الرئيسية |
سرديات |
الممرضة : ألف قصة وقصة عن مغرب لا ينتهي | حنان الدرقاوي
الممرضة : ألف قصة وقصة عن مغرب لا ينتهي | حنان الدرقاوي
حنان الدرقاوي
كانت مريم حين اشتغلت ممرضة بمستشفى الريصاني سعيدة جدا. منذ صغرها وهي تحلم أن تلبس البلوزة البيضاء,، أن تنتقل بين أسرة المرضى. أن تعطي حقنا وأن تواسي المعذبين في الأرض. نشأت على يد أبيها وزوجته التي عذبتها وآلمتها ايما إيلام. منذ ماتت أمها حين كان عمر مريم عشر سنوات. خلال أشهر مرض أمها كانت مريم تسارع إلى خدمتها وتظل تحلم أنها صارت طبيبة وتكتشف علاجا للسرطان الذي أصيبت به أمها. أحست بالعجز وهي ترى أمها تتردى يوما بعد يوم. كانت تنظر إليها وهي تتألم وتتمنى لو أنها تحمل عنها الآلام. عاتبت نفسها حين أسلمت أمها الروح ذات صبيحة مشمسة. راقبت عمل الغسالات وهي تتمنى لو ينتبهن إلى أن هناك خطأ ما في الأمر ,أن أمها لم تمت بل هي فقط نامت. حين حمل النعش سارت وراءه وهي تفكر أن أمها ستستيقط, ستقول لها صباح الخير أميرتي كما تفعل كل صباح لكن أمها لم تستيقظ, لم تقل شيئا فقط ذهبت إلى قدر العدم وبقيت مريم وحلمها في دراسة الطب.
تزوج أبوها مباشرة بعد أربعينية أمها. قال أنه تلزم البيت امرأة فأخوها عبد الرحمان عمره أربع سنوات وتلزمه رعاية أم.
دخلت زوجة الأب البيت وصار جحيما. شغلت مريم في البيت صباح مساء. توقظها في الساعة السادسة صباحا وتأمرها بالعجين وبتهييء الفطور وتنظيف المائدة. بعدها تذهب إلى المدرسة. حين تعود تجد في إنتظارها أشغالا لاتنتهي. كانت تمنع عنها الأكل ليوم كامل إلى أن يأتي أبوها لتناول طعام العشاء. لم تكن مريم تشتكي. لم تكن تريد إفساد حياة أبيها الزوجية. تراه محبا وعاشقا لزوجته التي تتصنع أمامه الطيبوبة والحنو. كانت مريم تكتفي بتلك اللحظات القصيرة حين تناديها زوجة أبيها بابنتي أمام أبيها.
اشتغلت مريم بجد في البيت لكي ترضي زوجة ابيها. ذبلت ونحلت بفعل الجهد وقلة الأكل. صارت زوجة أبيها تسخر من نحولها وهزالها. كيف يمكن أن تمنع عليها الأكل وبعدها تستهزئ من نحولها؟ تكاد تجن من تصرفاتها لكنها أصرت على الدراسة. حتى تفوقها في الدراسة لم يكن يشفع لها عند زوجة أبيها . تمنعها من إنجاز واجباتها المدرسية وتكلفها بالكثير من الأشغال. رغم ذلك كانت مريم تقوم بالواجبات حين تنتهي من تلبية الأوامر. تشتغل بسرعة وهي خائفة. توارى حلم الطب حين وصلت إلى الثانوي. انخفضت معدلاتها كثيرا وانضاف إلى متاعبها ولادة طفلين من زوجة أبيها التي امتلكت قلب أب مريم نهائيا.
ركزت مريم في شهادة الباكالوريا ونجحت. دخلت مدرسة التمريض ونفسها مكسورة بعد أن مات حلم الطب. انتقلت إلى فاس ودرست لسنتين. كانت من الأوائل في دفعتها وكانت تحمل أجمل التصورات عن مهنة التمريض.
عينت بمستشفى الريصاني وفرحت فهي بذلك صارت بعيدة عن زوجة أبيها في آزرو. كانت متحمسة للعمل وانطلقت في عملية إنقاذ موسعة للجميع, تعمل بدون كلل وتساعد الآخرين.
أحبها الناس في المستشفى لكنها لم تحسب حسابا لممرضات من نوع آخر, زميلاتها في العمل اللواتي يخدمن في مقابل الحلاوة. فاتحتها عزيزة بالموضوع وقالت لها أنها تعود الناس على عادات المجانية السيئة وأنهم لم يعودوا يريدون دفع الحلاوة منذ أن اشتغلت بالمستشفى. استغربت مريم من زميلتها ذلك الكلام وأخرجت لها ذخائرها عن مهنة التمريض النبيلة وعن الممرضة الرشيقة, العطوفة والتي تسعد الناس وتساعدهم. نظرت إليها عزيزة, هزت كتفيها وسخرت من قولها.
استمرت مريم في عاداتها إلى أن أتى يوم وصلت إلى شغلها وفوجئت بحملة تفتيش للأدوية التي بعهدتها. استغربت التفتيش لكنها كانت مطمئنة إلى شفافية حساباتها. فتحت عهدتها ورأتها خالية من الأدوية ولم تعرف بماذا تواجه المفتش. تمت إحالتها على التحقيق الذي أكد أنها تبيع الأدوية بشهادة من عزيزة وزميلاتها الأخريات. أقيلت من العمل وعادت للعيش مع زوجة أبيها. اختفى حلم التمريض ومساعدة الآخرين وركزت في كيفية تنقذ بها نفسها ونفسها فقط في عالم موحش وقاس.
2016-10-24