حاوره عبد الواحد مفتاح
يعتبر الروائي محمد جعفر أحد الكتاب الجزائريين الذين نموا منجزهم الأدبي بفضيلة الاختلاف، وتطوير الأساليب، لتنمية بنائهم الحكائي الذي يمس قضايا راهنية وجوهرية، في وضعنا المعاصر، المتسم بتحولات تبتغي معالجتها أدبيا لعدة معرفية آهلة ومنفتحة، وهذا ما يجعل متن هذا الروائي محط اهتمام بارز من طرف النقاد العرب.
هنا يفتح لنا صاحب “مزامير الحجز” و”ميدان السلاح” و”نواقيس القيامة” بابه مشرعا للحوار وفتح نقاش حول قضايا تمس تعدد المركب في أعماله، هو المعروف بإشكالية طرحه وحساسية موضوعه، ليتأتى لنا هذا النص الحواري الذي ما هو إلا عتبة لإعادة الرؤى للقضايا المطروحة على متنه الكتابي.
-
كبداية لهذا الحوار، ما فاتحة النص الذي ورطك في عالم الكتابة؟ خبرنا قليلا عن البدايات؟
أذكر أني كوَّنت مكتبتي الخاصة قبل سن العاشرة. وكنت أدخر المال لشراء الكتب. وكانت رغبتي الوحيدة أيامها أن أمتلك كل كتب العالم حتى تلك التي لا أفقه لغتها أو إختصاصها. تقليب كتاب ما وتصفح أوراقه واشتمام رائحته الخاصة قد يكون كافيا. أفهم اليوم أن ذلك كان هوسا. وعندما أحاول أن أجدد له تبريرا لا أقدر على ذلك، فقد كنت ابن بيئة لا تقرأ. لاحقا جربت كتابة بعض القصص مستبقا أحداث مسلسلات الكارتون أو مغيرا في نهايات لم ترقني. وأما الاصطدام برواية البؤساء لفيكتور هوجو فقد شكل منعرجا خطيرا في حياتي. أعتقد أني لما انتهيت من الكتاب تمنيت لو كنت أنا كاتبه. تلك المعاناة المبثوثة في النص كادت تكون معاناتي الشخصية. هكذا رآها الطفل الحساس فيَّ. أظن أنني يومها قررت أن أكون كاتبا، أو بالأحرى رغبت رغبة مخلصة في كتابة عمل مماثل. وهكذا وُلِدت تجاربي الأولى.
-
ماذا عن طقوسك الكتابية ؟
كنت مولعا بقراءة سير الكتاب والمبدعين وانتبهت بدوري أن للعديدين منهم طقوسا خاصة في الكتابة. ولا أزعم أني حاولت تقليد بعضها أو أني امتلكت طقوسا خاصة بي. عندما تكون مرتهنا بتحصيل لقمة العيش وتعيش في بيئة لا تمتلك فيها مساحة خاصة بك فلا أظن أنك ستفكر في طقوس خاصة للكتابة. كان همنغواي يكتب على أوراق بلون معين، وكنت سأكتب على أي شيء، فتوفير الورق نفسه كمالية. الكتابة في وقت مبكر من النهار كمالية أيضا لمن يبكر للعمل كما الكتابة في وقت متأخر من الليل لأنك ستكون مرهقا ومتعبا. السفر وخوض تجارب الحياة غير مكفول لمن لا يملك المال. ويمكنني أن أعتبر أن كلمة (طقوسا خاصة) تعني فيما تعنيه رفاهية ما. ولهذا أقول إنه يكفيني أن أمتلك وقتا كافيا للكتابة. وقتا لا أنتزعه من راحتي ومن ساعات نومي ومن أيام عطلي ليكون هذا بالنسبة لي طقسا.
-
تقول أن “أن الروائي والسياسي أشبه بضرتين لن ترضى إحداهما عن الأخرى” إن كنا نعرف دور السياسي بشكل واضح وصريح فما دور الروائي؟
يمكنك أن تحدد دور السياسي حتى انتهيت أعكس كل ما كتبته وستظهر لك صورة الروائي. إنه مرآة الآخر وصورة طبق الأصل له لكنها معكوسة. وإذا كان السياسي مجرد مهرج شعبوي يمارس الكذب والدجل للفوز بعاطايا ليست من حقه، فإن الروائي هو لاعب سيرك يؤدي أدوارا خطرة كالمشي على الحبل. قد يدق عنقه في أي لحظة. معتكف ينشد الوحدة. ولا يحب الأضواء ومهمته الوحيدة في الحياة النبش عن الحقيقة مع امتلاك جرأة الجهر بها. وإن كنت ترى في ما ذكرت صورة نمطية للكاتب فإنني أريد أن أضيف أن هذه الصورة باتت اليوم نادرة في محيط لازب وهلامي تميع فيه كل شيء.
-
تتحدث عن الرواية أنها ليست حكاية تتفنن كيف ترويها، بل هي فكرة عليك أن تتقن كيف تحكيها، هل أنت من الروائيين الأسلوبيين الذين يؤثرون الشكل والبناء على الطرح والمضمون؟
أعتقد أني على العكس من ذلك أؤمن بالفكرة كما أعتبر أن امتلاك القدرة على المعالجة والطرح من أولويات الكتابة. تقرأ لكثيرين ولا تجد أنك تفهم ما تقرأ. ثم إني أجد نفسي أقرب إلى الرواية الأوروبية مني إلى الرواية الأمريكية والشرقية. ولعل هذا راجع لنوعية قراءاتي. كما أن فكرتي عن الرواية لا تعني أي شكل من أشكال الإقصاء للتنويعات الأخرى. فلكل معزوفته ونشيده. والمهم أن تمتلك قناعات في الموضوع وأن تجتهد في إتباعها وإرسائها كتقاليد كتابية في مجتمع لا يزال كل فخره في الكتابة الحكاية.
-
تقول “إن فكرة الأدب النسوي تشعرني بأن هناك ابتزازا يمارس ضد المرأة “ هل فعلا أن هذا التخندق المسمى “أدب نسائي” هو حيف ضد المرأة؟
نافست المرأة وما زالت تنافس الرجل في كافة مجالات الحياة، فهي المعلمة والطبيبة والعالمة ورائدة الفضاء.. فلماذا يصر البعض على وضع حدود فاصلة في الأدب والتدليل على أن ما تكتبه المرأة أدب نسوي؟ هل هذا راجع لسلطة ذكورية في الموضوع؟ إذا كان الأمر كذلك فالأولى بالمبدعات الثورة على هذه الفكرة ومحاربتها. ولعل أول مظاهر هذه الحرب رفضهن المشاركة في ندوات ومهرجان تحت هذا المسمى. وعدم الاكتفاء بالصراخ والعويل والضجيج.
-
أنت قاص وشاعر وروائي، في أي هذه التعابير الأدبية، يجد محمد جعفر نفسه أكثر؟
أنا روائي
-
كروائي هل تؤمن بفكرة أخلاقية الأدب، وأن هناك “طابوهات” من الأفضل الابتعاد عنها، حتى لا توصف بتحريك استهامات القارئ، أو أنك روائي تجاري؟