لوحة للفنان التشكيلي المغربي زين العابدين الأمين
حديث النهار | نجاع سعد
نجاع سعد
حدثتني عن خفايا الليل وأسراره… .جاء دوري لأحدثك عن النهار وأسراره… فتحت نافذة غرفتي أستنشق نسيم الصباح العليل… بعدما تعالت أصوات الباعة لتثير فوضى وجلبة، كلُ يرفع صوته حسب نوعية سلعه…. وكأنك بأحد أسواق دمشق القديمة…نظر إليّ أحدهم وهو يحمل “حبة بطاطا”، وقد عرف أني غادرت لتوي الفراش وقد كان باديا ذلك من خلال تسريحة شعري “البصلية” قائلا لي: نهاركم طيب “الناس الرايحة “…. لم يخطر بباله أنه عذبني ذلك الليل الذي حدثني عنه أحد أصدقائي على “الخاص”… لم يكن هذا البائع يعلم بأننا نطرح مبيعاتنا في جوف الليل عندما يتوازى الأرق والنعاس…ولم يكن يعلم أن لليقظة أحلام تكاد تفتك بنا…. لكنه رفع يده ساحبا بها للوراء ل”يُتَربِلَنِي”، علّني أفيق من نعاسي في نظره… لكنني لم أُعِر له اهتماماً ليدفع عربته مواصلا تشييع بضاعته…
الآن وقد رقت السماء رقة أصحاب النفوس الطيبة… وضعت “منشفتي” على كتفي متجها للحمّام ولم أنتبه لكمية الماء المتساقطة من المكيف “الكليماتيزار” في ردهة المنزل… ولا أحدثكم بعدها عن شيء…. إلا والممرضة تسرق جزءً من مسامعي لتخبرني بأنه أتى صديق لزيارتي… لم أكلف نفسي عناء السؤال عنه…لكنه دخل، إنّه صديقي الذي حدثني عن الليل وعن حبه له…ولج باب الغرفة مبتسما حاملا كتابين …. أحدهما يحدثني فيه عن القمر …والآخر لزميلته الرائعة الكاتبة ….فهل سيشفع حديثك عن القمر كما شفع حديثك عن الليل….
نحن ننتظر النهار على أرصفة الفجر التي تقارب الرحيل… لنستقبل النظرة الواضحة والمرسومة على وجوه الغلابى والمساكين لِنُلقي عليها تحية الفخر الذي يلامس كبرياءهم الأبدي… ولنعطي لهم أملا في الحياة بابتسامة منا وبتواضع حتى لانجحد الجمال الذي أعطاه الله لنا في هذه الحياة كما يجحد الكافر رحمة ربه…. نحن ننتظر تلك الثغرة المبتسمة على وجه الشمس مع كل إشراقة لها لنرى هذا الوجود الرائع كروعة خالقه….ولانجحد زخرفة الليل عندما يحل اليُسر والهناء……فليس من ينتظر إجراء عملية جراحية صعبة في الصباح…. كمن ينتظر دعوة حضور اجتماع مميز يحضره أشخاص سيلتقيهم لأول مرة…. فالأول يتمنى دوام الليل… والثاني قد تشبث بستائر الفجر محاولا رفعها في الثلث الأول من الليل لهفة في اللقاء……أليس كذلك ؟.
نجاع سعد 2016-09-14