية الرحبة استاذ عبد الله المتقي محمد والشكر عميق ايضا للموجة الثقافية