حاوره عبد الواحد مفتاح
في هذا الحوار ننصت للكاتب والصحفي المغربي المعطي قبال، معد لقاءات الخميس في معهد العالم العربي بباريس، وأحد أبرز الوجوه الثقافية المغربية المغتربة. هذا الكاتب الساخر القادم من صرامة الدرس الأكاديمي، إلى معانقة هموم اليومي عبر كتاباته الصحفية، التي قدم عبرها حوارات لقامات فكرية غربية كبيرة، ترجم لبعضها ما أكسبه تميزا ومكانة مرموقة في الوسط الصحفي المغربي.
بين غنى لغة الضاد وأناقة لغة موليير، يتأرجح قلم هذا الكاتب، الذي يبت نور الفكر في كتاباته بتبسيطية بالغة الشفافية، ما يمكنها من الانتشار بكرم كخبز بين الناس، وهو ما جعلنا هنا نجري معه هذا الحوار لتسليط الضوء أكثر على بعض من مسيرته ونطرح معه قضايا تضل لازمة في منجزه.
-
أنت عاشق اللسانين العربي والفرنسي، كما وصفك عبدالكبير الخطيبي، وما أدل على ذلك من ترجمتك “لغة العلاج والنسيان” لجلبيرغرانغيومو وكتابتك لمجاميع قصصية بالعربية والفرنسية، أين يجد العربي قبال نفسه أكثر داخل الأدب المغربي المكتوب بالعربية أم الفرنسية؟
بين الاثنين، بل في جوانية الأدب العالمي بكتابه المشاهير منهم والمغمورين. من الأدب الياباني مع تانيزاكي، كابيه أوبو إلى الأدب السويدي مع هينيغمينكل او الأدب الأمريكي مع إدغار آلن بو، وليم فولكنير أو بول أوستير الخ…هناك طبعا الكتاب الفرنسيون من أمثال لوي فيردينان سيلين الذي كان من وراء ثورة سردية في اللغة الفرنسية مثله مثل جان جونيه أو مالارمي. مشوار بأكمله من العوالم والتداخلات. وتقربنا الترجمة، التي يعرفها البعض على أنها خيانة، traduire, c’est trahir، من حثيث اللغة ومن تكويناتها وإيقاعاتها الخفية. في الأدب المغربي ثمة أقلام قوية وباهرة لم تجد بعد فرصة نقلها إلى قراء أوروبا وأمريكا وباقي الدول. وعليه كانت مرحلة الما-بين مرحلة حسم تألقت فيها نخبة وازنة متمكنة من اللغتين. اليوم تفرض علينا العولمة التواجد في مجالات لسنية ولغوية تعددية ولغوية ما العربية والفرنسية سوى أحد عناصرها.
-
لا تلجأ كثيراً في كتاباتك إلى التكلّف أو التعقيدات الأسلوبيه وإبراز العضلات اللغوية، ثمة تلقائية تقترب من المبالغة أحياناً لديك، وهو نهج محمود نقديا، ألا ترى معي أن مجموعة كبيرة من الكتاب العرب يبشرون في كتاباتهم بالسريالية في وقت لم نعش بعد مرحلة عقلانية، يمكن استقبال العبث بعدها كتيار فني مقبول؟
سبق وأن أشرت إلى المشغول السردي الذي ابتكره لوي-فيردينان سيلين والذي اعتمد البساطة كأسلوب لتعرية الذات وإدانة العالم الذي عاشره وعاينه. تنقل هذه البساطة على نحو طبيعي الألم، المعاناة، الموت. ونجد نفس الخاصية لدى نجيب محفوظ أو لدى بعض كتاب القصة القصيرة في المغرب والمشرق. أذكر أن البساطة ليست معطى عفويا بل هي مسألة جد معقدة. ويلاحظ في بعض الكتابات نزوع إلى محاكاة كتاب “معقدين” من أمثال جيمس جويس أو وليام فولكنر أو الروائيين الجدد بفرنسا مع العلم أننا لم نراكم بما فيه الكفاية موروثا سرديا حداثيا هو مرآة لتطورنا البيئوي والفكري والسوسيولوجي. ولذا خلف حرق المراحل فجوات في الذاكرة وخلط في الاستيعاب.
-
برأيك “استهلكنا كل المفاهيم منذ حقبة طويلة مثل حوار الثقافات والتسامح، وأصبح يجب ابتكار مفاهيم أخرى، وتعامل مختلف لتقديم أجوبة ناجعة لما يعاني منه شباب اليوم” ما دور المثقف العربي الآن؟ وهل يملك الوسائل للعب هذا الدور؟
بدت وتبدو اليوم مفاهيم مثل التسامح، حوار الحضارات، العيش المشترك، الآخر بلا قيمة عملية بحكم أن عالمنا ينتج يوميا وبسخاء نقيض هذه القيم. لا أستوعب جيدا مفهوم “المثقف العربي” ولا أقدر على تعريفه خصوصا وأن مفهوم “مثقف” حديث العهد في ثقافتنا ولا يعدو كونه استنساخ لمفهوم Intellectuel . بالنظر إلى التفسخ المستدام الذي يعاني منه العالم العربي، انسحب “المثقف” من المشهد ليعيش في ظل المنافي والانحصارات. لا أدل على ذلك من “المثقف” السوري، العراقي، ومن قبله الفلسطيني. إنه فاعل منفي ومفصول، بسبب العنف والحروب، عن أرضية واقعه وبالتالي لا يملك القدرة على أن يكون قدوة للشباب. لا يهم ولا ينطبق هذا التقييم على المثقف العربي وحسب بل ينسحب أيضا على المثقف الغربي الذي تضآلت مساحة تدخله نتيجة سطوة السياسة وشبكات التواصل الاجتماعي. زد على ذلك انضوائية المثقف وانغلاقه من حول ذاته التي تفضي كما أشرت في سؤالك إلى نوع من التآكل.
-
تحاول التركز على البعد الثقافي في توعية الجمهور العربي والفرنسي، الذي يتردد على معهد العالم العربي بباريس من خلال الندوات واللقاءات والحوارات، كيف ترى لدور المعهد اليوم؟ بعدما كان منارة عربية كاملة في فرنسا،أمازال يلعب نفس الدور؟