يحلل بوريس غرويس* المنظر الفني والمحاضر في جامعة نيويورك، في حوار مع المؤرخ الفني بوريس كلاجينكوف، عصر الانترنت والتشرذم الاجتماعي الذي أصبح فيه الفن دراما نفسية استبطانية.
ترجمة: أماني أبو رحمة.
كلاجينكوف: كان للسوفيت نظامهم الخاص من الصور والشعارات. ولكن بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، لم يعد هناك لغة تمكن الفنانين المعاصرين من العمل. أصبحت روسيا بعيدة المنال وعصية على التصوير. وحتى الخطاب السياسي التسعيني أصبح مكونا من مداخلات فارغة، من عبارات يلتسن الشهيرة: “أنت تدري ما أعنيهyou-know-what-I-means”، و”لا شك في ذلكno-doubt-about-its “. يبدو اليوم أن لغة ايديولوجية تتشكل مرة أخرى. كيف سيؤثر ذلك على الفن المعاصر؟
غرويس: من الصعب عليً الحديث. ولكن، من حيث أقف في الخارج، أود أن أقول إن روسيا في الواقع بعيدة المنال ومستحيلة على التصوير. ولكن هل فرنسا والولايات المتحدة أو الصين مختلفة ؟ اليوم لا يوجد نمط وطني واحد في أي مكان. وفكرة أن النمط السوفياتي صور روسيا يوما وهم، أيضا، لأنه كان قائما أثناء الحرب الباردة، وذلك خلال المواجهة بين الشيوعية والرأسمالية على نطاق دولي. في ذلك الوقت كان الفن الروسي بل الوضع السوفيتي ككل ــ مثيرا للاهتمام لأنه كان على علاقة بصراع أيديولوجي عالمي. لم يعد موجودا اليوم. يمكن لروسيا أن تحلم بما تريد، ولكن لم تعد هناك مواجهة بين النظام في روسيا والأنظمة في بلدان أخرى. ليس هناك خلاف جوهري. ولم يعد هناك صراع أيديولوجي عالمي. في نهاية المطاف، كل فنان، سواء كان بريطانيا أو بيروفيا أو روسيا، يعرض نفسه فقط. نحن نعيش في عصر النيوليبرالية والفردية حيث تتفكك جميع المصادر الجمعية السياسية والثقافية المحلية. إنها حقبة يشارك فيها الجميع ويتنافس فيها مع الجميع ولا نرى الفنانين إلا من خلال الطريقة التي يقدمون بها أنفسهم في الفضاء العام. أنهم لا يحاولون تصوير أي شيء آخر سوى ذواتهم.
كلاجينكوف: الغريب أن استحالة تصوير روسيا هو في الواقع جزء متعمد ومدروس من الهوية الروسية التي كانت في القرن التاسع عشر. لدينا نوع من التوصيف الوهمي للغرب أنه لا يمكن أن يفهمنا أبدا. يرتبط ذلك أيضا بالصورة النمطية لروسيا كدولة معاناة وهو ما أود مناقشته. اليوم، على سبيل المثال، يبدو أن اجراءات الفنان بيتر بافلنسكي من هذا النوع من الإذلال الذاتي المتعمد. كيف تشعر حيال ذلك؟
غرويس: بالنسبة لي، الشيء الأكثر إثارة للاهتمام حول بافلنسكي هو أنه يعود بالأدائية actionism الروسية لفترة غابت فيها عن الثقافة الروسية. العودة إلى البدايات المازوخية لفن الأداء في الغرب خلال الستينيات والسبعينيات (اعتقد من قبل فنانين مثل كريس بيردن ومارينا ابراموفيتش واولاي) خطوة رائعة. ولكن بطبيعة الحال فإن بافلنسكي يعمل في بيئة وسائل إعلام مختلفة، وهذا هو السبب في أن أعماله مذهلة جدا.
في الواقع، هذا الاتجاه في الفن لا يزال حيا جدا: مثلا كان عندي طالب قطع رأس ثم صور كيف تنهشه الديدان. ولكن في هذا السياق لن أتحدث كثيرا عن الإذلال الذاتي بل عن التدمير الذاتي. تذكر نيتشه: عندما يحرم شخص من فرصة التنفيس عن عدوانه في المجتمع، فإنه يحوله ضد نفسه وجسده. يصبح ذاته من خلال المعاناة، الأمر الذي نعرفه عن بعض الشخصيات الشهيرة التي علقت على الصليب، على سبيل المثال.
كلاجينكوف: منذ وقت ليس ببعيد، عقد بينالي الشباب في موسكو بثيمة( في الأعماق) وكم أدهشتني النرجسية في عدد من الأعمال والممارسات في المعرض. وفي الوقت نفسه، قبل عام كان لدينا بينالي موسكو، حيث بُني كل شيء على التعاون وإمكانية مشاركة المشاهد. ويبدو لي أن هاتين الصيغتين هما بطريقة أو بأخرى على خلاف: فمن ناحية، يحاول الفنانون العودة إلى الممارسات الجماعية؛ من جهة أخرى، تراهم ينسحبون نحو العدمية بشكل متزايد.
غرويس: أنا أتفق مع ذلك. ولكن محاولة خلق جماعة محلية من خلال الفن هو ممارسة نوستالجية تميز الجيل الأكبر سنا الذي يرد العودة إلى الشيوعية التي فقدت. جيل الشباب لا يشعر بنوع من الفقدان لأنه نشأ في ثقافة حيث لا أحد يريد أن يستمع إلى أي شخص آخر، لا أحد يريد أن ينظر إلى أي شخص آخر، والجميع لديه ما يقوله. على الرغم من أنني لست متأكدا من أن هذه عدمية.
الآن يريد الجميع أن يظهر شيئا، أن يعرض شيئا. إنها ثقافة السلفي، بمعنى من المعاني. والجماهير الوحيدة اليوم هي جوجل وأنظمة التتبع ووكالات الاستخبارات. بمعنى أن الناس الذين يشاهدون الأعمال أما مدفعون بالواجب أو بالأجر. لا أحد آخر يرغب في أي شيء. وقد اعتاد الفنانون المعاصرون أن يكونوا هم جمهورهم الخاص. وتتجه العملية الفنية إلى أن تصبح دراما نفسية – أي عملية من التأمل الذاتي والتحقيق.
كلاجينكوف: هل تشكل الفجوة بين الأجيال مشكلة بالنسبة لنظرية الفن؟ عندما أتحدث إلى زملائي الأكبر سنا، كثيرا ما ألاحظ وجود اختلاف بين أولئك الذين ترعرعوا بعد عام 1989، وأولئك الذين يتذكرون الاتحاد السوفياتي ويعرضون تجربتهم السوفيتية. أنت تشير ، في رأيي، إلى نقطة جيدة جدا عندما تقول أن الممارسات الفنية التشاركية نوستالجية لأنها تعنى التعويض عن غياب المشاركة في الحياة المعاصرة. ولكنها قضية غائمة بالنسبة للناس الذين لم يعيشوا تلك التجربة، لأنك تقول أيضا أنه نوستالجيا إلى شيء لم يعرفوه أبدا.
غرويس: كل جيل لديه الخبرة البصرية والتكنولوجية الخاصة به وأساليبه الخاصة للإنتاج وإدراك الأعمال الفنية. بهذا الشكل، أعتقد أن الفجوة بين الأجيال ربما لا تشكل مشكلة في روسيا. في الغرب، فإن خطوط الصدع بين الأجيال تفهم بشكل مختلف: لقد وجد جيل الشباب نفسه تحت تأثير الإنترنت على نحو متزايد. وبالمناسبة فإن التواريخ تتوافق: الإنترنت في شكله الحديث ظهر بعد نهاية الحرب الباردة.
أعتقد أن المبدأ الأساسي لشبكة الإنترنت هو تجزئة الفضاء العام. نشهد اليوم تداعيات انهيار الأماكن العامة التي شُكلت خلال القرنين التاسع عشر والعشرين. الإنترنت الآن هو حول التنشئة الاجتماعية مع أصدقائك في الفيسبوك بالطريقة ذاتها التي كان الناس ينشئون اجتماعيا في القرن الثامن عشر. ولكن يمكننا أيضا أن نجد أنواعا مختلفة تماما من الشبكات الاجتماعية ومن ثم فإننا نلمح الاتساع الكامل لمساحة وسائل الإعلام: مواقع لتجارة الأسلحة غير المشروعة والدعاية الإرهابية والمواقع الاباحية وموارد الجماعات السياسية الجذرية. وهناك نجد الناس يناقشون مشاكلهم الخاصة التي لها لا علاقة لنا بها. أنا لا أعتقد أن هناك أي جماعة محلية في الإنترنت. الانترنت هو نهاية الجماعة المحلية أو التجمعات المحلية. الإنترنت يخلق وهم التواصل الدائم، وهذا بدوره يخفف كراهية الناس للعالم.
كلاجينكوف: إلى أي مدى غير الانترنت الفن؟ ماذا ينبغي على الفنانين ومنسقي المعارض أن يفعلوا في هذه الحالة؟ يذكرني تأثير الإنترنت بالتحول الذي جرى على اللوحة مع اختراع التصوير الفوتوغرافي.
غرويس: من الخطير جدا على الفنانين اقحام أنفسهم في السباق التكنولوجي. يرغب كثير من طلابي الابتعاد عن النظام البيئي الفني وعمل أشرطة الفيديو تنتشر بسرعة وما شابه ذلك. ولكن المشكلة هي أن عليهم منافسة آليات التوزيع القوية التي لا يمكن أن تُهزم. إذا قمت بعمل قائمة بأشرطة الفيديو الأكثر شعبية في السنوات الأخيرة، ستجد أن أشرطة الفيديو عن القطط والكلاب تأتي في القمة. ويليها السرقات وحوادث السيارات. وهذا كل شيء. أنت تحتاج إلى حادث سيارة رهيب أو المسخ إلى قطة أو كلب. خلاف ذلك، فليس من الواضح كيف يمكنك كسب شعبية على الانترنت.
وأعتقد أنه أمر جيد، كلما أصبح الفضاء العام أكثر تشتتا من أي وقت مضى، فإن نظام الفن يبقى منعزلا ومغلقا. وهذا يعزز البيانات الفنية الأكثر حرية والأكثر إثارة للاهتمام والتي لن تكون ممكنة على المسرح الكبير. لقد ذكرت انت مداخلات. اليوم، كل سياسي يتحدث في مداخلات فارغة وعبارات جاذبة، لأنه من المستحيل أن يقول شيئا لا يسيء إلى شخص ما. اسم اللعبة هو التحدث بطريقة لا تثير اعتراض أي مجموعة فرعية صغيرة من السكان. يعيين الناس لأنفسهم أهدافا دفاعية ويريدون أن يتكلموا دون أن يقولوا شيئا محددا، لا يغضب أحدا ؛ وينبغي أن يكون الكلام فارغا من المعنى بقدر الامكان. وما نحصل عليه، بمعنى من المعاني، هو القطط والكلاب. إذا كنت تريد أن تقول كلاما ذا معنى، فأنت تحتاج الى الحد من تداوله وانتشاره.
كلاجينكوف: هذه ملاحظة قيمة. خذ مثلا الشبكات الاجتماعية. كل يوم هناك ما لا يقل عن خمسة عشر “حدث” في مدينتك وتشعر أنه لا يمكن أن تفوتها. ولكن عند حضور أحدها في الواقع تتمنى لو أنك بقيت في المنزل. كما لو أن الشبكات الاجتماعية تشجعك على إنتاج خبرات لا تحتاجها ابدا. كيف يمكنك العمل على هامش هذا النظام؟ أم أنه من الأفضل تجنبه تماما ؟
غرويس: لا يوجد مركز في الإنترنت، لذلك من المستحيل أن تعمل في هوامشه. إنه مثل الله وفقا للتعريف الكلاسيكي في القرون الوسطى: ليس له مركز وحدوده في كل مكان. نحن نعيش في النظام االمعلوماتي بدلا من الثقافي.الثقافة هي نظام التربية والتكوين، في حين أن تبادل المعلومات هو أقرب إلى تداول السلع.
وجهة النظر النيوليبرالية أن الممارسات الثقافية تتكون من تبادل المعلومات مخطئة. في الواقع، فالسلوكيات الثقافية غير القابلة للتصرف، ولا يمكن فصلها وتداولها. اذا كنت جالسا في المنزل وتتلقى معلومات عن أن صديقا قد ذهب إلى مكان ما أوغير ذلك. انت الآن على علم، ولكن يجب أن لا تحاول أن تفعل أي شيء آخر. هذا يكفي: لا يوجد عنصر ثقافي. هناك تعبير شائع في الروسية: “ظهر أمامه مشهد من المستحيل وصفه.” لذلك لا تحاول أن تصف ذلك! التعبير يقول بالفعل كل شيء. “ظهر أمامكم الانترنت، ولكن من المستحيل فهمه.” في الواقع هو ما هو عليه. ومع ذلك يمكنك إغلاق المتصفح.
كلاجينكوف: ولكن ربما أن الثقافة يمكن أن توفر لنا بعض نقاط التوجيه والإشارات في الفضاء الإنترنتي المعاصر؟ في الماضي، تم تقديم تاريخ الفن مثل الرواية، سرد خطي يمتد من أصنام العصر الحجري القديم وصولا إلى ازدهار الفن. ولكن اليوم اكتب “فن عصر النهضة” في محرك البحث تأتيك مجموعة تبدو عشوائية من الأعمال. كيف يمكننا تجنب التخبط في كومة الصور هذه؟
غرويس: أنا لا أعتقد أن هناك أي نقاط مرجعية، لأننا نعيش في عصر الثورة. واقعنا مجزأ في جوهره ومركب على انقطاعات، وليس استمرارات. لقد ذكرت نموذجا شبه بيولوجي لتاريخ الفن، مع مفهوم “يزهر أو يزدهر” البيولوجي. في وقت عندما كان هذا النموذج هو المهيمن، كتب ماكس نورداو عن الفن كعرض من أعراض الانحطاط والابتذال. تستند كل خيوط حججه على النموذج التعبيري من النشاط الفني، حيث يصور الفنانون ما يرونه ويحسونه. وإذا، على سبيل المثال، رسم فرانز مارك الخيول الزرقاء، فذلك لأنه منحط ويرى الخيول زرقاء حقا.ولكنه في الواقع رأى الخيول تماما كما أي شخص آخر. وقرر رسمها زرقاء فقط في سياق مشروع معين: “أريد أن أصور الأشياء بطريقة مختلفة عما أراها.” هل رأيت ؟ إذا كنت أصور الخيول باللون الأزرق، فإنني أقول أنني ضدكم جميعا، ولا أريد أن يكون شيء مشترك بيني وبينكم. وحتى لو كان لدي شيء مشترك معكم، فسأتخلى عنه. إنه تكتيك الاحتجاج ووضع استراتيجية للثورة.
عصر اليوم معشب غير مؤذ بالمقارنة. قاس على المستوى الاجتماعي، معشب على الثقافي. وهذان الموقفان غير متسقين. على المستوى الجوهري، هناك تفاوت بين كيف يضع الناس أنفسهم ثقافيا والواقع الذي يعيشونه. تحصل على انطباع أن الجميع يريد أن يكون إيجابيا باستمرار ومتفائل وودي ومتواصل على الرغم من أنهم يكرهون بعضهم البعض. وأعتقد أن بعض المزيد من الواقعية لن يؤذي الثقافة المعاصرة.
كلاجينكوف: لقد أثرت نقطة مهمة. يهتم الناس اليوم بصحتهم العقلية: الجميع يبحث عن علاجات سهلة للاضطرابات الروحية. لماذا يحدث ذلك؟
غرويس: حسنا، من الواضح إنه التأثير الصافي للنيوليبرالية وانسحاب الناس للتركيز على أنفسهم. كان لدينا هذا الوضع من قبل، في نهاية القرن التاسع عشر. في ذلك الوقت، وخلال أول انفجار لليبرالية، كان لدينا أيضا الأسواق الحرة وحرية حركة السلع والأشخاص. بالمناسبة، كان هناك أيضا المشاهير والإرهابيين. وكانت الهياكل هي نفسها التي لدينا اليوم. وانخرط معظم الناس أيضا في التحليل النفسي. عندما يجد الفرد نفسه مظلوما، فليس أمامه إلا أحد أمرين فقط: المقاومة أو تحييد الضغط عن طريق العلاجات. لقد لاحظت أن جميع طلابي – وهم نماذجي عن جيل الشباب – قد توقفوا عن زيارة علماء النفس والتحليل النفسي. لقد مات التحليل النفسي ولم يبق لنا إلا الأدوية.
هذا طريق، والآخر هو أن تتبع نيتشه وتتمتع بحالتك وتدرسها. وبدلا من كتم ذلك، يمكنك تحويله إلى مادة. وقد تكتشف فجأة أنه بالرغم من أن هذه المواد قد تصيبك كشخص وتصيب ما يخصك، إلا أن صداها لا يزال يتردد. تحليل الهزائم الداخلية وعدم الرضا المستمر هو بكتوغرام أو تكستوغرام عصرنا. والكتاب الاسكندنافييون مثال جيد. لم يعرف عنهم أحد لفترة طويلة، ولكن الآن الجميع يقرؤون لهم. وضعت في واحدة من مقالاتي الأخيرة فكرة أن الواقعية المعاصرة تشبه واقعية القرن التاسع عشر ــ كان لديها الهدف نفسه المتمثل في التوثيق الموضوعي لضغط الواقع على النفس البشرية.
كلاجينكوف: وفي السياق ذاته، اكتشفت مؤخرا أدب الكساد العظيم، ولا سيما سكوت فيتزجيرالد فيThe Crack-Up “.
غرويس: نعم، الكساد الاقتصادي… وهذا أيضا مهم جدا اليوم. في شبابي المبكر، قرأت رواية لن أعيد قراءتها أبدا ولكنها هزتني في ذلك الوقت. كانت رواية فلوبير “التربية العاطفية” حيث كل شيء يدور حول حقيقة أن مشاعر الشخصية الرئيسية تجف. صعقتني واقعية الرواية التي أراها الآن وصفا لرد فعل الفرد على الواقع. أحب ماركس هذا الأدب – أعجب جدا بالزاك وفلوبير. وكتب كثيرا عن كيف أن العقل الإنسان في المجتمع الرأسمالي يحقن بالإحساس بالقدرية. كان ذلك في القرن التاسع عشر. وكانت هناك أيضا نصوص عرضية في الستينيات والسبعينيات التقطت الشعور بالقدرية في علاقة البشر مع العالم، على سبيل المثال، الآن روب غرييه في “مشروع من أجل ثورة في نيويورك”.
الآن، يعود هذا الإحساس بقوة أكبر. المثير للاهتمام في قضية الإيمان بالقدرية هو أنها ليست أخلاقية : عقوبة دون جريمة. اليوم نحن نواجه مرة أخرى عمليات خارج ثقافية وخارج أخلاقية. في الواقع، نحن تحت حصار مستمر. وبقدر ما يتعلق الأمر بالمسعى الفني، أعتقد أن رد الفعل الوحيد الممكن هو التأمل الذاتي. رد الفعل السياسي واضح يراه الجميع، ولكن أعتقد أنه من السابق لأوانه الحديث عن عودة الاشتراكية. لا يزال الناس متشبثون بالفردية ولذلك فان كل فرد يعتقد أنه المبتدأ و أنه قادر على مآثر مذهلة وبارعة وأنه يمتلك قدرا كبيرا من الطاقة الخلاقة. ولكن سرعان ما يصل ذلك كله الى نهايته.
كلاجينكوف: واجهت شيئا مماثلا. ويبدو لي أن هذا التقليد السابق من النقد الفني ما زال متأصلا في نوع معين من الموقف، في أساسات سياسية معينة. ولكن كل ما تبقى لي هو الرثاء.
غرويس: أتفق معك بمعنى من المعاني. ولكن خذ ماركس مثالا. في بعض رسائله تحدث عن كيف أن الأدب ذي الأجندة الاشتراكية امتلك عليه مشاعره. كان يفضل قراءة بلزاك الذي كان يكره الجميع على قدم المساواة لم يبد تفضيله لأحد. بالزاك ليس لديه أوهام. يمكنك أن تفعل أكثر من الرثاء. يمكنك أيضا الوصف والتحليل، وبطبيعة الحال، أن تفعل ذلك من منطلق اليأس. وهذا هو النهج الصحيح الوحيد، والوحيد الذي يمكن أن يتحمله المرء.
* ولد غرويس في برلين الشرقية وعاش في الإتحاد السوفياتي السابق حتى عام 1981 قبل أن يهاجر إلى ألمانيا الغربية. ويعيش في نيويورك حاليا.