الرئيسية |
سرديات |
الفصل الأول من رواية مراد الخطيبي التي ستصدر قريبا
الفصل الأول من رواية مراد الخطيبي التي ستصدر قريبا
مراد الخطيبي
يطلق الابتسامات من فينة إلى أخرى بموازاة شديدة مع دخان سيجارته المتناثر في الهواء. يدخن سيجارة تلو أخرى بدون توقف وكأنه في سباق مع الزمن لإكمال العلبة في وقت قياسي. تبدو نظراته حادة جدا وجادة كذلك فهي تتأمل بعناية شديدة وتركيز قوي كل ما يجري. يسبح أحيانا في تأمل عميق كما لو كانت الذكريات والأحداث السابقة واللاحقة والحالية بتنوعها واختلافها تتساقط وتخترق عالمه بدون استئذان وتتركه شارد الذهن في العديد من المرات.
يخرج المطبوعات من محفظته البالية التي لا تفارقه أبدا. يشرع على التو في تعبئتها والابتسامة تكسو محياه. يتوقف فجأة. يرشف قهوته الباردة. يشعل سيجارة أخرى بعنف ملحوظ هذه المـرة .دخانها يتطاير في كل مكان. يتصفح الجريدة بعصبية مفرطة .يقلب صفحاتها بسرعة شديدة. يبدو أنه لا يقرأ إلا العناوين الكبيرة فقط. أو ربما إنه لا يجد في الجريدة ما يبحث عنه أو ربما، وببساطة شديدة لا يعثر على ما يشفي غليله. يشعل سيجارة أخرى ويقول بصوت دافئ :”لا جديد…سوى الحرب والدمار في كل مكان”.
يلتقط نادل المقهى ،الذي كلما سنحت له الفرصة إلا وجلس بالقرب منه، باستغراب شديد كلام زبونه ونبرته الحزينة ويجيبه على الفور كما لو كانت الملاحظة أو الصرخة التلقائية موجهة إليه:
“نحمد الله على نعمه …بلدنا ينعم بنعمة الأمان..أليس كذلك أخي محمد؟”
لم يعلق محمد على ملاحظة النادل واكتفى بابتسامة تخفي الكثير من الإشارات وتنوب عن الكلام …
يمسك قلمه الأسود. يستأنف تعبئة المطبوعات. يتوقف فجأة .يضعها داخل محفظته التي أغلقها بعناية شديدة. يفتحها من جديد. يخرج المطبوعات أيضا بعناية شديدة.يضعها أمامه. يمسك قلمه المتآكل غطاؤه من جديد ثم يشرع في التعبئة.يتوقف مرة أخرى .عملية فتح وإغلاق المحفظة تكررت عدة مرات الشيء الذي أثار حفيظة النادل وزاد من حبه للاستطلاع ليبادره بالسؤال على الفور:
“ماهذه المطبوعات أخي محمد؟مرة تخرجها من المحفظة ومرة أخرى تخرجها منها..لماذا؟”
يصمت محمد لوقت طويل غير مكترث لتساؤل النادل…يذهب النادل لخدمة أحد الزبناء ثم يعود بسرعة فائقة. ينظر في عيني محمد مبتسما…لم ييأس أبدا.لا زال ينتظر جوابا شافيا على تساؤله. يبتسم محمد هذه المرة ثم يقول:
“أفكر بجدية في الرحيل…أفكر في الهجرة هذه المرة أكثر من أي وقت مضى.”
يصمت النادل.يظل مشدوها. يسترجع قواه ثم يرد على صديقه بسؤال آخر:
ولكن لماذا يا أخي محمد؟ أنت هنا بخير وعلى خير. شاب مثقف وحاصل على شهادة عليا. أترك الهجرة لأمثالي يا أخي. الهجرة معاناة وقسوة وشقاء وأنت لا تستحق ذلك.
يجيبه محمد :ههههه…نعم ههههه كل شيء على ما يرام هنا…لا ينقصنا شيء والحمد لله..الشمس والأصدقاء والأحباب..لكنني ذاهب إلى مكان آخر كل شيء فيه أجمل وفيه ظروف أحسن لا يمكن أن تتحقق هنا ولو بعد قرون ربما…
لم يقتنع النادل بمبررات صديقه فبادره على الفور بالاستفسار التالي:
“أين توجد هذه البلاد التي تقول أنها أحسن من بلادنا؟؟؟صدقني يا أخي لا توجد….”
“سأهاجر إلى كندا …بلد الأحلام يا أخي العزيز….”أجاب محمد مبتسما.
النادل:وأين توجد كندا؟ قرب استراليا؟
محمد:ههههه لا لا قرب “ازحيليكة”…على بعد 60 ميلا من مدينة طنجة….هههههه
2017-01-18