الفتاة ذات العينين الزرقاوين | منصف القرطبي
منصف القرطبي
ربما رأيتها فـي المكتبة، تقرأ وتطالع استعدادا للامتحان. وجـهها صغير، وسيـمّ يسرّ الناظرين. عيناها زرقاوان يثيران في النّفس أشياء كـثيرة. ببساطة منقطعة النظير وملابس ليس فيها كثير من التكلّف. نظرتْ إليّ، وابتسمت، فرمتني بسهمٍ وتسديدة قويّة هزّت شباكـي داخليّا. لـم يكن من اللائق أن أتكلّم معها، أو أن أجالسها وأتحدّث معها للوهلة الأولى. لم أتعوّد على ذلك، وفي الحقيقة، أشعر بالـخجل كثيرا، وعديدة هـي المرّات التي أحببت فيها ولم أكن قادرا على التعبير عـمـا يخالجني من شعور وإعـجاب بالـجميلات،وقد تعوّدت على هذا الطبع في كلّ شيء…
تركت قلبي معها، ووجهت عينيّ صوب الأوراق المبعثرة أمامي فوق الطاولة، حاولت التركيز ومتابعة ما أنا بصدد قراءته، من دراسات أدبيّة في الشعر والرواية… وبدا في لحظة ما، أن مراجعة دروسي ضرب من الخديعة في هذا الجوّ المشحون، وفي ظلّ وجود مثير خارجي من طينة خاصّة…
رمقتها فـي إحدى اللحظات، وكنت أدرك أنها أيضا تفعل الشيء نفسه، لكنّها تخشى أن أكتشف ذلك. النساء هكذا يرغبن ولا يرغبن، ويعجبن ولا يعجبن، ولن تفهم شيئا على كـلّ حال. ثـم إننـي وفي خضم هذا الصراع الذي نـمـا بداخلي، انخرطت أرمقها، وأحدّق فيها أحيانا حتى التقت عيناي بعينيها، جذبتني من ردائي دون أن أشعر. وفـجأة جرجرت قدمـيّ نحوها مسلوب الإرادة. كـانت المكتبة مليئة بالطلبة، بعضهم يطالع وآخرون يتخيّلون ذلك، وعلاقات أخرى تنسج في الخفاء…
حاولت أن أتفوه بكلمات منسجمة..
وحاولت أن أفعل كـمـا يفعلون..
لكن لـم أستطع
ثم إنني لا أستطيع وهذه هـي الكارثة العظمى !
مددت يدي في جيبي، وأخرجت علكة حلوة، حلوة جدا، ومنحتها واحدة بحشمة وأدب. أخذتها، وهذا لحسن حظي..ثـم غادرت..
عدت إلى مكـاني..
الكرسي الذي كنت أجلس فيه: أخذه أحدهم..
ومحفظتي ضاعت..لم أرها..بل إننـي نسيت الـمكان الذي كنت أجلس فيه، نسيت الاتجاه.. الكرسي! البوصلة..مـــحفظتـي!..لم أتذكّر شيئا!..لربـمـا فقدت الذاكـرة الفرديّة وقتها..صرت ضائعا وسط هذا الازدحام والاكتظاظ، الكل يتحدث ويشرح ويناقش..العارفون ..والجاهلون..كلهم..الضوضاء!.يا إلهي أين ضعت؟..كنت هكذا أصرخ..هي لم أعد أرها..نعم لم أرها بعد ذلك..
فقد أخذتني، أخذت كـلّ شيء فيّ..
في ذلك الطريق الطويل..الطويل..
وتركـتْ الجثّة هنا وهناك، تقرأ وتراجع دروس الامتحان وترمق كـلّ النساء لعلها ترى تلك الفتاة..الفتاة ذات العينين الزرقـــــــــــــاويــن…
2017-01-22