” أخرج من الدرج محبرة وراح يملأ القلم ، عليه ان يعد البيان من جديد . حركة الوارد . في الحقيقة لا حركة البته ، حركة دائرية حول محور جامد ، حركة دائرية تتسلى بالعبث ، حركة دائرية ثمرتها الحتمية الدوار ،
وفي غيبوبة الدوار تختفي جميع الأشياء الثمينة. من بين هذه الأشياء الطب والعلم والقانون والأهل المنسيون في القرية الطيبة والزوجة والابنه الصغيرة تحت غشاء الأرض ، وكلمات مشتعلة بالحماس دفنت تحت ركام من الثلج. ولم يبق في الطريق رجل، وأغلقت الأبواب والنوافذ، وثار الغبار لوقع سنابك الخيل، وصاح المماليك صيحات الفرحة في رحلة الرماية، كلما عثروا على آدمي في مرجوش او الجماليه أقاموا منه هدفا لتدريبهم. وتضيع الضحايا وسط هتاف الفرح المجنون، وتصرخُ الثكلى الرحمة يا مملوك، فينقضُّ عليها الصائد في يوم اللهو. بردت القهوة وتغير مذاقها ومازال المملوك يضحك ملء شدقيه، وحلَّ الصداع مكان الخيال ومازال المملوك يضحك. وهو يطلقون اللحي ويثيرون الغبار ويفرحون بالأبهة والتعذيب .. ودبَّ نشاط مرح في الحجرة القاتــمة مؤذنا بالانصراف .. “
“.. ولكن ماقيمة أن تبقى أو أن تذهب ، أو أن تعمر كسلحفاة . ولما كان الزمن التاريخي لا شيئا بالقياس بالزمن الكوني فسناء في الواقع معاصرة لحواء، ويوما ما ستحمل لنا مياه النيل شيئاً يستحسن أن نسميه فقالَ له صوت الظلام ( أحسنت ).. ولا أستبعد أن اسمع ذات ليلة نفس الصوت وهو يأمرني بعمل خارق يذهل له من لا يؤمن بالمعجزات.. وقد قال العلم في النجوم كلمته ولكن ما هي في الحقيقة الا أفراد عالم آثروا الوحدة فتباعدوا عن بعضهم آلاف السنين الضوئية.. فيا أي شئ افعل شيئا فقد طحننا اللاشــــــئ..”
” التقط من النافضة عقب سيجارة من السجائر التي دخنها أثناء الجلسة ، بقي منها الفلتر البرتقالي وعقب ابيض مضغوط فتأملها طويلا ثم أعادها الى موضعها وسط مجموعة من الهاموش الهالك، وتضوع من النيل شذى مائي ذو نكهة أنثوية ، وخطر له أن يتسلى بعد النجوم ولكن أعوزتهُ الهمة اذ لم يكن في النجوم من يعنى برصد كوكبنا ودراسة أحوالنا الغريبة فنحن ضائعــون . وترى كيق يفسر الراصد مجلسنا الضاحك مابين اجتماع شمله حتى تقوضه .. سيقول ثمة تجمعات دقيقة تنفثُ غبارا مما يكثر في الغلاف الجوي للكواكب وتصدر عنها اصوات مبهمة لا يمكن فهمها مادمنا لم نصل بعد الى معرفة اي فكرة عن تكوينها ، ويزيد حجم التجمعات مابين مرة وأخرى مما يدل على أنها تتكاثر بطريقة ما ذاتيه او خارجيه ، ولذلك فمن غير المستحيل ان يوجد نوع من الحياة البدائية في ذلك الكوكب البارد خلافا للقائل باستحالة وجود حياة في غير الأجواء النارية .. ومن العجيب أن هذه التجمعات تختفي لتعود من جديد ويتكرر الحال على ذلك المنوال دون هدف واضح مما يرجح معه الراي القائل بعدم وجود حياة بالمعنى الصحيح على الأقل .. وحسر الجلباب عن ساقيه المشعرتين وضحك بصوت عالي ليرى الراصد ويسمع .. وقـــال : بل لنا حياة / وقد أوغلنا في الفهم حتى أدركنا اللامعنى وسوف نوغل أكثر وأكثر ولا أحد يستطيع التكهن بما سيكون .. ولن نكون أدهش من يوليوس قيصر اذ تدهمه الحسناء الخالدة بارزة من البساط المنطوي ويسأل القائد الذاهل : ( من الفتاة؟ ) .. فتجيب ممتلئة ثقة وجمالا :(كليوباترة ملكة مصر . ) .. “
” ويضيقُ الصدر بأي حكمة الا حكمة تنعي جميع الحكم ، فليذهب العذاب المتراجع أمام السحر الى غير رجعة .. وعندما نهاجر الى القمر سنكون اول مهاجرين يهاجرون هربا من لا شئ الى لا شئ .. فواحسرتاه على نسيج العنكبوت الذي غنى ذات مساء في قريتنا مع نقيق الضفادع “
” ليس من العجيب ان يعبد المصريون فرعون ولكن العجيب ان فرعون آمن حقاً بأنه اله “
“.. ذلك أن الفلسفات قصور جميلة هائلة لكنها لا تصلح للسكنى .. “
” .. من المحقق أنهما لا يعرفان ان النيل هو الذي قضى علينا بما نحنُ فيه .. وأنه لم يبقَ من عباداتنا القديمة الا عبادة ابليس . وأن الداء الحقيقي هو الخوف من الحياة لا الموت .. “
” … في كوخ عم عبده شئ لا يتغير حقاً .. هو الخلاء “
” .. عليكم اللعنه .. ليس أعدى للكيف من التفكير . وعشرون جوزة كادت أن تضيع هباء . ولا شئ يبدو راسخ الايمان كشجرة البلح ، كما ان اصرار الهاموش يستحق الاعجاب ، ولكن اذا فقدت أنات عمر الخيام حرارتها فقل على الدنيا السلام ، وجميع هؤلاء الساخرين تكوينات ذرية ، وهاهو كل فرد منهم ينحل الى عدد محدود من الذرات . فقدوا الشكل واللون ، اختفوا تمام ، ولم يعد منهم شئ يرى بالعين المجردة ، وليس ثمة هناك الا أصوات ..