الرئيسية |
سرديات |
القرين: ألف قصة وقصة عن مغرب لا ينتهي | حنان الدرقاوي
القرين: ألف قصة وقصة عن مغرب لا ينتهي | حنان الدرقاوي
حنان الدرقاوي
في اليوم الذي كانت ستموت فيه، استيقظت الزاهية من نومها على الساعة السابعة صباحا. بقيت ربع ساعة في فراشها قبل أن تقوم مثقلة الخطو وهي تجر قدميها. كانت قد نزفت كثيرا خلال الأيام الأخيرة. كان النزيف قد ألم بها منذ شهرين تقريبا.
كانت تسكن نوالة على هامش ميسور القديم. كانت امرأة وحيدة ، لم تنجب ولم تتزوج منذ أن مات زوجها العربي قبل ثلاثين سنة. كانت تأتي في وقت ما إلى بيتنا تعينها أمي ببعض الملابس القديمة أو حصة من الطحين والسكر والزيت. كانت تعاني من مرض مزمن فيما يبدو إذ أنها كانت شاحبة طيلة الوقت وتبدو غير قادرة على الحركة الكثيرة. اشتغلت في حقول الآخرين وفي بيوتهم وربت أطفالهم. عاشت حياة قذرة منذ بدايتها ولدت لأرملة مات أبوها حين كانت أمها حامل. قضت طفولتها في بيت جدها الحسين الذي كان خماسا لأحد الأعيان. لم تعرف في حياتها غير الخدمة والسعي الحثيث لإرضاء الأخرين. لم تحلم يوما بحياة أفضل ومن أين لها ذلك. كان جسدها مدربا على الحركات التي تلزم للخدمة. رغم حياتها القاسية كانت تغني في أفراح الأخرين وتنشد في مآتمهم، مهمة كانت تجعل أهل القرية يمدونها بالطعام إذ ما طعم العرس بدون غناء وماطعم الجنازة بدون نواحة. كانت ملح المناسبات في القرية ونسيت أمر وحدتها وترملها مبكرا.
كانت تشتغل في كل شيء. كلما اقترح عليها شخص ما عملا قبلته وانخرطت فيه بسعادة بالغة. كانت تعرف بحكمة الفقراء أن الأمل عنوانه العمل واليد التي لاتشتغل نجسة. ظلت ثلاثين سنة هي عمر ترملها تشكر الله وتحمده إلى أن سيطرت عليها أعراض غريبة. كانت تشعر بالعياء الشديد، وبالصداع وبالغثيان. لاتنام جيدا ولاتستطيع أن تأكل وتفكر في الموت طيلة الوقت. تفكر أنها ستموت في كل لحظة. بفعل الكسل الشديد إبتعدت عن الصلاة وصارت تفكر في الرجال بشدة وتنتابها حالات من الشهوة الكبيرة. تجزع وتردد المعوذتين وهما الآيتان الوحيدتان اللتان تعرفهما في القرآن وبهما تقيم صلواتها الخمس.
ترددت على بيت حدهوم القابلة والمعالجة فأمدتها هاته الأخيرة بعشبة المخينزة والزعتر. شربتهما مغليتان لأيام لكن أعراضها لم تكن تختفي بل كانت تزداد عياءا. أوصتها جارتها الجيلالية بأن تزور زروال الفقيه فأعراضها أعراض ملوك من الجن.
أتى تشخيص زروال سريعا. كانت الزاهية تعاني من أعراض القرين وهو مخلوق من أرقى طبقات الجن وأقواها وأشرسها ومن صفاته المكر والعناد والخبث وإثناء الإنسان عن العبادات وذكر الله. أعطاها الفقيه حجابا وأمرها بأن تستمر في قراءة المعوذتين.
بفعل القرين كانت تنتابها وساوس فتظن أن الناس كادوا لها كيدا وأنهم يتدبرون موتها وهم السبب في موت زوجها مبكرا وموت أبيها. صارت تحتاط من الجميع. قاطعت أعراسهم وجنائزهم. كانت تنزل إلى ميسور المركز وهناك تشتغل عند بعض الناس الذين مازالت تأمن إليهم.
استمر حالها أشهرا قبل أن تقعد في الفراش رافضة الأكل والشرب. تظل مستيقظة طيلة الليل وتنام قليلا في الصباح. يأتيها بعض الأهالي بالطعام فيما يحترس منها الآخرون بعد أن علموا أن بها مسا من القرين العياذ بالله. كان الجميع يخاف من القرين ومسه فهو من أعتى الجن وكل إنسان له قرين وعليه أن يصارعه كي لا يمنعه عن التقوى وعن الحياة في الحالات الخطيرة.
لم تزر الزاهية طبيبا واستمرت على حالتها من عدم الأكل إلى أن ذوت وذبلت وصارت تبدو كطفلة صغيرة. كانت تستيقظ وهي تتمنى الموت وتنام على نفس الأمنية لكن يبدو أن الموت قد نسيها وأن هناك مخلوقا جبارا يريدها أن تظل حية وتتعذب كل يوم. داهمها النزيف فازدادت حالتها سوءا.
في اليوم الذي كانت ستموت فيه قررت الزاهية أن تقاوم قرينها وأن تنتصر عليه. تحاملت على نفسها وتوضأت وصلت صلاة الصبح وهي متضرعة. فاجأتها الموت وهي على سجادة الصلاة. دخلت عليها الجيلالية ووجدتها باردة. خرجت إلى الشارع وهي تردد
– لقد أسلم قرين الزاهية وقد ماتت ميتة الأنبياء
حينها قال الجميع في ميسور القديم ” قد عاشت بيننا امرأة تقية ” أقاموا لها جنازة كبيرة وساروا جميعهم خلف النعش، نعش امرأة لم يحتفي بها أحد خلال حياتها.
2016-10-11