دكتور إدريس سلطان صالح
أستاذ بجامعة المنيا – مصر
المدرسة مؤسسة مجتمعية هدفها بناء الأجيال القادمة القادرة على استيعاب ثقافة المجتمع، والعمل على تطوره بما تملكه من عقول مفكرة، وذلك من خلال تقديمها لخبرات تعليمية هدفها تنمية مهارات التفكير اللازمة في العصر الحالي.
ورغم أهمية وظيفة ودور المدرسة في تنمية التفكير لدى الطلاب، إلا أن الواقع يوضح أزمة المدرسة في كثير من عناصرها في أداء وظيفتها بفاعلية، ولعل أبرز عناصر تلك الأزمة يتمثل في الكتاب المدرسي، الذي يشكل معوقًا أساسيًا للتفكير لدى طلابنا.
حيث يحتل الكتاب المدرسي مكانة كبيرة في النظام التعليمي، جعلته المصدر الأساسي للمعرفة، ومرادفًا لمفهوم المنهج الدراسي لدى البعض، باعتباره الوثيقة المعتمدة من وزارات التربية والتعليم، وتمتعه بدرجة من الموثوقية فيما يتضمنه، وسهولة حصول جميع الطلاب عليه.
ورغم أهمية الكتاب المدرسي، إلا أن ما يشهده العالم اليوم من حولنا من تطورات، يجعلنا مطالبين بالتفكير وإعادة النظر في دور الكتاب المدرسي وثقافة استخدامه. فالعالم الأن يشهد ثورة تكنولوجية نتج عنها تضاخم حجم المعرفة، وهذا ما يجعلنا نفكر في مدى مواكبة الكتاب المدرسي لتطور المعرفة وتراكمها، ومدى تلبيته لحاجتنا إلى تعليم متطور، قوامه تنمية مهارات التفكير.
فالواقع يشير إلى سلبيات كثيرة يطرحها استخدامنا السئ للكتب المدرسية، من أبرزها تراثنا الثقافي القديم، الذي ما زال مسيطرًا على النظم التعليمية العربية، وعلى أولياء الأمور والتلاميذ أنفسهم، اعتقادًا بأن الكتاب المدرسي هو الغاية في حد ذاتها، ووظيفة المعلم نقل ما يحتويه من معارف قد تكون عقيمة الفائدة، وجار عليها الزمن، وتطورت بدرجة أبعد مما هي عليه في الكتاب المدرسي الأن، وأصبح التلاميذ مطالبون بما يحتويه هذا الكتاب، دون النظر لما قد يجدونه مخالفًا لذلك في مصادر أخرى. ولذلك أصبح طلابنا قوالب نمطية ثابتة، وتفكير محدود في إطار كتاب مدرسي، يحتوي بين جنباته معرفة محدودة قاصرة على وجهة نظر من صمم الكتاب، أو ينقل محتواه إليهم.
وبالنظر حولنا، نجد أن دول العالم المتقدم سعت جاهدة للتغلب على تلك السلبيات، مستغلة إمكانات وأدوات الثورة التكنولوجية، كالانترنت وما يتضمنه من مواقع تعليمية متنوعة، وشبكات تواصل اجتماعي، وأجهزة الكترونية حديثة متنقلة.
ولمواجهة السلبيات التي قد تواجه العملية التعليمية نتيجة الاستخدام المفرط للتكنولوجيا في التعليم، فقد قننت الدول المتقدمة هذا الاستخدام، بحيث أصبح هناك إطارًا للمنهج المدرسي، يحدد أهدافه، وموضوعاته، ونماذج لأنشطته ومصادره، وأدوات وأساليب تقويمه، بحيث تُتاح الفرصة للمعلم والتلميذ في تنفيذ أنشطة متنوعة، تستخدم مصادر تعليمية متنوعة، منها التكنولوجية والورقية ومصادر البيئة المحلية، ولم يعُد الكتاب المدرسي موجودًا بصورته التقليدية، مما جعل كل تلميذ مسئولًا عن إعداد إطار ما يتعلمه، من خلال ممارسته لمهارات البحث والاستقصاء، والمناقشة والتحليل والتفسير والاستنتاج والنقد والتقويم.
وهذا ما جعل تعليم الدول المتقدمة يبتعد عن التقليدية والتفكير النمطي، التي يشبه كل تلميذ فيها الأخر، وأطلقوا العنان للتفكير الإبداعي القائم على تنوع مصادر المعرفة. فالعالم اليوم قائم على إنتاج المعرفة وتوظيفها، ولذلك علينا إعادة النظر في كتاب المدرسة، والتفكير في بدائل أخرى لاستخدامه، وتغيير ثقافتنا نحو دوره في العملية التعليمية؛ لبناء أجيال جديدة منهجها التفكير القائم على البحث والتحليل والتفسير والاستنتاج، من أجل الوصول إلى حلول وقرارات فعالة لما يواجهنا من مشكلات.