سناء مسوس
لحظة مكثّفة بالمعنى، يُلقى بالطفل خارج نعيم الفردوس، يطلق صرخته الأولى مُعلنا تمرّده…
الطفل إذن هو أول ثائر ومتمرد في التاريخ، كل من أتوا من بعده مجرد مقلّدين يدافعون عن قضايا تافهة مقارنة بالقضية العظمى التي فجّرت صرخة الوجود الأولى…
بشفافية ملاك ثائر وجّه سؤاله بكل جرأة للوجود ..
من المسؤول عن هذا الوضع المزري الذي أختبره الآن ؟
الأجوبة متضاربة وغير منطقية في مُجملها، شفافيته العالية وصفاء روحه المُستقدمة من الجنّة، جعلته يُدرك أنّهم يكذبون عليه، وأن لا سبب منطقي يُمكنه تبرير هذه الفاجعة التي حلّت به…
بعد أن طال مقامه قليلا في الحياة، بدأ ينسى أو ربما يتناسى فردوسه القديم المفقود، انغمس في عالم الثنائيات، فاستعذب إحساس اللذّة والألم المُصاحب له، واقتنع إلى حدّ ما بأن أباه السماوي هو من طرده من جنّة الخُلد لأنه أكل ثمرة معرفة ملعونة، إنّه لايذكر مطلقا هذه الواقعة، فكّر أنه ربما فقد ذاكرته نتيجة هول الصدمة الأولى …
كلّما استغرق أكثر في عالم الثنائيات المُرهق كلّما أحس بحنين معتّق يشدّه إلى حالة الأبدية التي اختبرها في فردوسه القديم، إنه حنين لم يُفارقه منذ الفاجعة الأولى، صحيح أن الحياة تهبنا لحظات خاطفة نستشعر فيها هذا الإحساس بالأبدية، كلحظة الذوبان في حضن المحبوب أو لحظة الإنتشاء بلفافة حشيش من النوع الرفيع أو تلك اللحظات التي ننشد فيها روح الله في المعابد، لكنّها لحظات لا نكاد نمسك بها حتى نغرق من جديد في عالم الإنقسامات والثنائيات المُربك…
هو الآن تائه في متاهة الوجود، أحيانا يشعر بأنه سيعود يوما ما إلى سكون فردوسه القديم وأحيانا أخرى ينتابه إحساس مرير بأن الأرض ستبتلعه كأي كائن آخر وأن حالة الأبدية يجب أن نختبرها في الحياة لا في عالم مفترض مجهول المعالم …