الرئيسية |
شعر |
السوسنة البيضاء | حمودي عبد محسن – السويد / العراق
السوسنة البيضاء | حمودي عبد محسن – السويد / العراق
حمودي عبد محسن
أي قلب هذا قلبي الذي تجري إليه الدماء
يتلمس جذوة الفرح في الحياة، في البيداء
بعد هزيمة، بعد انتصار، بعد إخفاق، بعد نجاح
وجسدي مرمي وحيدا، ممزقا في رمال الصحراء
كأنه ثوب الظلام الغريب في فلاة كل عام بغير ماء
أو مثل جرة فارغة من مياه تسبح في دموع غزار
ماذا وراءك يا جسدي المبتلى بالجراح من سيف جبار
أما زلت تدار من أشباح، لترتقي صعودا إلى الجوزاء
أم ترتقي في إنبهار لتعانق السوسنة البيضاء بإختيار
كفيض مثل فيض الندى يخفي مسالكه في بكاء وإنهمار
إي قلب هذا قلبي يخفق في الصباح والمساء
وفي المنام، والنهار، ترتجف الشفتان
وفي هدأة الليل الظلماء، الصماء، تقتفي أثر الأنوار
آه، لو سقطت على صدري العاري نجمة السماء
السوسنة البيضاء من خلف الغيوم السوداء
وتغطيه بإزار، والسحاب في ضحك وبكاء
حينئذ سيبرق في الرعود شعاع بارق، خاطف
وتومض على صدري السماء مثل بقايا انفجار
مثل دموع بين أجفان، مثل درر تتلألأ بإضطرار
حينئذ ستدق الدفوف، والطبول، وترن الأساور
ويتعالى نداء:همي حبيبتي ، وقبلي فمي بانتشاء
نفس القبلات من نفس الشفاه، من نفس هالة الأنوار
من فم السوسنة البيضاء طالع نسيم الريحان
يتنادى مترنما كأنه طير فوق غصنه نشوان
حينئذ، ستقطر السماء من نفس الغيوم
من نفس الغناء، من كلام حسناء:
قبل فمي، ولنكون في غياب
في صفاء دون عناء وشقاء
دون هذه الصحراء النكباء
سوف يتوهج الليل أخاذ في حزن الأعوام
ههنا يلاقي صدري صدرها في احتفال
ثغرها مبلول بعطر يبشر جسدي بأنفاس أريج الغدران
وتتعالى الأصوات من بر، من بحر، من نهرفي رغد النعماء
من خلف الصمت القديم، من وراء الشجر، من ابتسامة الشفاه
من نجمة السماء، من سيدة السماء العذراء:
السوسنة البيضاء في زفاف
حينئذ، تحكي شفتاي بخشوع :
يا سوسنة بيضاء شقِ صدري العاري
وادخلِ في الدماء، ستجدين رماح الأجداد
آلات تعذيب جلاد، مستنقع آلام، جنة ونار
ستجدين ذكرى وجه طفل بريء يلسعه الذباب
ادخلي في سلام، يا سوسنة بيضاء، وامنحيني الهدوء
من شر أفاعي، وعقارب، من شر وحوش ، وذئاب
امنحيني:حبة قمح من حقول،وثمرة غابة حلوة من عصور
حينئذ، ستغرد جروح جسدي: طيف لم يأت من سراب
يا سوسنة بيضاء، يا نجمة متلألئة في السماء
أنت معي في الليل الطويل، في الظلام عروس البدور
في الطريق، متضوعة بشذا زهور، و رائحة بخور ،
آه ، لو كنت أعرف منبع الخرير، ودمعة الحب القديم
لكنت مثل جلجامش ابحث عن الخلود
في البراري، والغابات، وأقاتل الوحوش
لكن جلجامش مات، فما بقي من الخلود
ففي كل عام ، وقبل ألف عام
ما من أحد عاش إلا ومات
في الخراب، وخارج الطوفان
وفوق أشواك التلال، ومعابد عشتار
كل عام يموت الآلاف وراء قضبان الحديد
وفي إنفجارات قنابل، وفي النسيم الرقيق
آه ، يا سوسنة بيضاء، لقد أيقظتيني من سبات عميق
وأنت تهمسين في سكون: أننا نعود من جديد
من بيت طين، من وردة ذابلة تنام في وجه النهار
من زهرة ظليلة بالياقوت، من صدر مكحل بزنابق حمراء
نعود من جديد في أرجوان المغيب من أكواخ الفقراء
وبرد الشتاء، سنعود، سنعود على أجنحة طيور
من آلاف العصور، لنبني عش الرحيق من بسمة في الوجوه
وغصن زيتون، ونشيد بلادي من سعف النخيل، وزقزقة العصافير
نبني الكثير في يوم أنيق حدائق زهور، وقصورلأطفال مساكين
وتائهين في الدروب كي يغنون مثل وتر طروب من جديد الحب الوحيد
من خمائل بيضاء، من ندى يقطر في الصباح
من مطر يحتشد في الغيوم يا سوسنة بيضاء
يا نجمة متلألئة في الصباح، والمساء
في كل صباح ومساء
في كل عام، وألف عام
…………………………….
قلبي، قلبي هذا قد اصطفاكِ من بين النساء
في مزارك العظيم، الكريم يا سوسنة بيضاء
فها روحي تغرد فرحة في الدجى اللجين
وتغيب في رحابك، ومحياك العظيم
أنا أحب ظهورك في الليل الطويل
وأحب ظهور نجمة الصباح البيضاء
لأحكي لها عن هذا القلب الأمين
وعن ملاذي الأخير، البهي الجميل
لأن قلبي اصطفاك يا سوسنة بيضاء
في معبدك المقدس الأمين، الكبير
فيا أيتها أشباح الشر ابتعدِ عني
فأنت تتجلين لي غير سمحاء
تحت لوامع نجوم السماء
ابتعدِ عني، فه أنا أرى الموتى
تجر في عربات، في مواكب حزن التعساء
وقد أثقلت صدري ألما، ولا يفارقني الأساء
ابتعدِ كي تتجدد الحياة، ويتوقف نزف الدماء
كل عام يتجدد مثل براعم الاقحوان
وتقطف يدي زهرة الجلنار الحمراء
كل عام يأتيني صدى البؤساء:
في كل عام، في العراق عزاء
في كل عام، يموت الفقراء
أما أنت ايتها الأحلام المضيئة
المرتقبة، اخبريني عن لوح القدر
ذلك الذي حمله السومري على ضفاف دجلة والفرات،
وفي عمق الأهوار، والأرض تزدهر بالنخيل والمياه
اخبريني، متى ينهض العراقي، ويهب لانقاذ البلاد
من العقارب، والأفاعي، والذئاب، والبلاء
من العذاب،واللصوص المال، والشقاء
وينعم بالخير والازدهار والضياء
اخبريني أيتها الأحلام المضيئة عن لوح القدر
فبلادي في خراب، وتعج بالسارقين الدخلاء
ورمال الصحراء تلتهم الأشجار، والنخيل
وكل البساتين، وعناقيد الكروم، والتين
ههنا أقمت مسكني في قلب السوسنة البيضاء
أقدم الصلوات، وأقيم الدعوات، وأرتل التراتيل
على الأموات والأحياء، والتعساء والبؤساء
وأنجز في معبد قلبك المقدس شرائع الحياة
فقط، في معبد قلبك، تنجز شرائع السنين
فقط، معبد قلبك المقدس، الجليل، المهيب
يعرفني من شفتيك التقبيل دون تضليل
لأن أناملك علي صدري مثل عطر مبين
وأطوي الليل البهيم في الدجى اللجين
فلا عواصف هزجاء تحملني إلى بعيد
ولارياح صفراء تلطم وجهي البريء
ولا سيف جلاد يضرب عنقي في الدجى اللجين
تلك كانت رغبة الآلهة حين وضعت التاج على رأسي
في معبد قلبك العظيم، المغمور بالنور في الفجر القريب
وهو يقيني شر الأشرار، وسيوف الطغاة المتجبرين
فمنه أبصرت النجوم المتلألئة في قبة السماء
ورأيت النور الخالد، وشربت من كأسه الصفاء
فتسرت نفسي بكفك ندى تحببا وتطيبا
في الليل الحزين، في الليل الكئيب
في الدجى اللجين، في الليل الطويل
السوسنة البيضاء حمودي عبد محسن 2017-09-21