عزالدين بوركة
الموجة الثقافية: أسئلة لابد منها | عزالدين بوركة
عزالدين بوركة
لماذا الموجة؟ إنها الدال على البحر والطريق السالك إلى اليابسة ومعبر البحر إلى نفسه، إنها السبيل إلى الخلاص من الثبات والمستقر الذي يروح إلى الاضمحلال والتناسي، الموجة عربون لأشياء كثيرة يأتي العمق كأبرزها، وما العمق؟ العمق بمعناه اللامنتهى، واللامنتهى طريق سالك إلى المستقبل الذي لا نهاية له، مستقبل نرجوه زاهيا وزاهرا، لا نراه إلا وقد كانت المدنية ركيزته الأساسية التي يتكئ عليها للتعايشٍ آمن حيث يتساوى الكل داخل نظام عادل ومسالم وديمقراطي. ثم ما الديمقراطية بلا مدنية؟ إنه ديمقراطية معطوبة، شبيـهة بالحداثة المعطوبة التي نعيشها اليوم. ثم ما الحداثة؟
إن كانت الحداثة لا تعني المكوث في عباءة الماضي، وسرواله الضيق. فهي لا تعني أيضاً القطيعة معه. إن الماضي هو “حضور دائم” في الحاضر والمستقبل. إنه مقياس تحديد مستوى تقدمنا من عدمه.
إن الإيمان بالقطيعة مع الماضي والدعوة لهذا الكلام. هو درب من التخريف، نوع من الهروب من الإشكالية الحقيقية التي نحياها داخل عالمنا المغاربي والمشرقي. ألا وهي إشكالية الهوية. الهوية التي ما زلنا نتخبط في تعريفها وتحديدها. فبالتمكن من إدراك الأسس السوسيوثقافية المحددة لها، نكون قد قطعنا شوطا كبيرا نحو تقعيد حداثة عربية اجتماعية وثقافية.
هكذا جئنا نؤمن في مجلتنا الموجة الثقافية، شبابا ومثقفين ومفكرين ومبدعين، إدارة ومساهمون ومهتمون… إن الموجة مركبُ اللامنتهي نركبه جميعا نحو عمق يسعنا جميعا.. لسنا ندعي سلطة ولا قوة خارقة ولا حلا آنية، بل إننا ونعي قولنا هذا، جزء أكيد من سيرورة لابد منها لغد منفتح حيث كل أفراد المجتمع تتعايش في كامل تحررها وحريتها، وما الحرية؟
إنها الوردة التي يحملها المبدع ليغرسها في صحراء قاحلة تصير بعد مستقبل قريب روضة أو جنة، وما الجنة؟ إنها الوطن حيث الكل يتمتع بحريته واستقلاليته وحقوقه.. حيث يعم الفن والثقافة والعلم، حيث الفرد هو الكل.. لا الجماعة.. حيث المفكرُ مصباح مضيء ومنير. وما المفكر؟
يخبرنا الفيلسوف الألماني نيتشه أنه “ذاك الذي يفكر بطريقة مخالفة لما كنا ننتظره منه بسبب أصله، وسطه، حالته، ووظيفته، أو بسبب الآراء السائدة في عصر”. (ص 128 إنسان مفرط في إنسانيته.) وهذا في نظرنا، في الموجة، لن يُؤتى، إلا عبر إشعال شموع المدنية التي تضيء سبيل مجتمع حيث مفكروه مستقلون autonomes غير تابعين لأي إيديولوجية جماعية توشوش على استقراء الأمة وتعايشها.
فلماذا إذن الموجة؟ إنها كل ما سبق وأبعد وأكثر، إنها رؤية للمستقبل. لا ندعي حكمة ما أو قوة خارقة، لسنا “سوبرمان”، إننا ذوي رؤية متحمسة لبناء غد ندعو إليه كل القوى الخلاقة المؤمنة بمدنية الدولة والباحثة عن سبيل لإصلاح الحداثة المعطوبة والمستقبل المعطوب.. إذ نمد أيادينا كل البسط إلى كل من يريد أن يضع يده في يدنا غاية في البناء لا الهدم من أجل الهدم، وإن كان لابد من الهدم فلابد أن يكون من ورائه غاية بناءة.. وما البناء؟
إنه القوة الفعالة لإنشاء أجيال واعية بشرط وجودها الاستتيقي والأنطولوجي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي وحتى الفكري والعلمي..
فلنركب جميعا الموجة، إذن، لبلوغ العمق المنشود..
2017-01-20