حاورته: كنزة الصفريوي
ترجمه عن الفرنسية : سعيد بوخليط
1-س-هل كنتم متعاونا مواظبا، مع أنفاس؟
ج-أظن، أني كتبت، مقالتين أو ثلاثة.
2-س-هل ركزتم، على مسألة معينة؟
ج-نعم، كتبت خصوصا حول قضايا الفلاحين، وكذا الصراع الطبقي في البادية، باسم مستعار له علاقة بالسياق القروي، أعتقد أنه “محمد العربي”. وقد تبنيته، في علاقة مع عملي، لأني كنت مهندسا زراعيا،ورئيسا لمصلحة التجهيز بمكتب الغرب، مركزا هاجسي النضالي، على أحوال البادية. فقد عاشت منطقة الغرب شهر أكتوبر1970، معركة عنيفة بين قرويي المنطقة، وقوات الأمن بسبب نزاع حول أرض، كانت مزرعة كبيرة في ملكية معمِّر يدعى Monziés .لما أدرك، ضرورة رحيله إلى فرنسا، أعطى الأرض للفلاحين المشتغلين عنده وعمال زراعيين،لكن دون أساس قانوني شرعي،سوى وريقات تتعلق بجداول زمنية،مع هكتار أو هكتارين، لكل واحد.نفس الأرض،تركها إلى جماعة ضمت من بين أسماء أخرى، إذا كانت ذاكرتي قوية، جلول نجاي وميلود الشعبي…،هؤلاء تمكنوا من شرعنة التملك، اعتمادا على قوة الأمن،وطرد الآخرين.مات كثير من الناس ،دون التمكن من استرجاع تلك الأرض.بالتالي،كان من المفروض، أن أكتب شيئا عن الموضوع في أنفاس. لكن، تم ذلك في جريدة سرية،فأثار صدى كبيرا،بحيث اتجه انتباه حزب الاستقلال والكتلة الوطنية،نحو القضية.
2-س-كتبتم أساسا في أنفاس،باللغة العربية؟
ج-أظن، أنني كتبت بالعربية،لكن بإمكاني الكتابة بالفرنسية.
3 –س-ماهي مبررات، انضمامكم إلى مجموعة أنفاس،العربية والفرنسية؟
ج-بكل بساطة،لأني كنت عضوا في حزب التحرر والاشتراكية، وبصدد الانشقاق عليه،من أجل هيكلة تنظيم ماركسي- لينيني، صار بعد دخولي أنا واللعبي، السجن : إلى الأمام.جراء،مجموعة من التطورات حدثت بعد غيابنا.شكلت أنفاس،الناطق باسم هذه الحركة الراديكالية،المنبعثة من حزب التحرر والاشتراكية،والتي انشقت فيما بعد، انتهاء ب “إلى الأمام.”
4-س-هل تابعتم أنفاس،قبل ذلك،لما كانت أعدادها، مكرَّسة أساسا للجانب الثقافي ؟
ج-قليلا جدا،لأني كنت أدرس في فرنسا،ولم أعد إلى المغرب إلا شهرغشت 1970 ،بينما ابتدأت تجربة أنفاس منذ مدة، لكني أذكر،قدوم اللعبي والسرفاتي، إلى باريس سنة1969أو1970،فالتقوا بنا،وعرضوا أمامنا،في إطار تجمع عام ما ينجزانه داخل جمعية البحث الثقافي، التي لم تكن محظورة وقتها،المعروفة اختصارا ب : l arc .- منذ تقريبا ثلاثين سنة لم أتلفظ بهذا الاسم- أستعيد صورتهما كما الآن،أمام دار المغرب في باريس !يشرحان، ما يقومان به داخل الجمعية،والمشاكل التي تعترضهما في الحزب.حينما رجعت،كان طبيعيا جدا، الالتقاء بهما.
5-س-إذن، اكتشفتم أنفاس، عبر جمعية البحث الثقافي؟
ج- في البداية، نعم.
6-س-في البداية،كانت جمعية توخت تنظيم الوقائع الثقافية،والارتقاء بالثقافة التقدمية،ثم تسيست كذلك؟
ج-خلال تلك الحقبة،كانت الثقافة ملتزمة،ليس كما الأمر حاليا،حيث أضحت الثقافة لاسياسية،إلخ.في تلك الفترة،شكل الالتزام الثقافي،جزءا من نظيره السياسي، أو لا يبتعد عنه، إلا قليلا.كانت طريقة، للالتزام سياسيا عبر الثقافة.أشخاص مثل السرفاتي، ملتزمين سياسيا،لا يمكنهم الاقتناع بحدود الأسلوب الثقافي الخاص،دون مرجعية سياسية.نفس التأويل،ينطبق على اللعبي،رغم كون مساره يختلف عن السرفاتي،لأنه كان في البداية رجل ثقافة،ثم عانق السياسة، شيئا فشيئا.لقد ظل السرفاتي، دائما مناضلا وإطارا سياسيا للحزب الشيوعي المغربي،وحزب التحرر والاشتراكية ثم إلى الأمام…،ومناضلا مثقفا. خلال، لقاء باريس، أحسست بأني ألتقي أكثر فكريا مع السرفاتي. حينما عدت إلى المغرب،كان تأسيس تنظيم”أ” يوم30غشت1970،وعلى الفور تحتم إيجاد وسائل للتعبير،وكذا بث أفكارنا،فكان منبر أنفاس،طلبوا مني أن أكتب هذه المقالة أو تلك،ثم كتبت. هذا كل، ما في الأمر.
7-س-هل تشكلت، لجان للتفكير، في المقالات؟
ج-لم أكن ضمن، لجان التأمل.اقترحوا علي كتابة مقالة،وذلك ما بادرت إليه.مثلما، أني لم أنتسب إلى نواة صغيرة جدا، انصب تفكيرها على الاستقطاب،تألفت من اللعبي والسرفاتي والبردوزي …،إلى جانب الطاهر بن جلون،الذي تعرفت عليه خلال الخدمة العسكرية الإجبارية. القصد من الأخيرة،معاقبة عدد من الأشخاص،من بينهم نحن،بسبب احتلالنا لسفارة المغرب في باريس،شهر فبراير1967 . لذلك، حينما عدت قصد إجراء تدريب،سيجبرونني بقوة على أداء الخدمة العسكرية،حيث لامكان، إلا لشيئين اثنين :الاستدعاء والامتثال.وقد اقتادني جندي برتبة مساعد إلى ثكنة.هناك وجدتني أمام الشهير محمد عبابو، وتعرفت مباشرة عن الذي سيتزعم الحركة الانقلابية للعاشر من شهر يونيو1971،كما عاينت مجموعة من المشاركين بعد ذلك، في الانقلابات.التقيت الطاهر بن جلون،و مثقفين كثيرين مثل عمر الفاسي عضو حزب التقدم والاشتراكية، الذي أصبح وزيرا للتعليم العالي والبحث،ثم الحلوي الرئيس السابق للاتحاد الوطني لطلبة المغرب،وأحمد حرزني في ثكنة الحاجب،والتقيت ثانية ،أياما بعد تجنيدي،الطاهر بن جلون، وكذا فريق كامل، من المشرفين على الاتحاد الوطني لطلبة المغرب.
8-س-هل أضحيتم، ضمن ذاك الفريق؟
ج-نعم، كنت كاتبا عاما لفرع الاتحاد الوطني لطلبة المغرب في فرنسا،ثم رئيسا لهيئة المقيمين في دار المغرب.
9-س-فيما بعد، تعرضتم للاعتقال، في نفس الوقت، إلى جانب اللعبي؟
ج-اعتقلت يوم29 ماي، واللعبي يوم14مارس، في نفس الوقت، مع أنس بلا فريج.خلال تلك الحقبة، أنشأنا أول جمعية لحقوق الإنسان، سميت ب”رابطة النضال ضد القمع في المغرب”، شكلتها خمس جمعيات. أنا، مثلت الاتحاد الوطني لمهندسي المغرب، إلى جانب أيت قدور، الذي صار فيما بعد، ممثل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، للشؤون الخارجية في فرنسا. كانت هناك أيضا، النقابة الوطنية للتعليم العالي، الممثلة من طرف عبد الواحد الراضي، والاتحاد الوطني لطلبة المغرب في شخص الطيب بناني (الذي صار مدير المدرسة المحمدية للمهندسين)، وجمعية المحامين الشباب التي مثلها الشهيد عمر بن جلون، واتحاد كتاب المغرب من طرف الشيخ عبد الكريم غلاب وعباس الفاسي، كما انضم إلى القائمة علي يعتة. كنا نجتمع في مقر اتحاد كتاب المغرب،الذي أضحى فيما بعد فضاء الجمعية المغربية لحقوق الإنسان.لكن بعد فترة، شغل الاستقلاليون واجهة الاتحاد الوطني لكتاب المغرب،لم تعجبهم هيئة النضال ضد القمع، فأنشؤوا الرابطة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان شهر أبريل. 1972 أثارت هيأتنا، ضجيجا خلال ثلاثة أشهر، لأن بلاغاتنا أسهب فيها، الراديو الجزائري، المُتَابع جدا، خلال تلك الحقبة. حينما دخلت إلى السجن، توقف عملها، وتفرقت أحوال سبلنا. رحل، أيت قدور، صوب فرنسا، لأنه تورط مع الانقلابيين، ثم اعتقل عمر بن جلون. إجمالا، مثلت تلك الهيئة، أصلا، لجمعيات حقوق الإنسان في المغرب. سنة 1979، تسلمت المشعل، الجمعية المغربية لحقوق الإنسان.كنت واللعبي، ضمن صفوف تنظيم”ب”، وعقدنا ما يشبه مؤتمرا، عشية الاحتفال بالسنة الميلادية الجديدة 1972، بحيث اجتمعنا نحن الخمسة، عناصر سكرتارية التنظيم : اللعبي، السرفاتي، عبد اللطيف زروال، عباس المشتري، وأنا. اعتقل اللعبي،شهر يناير، لأسباب أخرى،تتصل بنضالات طلابية، لا علاقة لها بالتنظيم، ماداموا لم يصلوا وقتها إلى وضع أياديهم على شيء مهم، تتعلق بالتنظيم السري”أ”. بدوري، اعتقلت شهر ماي،فالتقينا ثانية في سجن الدارالبيضاء، قضينا معا سنوات طويلة، إلى غاية شهر يونيو1980 . جاء عفو ملكي،فأٌطلق سراح اللعبي، بينما بقيت معتقلا حتى شهر غشت1984، أيضا، في السجن، وبعد حقبة طويلة من الابتعاد،وجدتني إلى جوار السرفاتي،وقضينا معا خمس سنوات،من شهر شتنبر1979حتى غشت1984،أي لحظة مغادرتي للسجن المركزي.
10-س-هل تعلمون، أنه خلال تلك الحقبة،واصل مناضلون في باريس، مشروع أنفاس؟
ج-نعم !اطلعنا على ذلك !
11-س-هل توصلتم بها، داخل السجن؟
ج-نعم !كنا نقرأ كل شيء!ليس دعابة.لقد جسّدنا خلال تلك الفترة،أفضل الأفراد في المغرب العارفين بما يجري!كنا محيطين جدا بالقضايا،إلى درجة أن جرائد يحظر دخولها إلى المغرب، كنا نتوصل بها في السجن،بل ذات مرة،استطعت أن أخرج من داخل أسواره”لوموند ديبلوماتيك”، الممنوعة في المغرب،كي يتمكن الآخرون من قراءتها.جريدة ،تصلنا بفضل اشتراك،لم تستطع أجهزة الرقابة ضبطه.
12-س-بالنسبة لأنفاس بالفرنسية والعربية،ماهو محيطها؟
ج-إنها العائلات. لقد أضربنا عن الطعام لمدة طويلة، قاربت اثنتي وثلاثين يوما،مابين28 نوفمبر و 30 دجنبر1972 .فوجدنا أنفسنا في المستشفى،لحظتها حملوا لنا بمناسبة الزيارات،نسخا من أنفاس،صحيح أن الحصول عليها تأخر كثيرا،بفارق زمني قارب ثلاثة أو أربعة أشهر…،لكننا وجدنا السبيل إلى قراءتها.
13-س-بعد ذلك،أسستم : مغرب النضال و إلى الأمام؟
ج-نعم،تأتى لنا، كل ذلك.
14-س-هل اشتغلت أنفاس كأرضية مشتركة للتنظيمين؟
ج-طبعا،كان مشروعا إصداريا موحدا،بحيث اشتغلنا جميعا،وناضل دائما البعض منا،كي تشكل23مارس وإلى الأمام،تنظيما واحدا،لهذا أطلقنا تسمية ”أ”على مجموعتنا الماركسية-اللينينية،التي خرجت من حزب التحرر والاشتراكية،ثم وجود مجموعة أخرى ماركسية–لينينية،انبثقت من صفوف الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. شرعنا، نتبادل فيما بيننا رسائل، لمناقشة الاختلافات القائمة والانصهار معا ضمن تنظيم واحد،هكذا جاءت تسميتي”أ” و”ب”،لكننا حرصنا على عدم تبني اسم معين،حفاظا على حظوظ التنظيم الواحد.
15-س-لقد أخبرني”فرانسوا ديلا سودا”Sudda ،عن التقاطه السريع، لوجود تباعدات عميقة بين التنظيمين، وبأن الأمور لاتتقدم كثيرا؟
ج-يمكنها أن تتقدم…،فالمجال ميزه الانفتاح.فرانسوا ديلا سودا،شخصية رائعة، كان مديرا لدار المغرب، بعد أحداث ماي 1968 ، التي تخلفت عنها،جراء خدمتي العسكرية ! ولم أعد إلى فرنسا لإتمام الدراسة، سوى شهر أكتوبر1968، لكني وقفت على آثار الأحداث :كانت دار المغرب في أوج غليانها،مع مفهوم نظام الإدارة المشتركة، الذي تكلمنا عنه كثيرا، خلال تلك الحقبة. لقد أشرفنا معا،نحن الطلبة بواسطة هيئتنا للمقيمين،إلى جانب ديلا سودا، في تسيير شؤون الدار.
16-س-ماهو تقييمكم،لحصيلة تجربة أنفاس؟
ج-لقد لعبت دورا أساسيا، في سبيل تفعيل ثقافة يسارية جديدة.الثقافة اليسارية المهيمنة آنذاك، رفع لواءها، الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وحزب التحرر والاشتراكية. هي متقدمة، لكنها غير جريئة، تضع في اعتبارها مراعاة الأطراف،فأتت ثقافة اليسار الجديد، لكي تخلخل وتعيد مساءلة كل شيء.
17-س-رغم انقسامات الحركات اليسارية؟
ج-لم نكن بهذا التشظي، كما الراهن. إذا، قارنت البارحة باليوم، فلم نكن منقسمين كثيرا! وقتها، كان الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، التيار الوطني لليسار، بحيث أضحت نزوعاته يسارية، وشرع في دمج الثقافة الوطنية مع الاشتراكية. أيضا، نشير إلى الحزب الشيوعي المغربي وحزب التحرر والاشتراكية، صاحبي ثقافة ماركسية أرثوذوكسية، جامدة قليلا. ثم، اليسار الجديد، باتجاهيه الداخليين : المنشق عن الحزب الشيوعي المغربي، والثاني المنبثق عن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. كل واحد منهما، له خلفية مختلفة. لم، يبلغ النقاش، حول الوحدة مآله،لأن القمع لعب دورا مفصليا بهذا الخصوص، واضعا حاجزا أمامها.
18-س-نحو تنظيم مؤيِّد، يحظى بالشرعية؟
ج-الشرعية،لا أظن ذلك، فقد كان النظام ديكتاتوريا جدا، كي نظفر بالشرعية. لقد قبل حزب التقدم والاشتراكية بالملكية،أما نحن فقد كنا جمهوريين.
19-س-الإشكالية الأخيرة،لم تطرحها بوضوح صفحات أنفاس،العربية والفرنسية،لكنها في المقابل أضحت متواترة كثيرا مع أنفاس الصيغة الجديدة؟
ج-المسألة طبيعية.لأن الأولى، حظيت بالشرعية، ومثل كل التنظيمات التي تشتغل رسميا،وإن اقتنع مناضلوها في دواخلهم،بالإطار الجمهوري، فلا يمكنهم كتابة ذلك، ويتحاشون الذهاب أبعد.
* هامش :
Kenza Sefrioui :La revue Souffles (1966- 1973)
Editions du sirocco 2013. Pp394- 399.