محمد خليل (فلسطين – الأردن):
وقفتُ حائرًا أمام أقفاص الدّجاج المتراصّة بعضها فوق بعض، أبحث عن دجاجة سمينة، تكفيني وعيالي غداء ليوم الجمعة، ولمّا تعثرت محاولاتي في إيجاد واحدة بالمواصفات المطلوبة استعنت بالبائع
– أريد واحدة سمينة
أطلق البائع بصره في الأقفاص ثم أخرج لي واحدة.. استشارني في أمرها… تحسّستها ثم هززت رأسي بالموافقة… ربط البائع جناحيّ الدّجاجة إلى بعضهما ووضعها في الميزان النحاسيّ…. كيلو ونصف، قال البائع، واستلّ سكينًا من بين عدة سكاكين مصفوفة أمامه…أدار وجهه صوب الجدار… بسمل بصوت أصرّ أن يُسمعني إياه… وبعد لحظات كانت الدّجاجة ترتعش في ثقب من الصفيح بحجمها.
كنت أراقب البائع عن كثب متذكّرًا قول زوجتي(إنّ أغلب بائعي الدّجاج غشاشون، يغافلون المشتري ويستبدلون الدّجاج الجيّد بدجاج مريض ويبيعونه للنّاس) لذلك كنت حريصًا منذ البداية على مراقبته مراقبة صارمة… إلا أنّ جلبة أحدثها الدّجاج في أحد الأقفاص أثارت انتباهي وشغلتني عن مراقبته.
دجاجة تربض وسط القفص ودجاجة بعرف أحمر تنقرها، اقتربتُ من القفص…. الدّجاجة ذات العرف الأحمر تنقرها والدّجاجة الرابضة لا تُبدي مقاومة أو تذمرًا… ظننت للوهلة أنّ الأمر لا يعدو أن يكون نوعًا من المداعبة بين الدّجاج، إلا أنَ الرّيش المتطاير من الجناح جعلني أستبعد ظنّي، وأمام إصرار الدّجاجة ذات العرف الأحمر على نقرها، أشفقت عليها، مددت يدي إلى القفص وأخرجت الدّجاجة المعتدية ونقلتها إلى قفص آخر، ثم تابعت البائع الذي أخذ دجاجتي من الثقب الصفيحيّ وأغرقها في سطل يتصاعد البخار منه.
وبينما كنت أراقبه سمعت جلبة.. التفتّ… القفص نفسه.. الدّجاجة المنقورة تقف قريبًا من حوض العلف ودجاجة أخرى تنقرها… أحسست أنّ ثمة عاطفة ما صارت تربطني بهذه الدّجاجة… مددت يدي وأخرجت الدّجاجة المعتدية ثم نقلتها إلى قفص آخر، في ما ربضت الدّجاجة المنقورة وسط القفص والدّم يسيل من جناحها.
قلت للبائع:
– هذه الدّجاجة يسيل الدّم من جناحها.
لم يكترث البائع وبقي مشغولًا بنتف ريش دجاجتي… وبفضول غريب راقبت الدّجاجة الجريحة. لا بدّ من معالجتها، قلت في نفسي، ولا بدّ أن البائع يملك دواء لمثل هذه الحالة، هممت بسؤال البائع إلا أنّ دجاجة أخرى كانت تقترب منها بحذر، هششت عليها بيدي… لم تثرها حركة يدي.. وقفتْ قبالة الدّجاجة الجريحة ثم دارت حولها، ولمّا وصلت إلى الجناح تشممته- أو هكذا تبدو- ثم نقرته، تململت الدّجاجة الجريحة… نقرتها ثانية وثالثة، كنت أتوقع أمام هذه النّقرات المتتالية والموجعة بلا شك، أن تنهض الدّجاجة الجريحة وتنقضّ على الدّجاجة المعتدية وتوسعها نقرًا حتى تفارق الحياة. إلا أنّ شيئًا من هذا لم يحدث.
قلت للبائع:
– يبدو أنّها لم تعد تحسّ بالألم.
قهقه البائع ثم قال وهو ينتف ريش دجاجتي النّاعم:
– ربما تمْسَحت
مددت يدي ونقلت الدّجاجة المعتدية إلى قفص آخر. لم يبق في القفص سوى الدّجاجة الجريحة وواحدة أخرى تبدو أصغر منها حجمًا وقوة. لن تجرؤ هذه الصغيرة على الاقتراب منها، قلت مطمئنًا نفسي. أدرت وجهي صوب البائع الذي بدأ يشق بطن دجاجتي كي يُخرج منها الأحشاء… لم تمضِ سوى بضع لحظات حتى سمعت جلبة في القفص… التفتُّ… كانت الدّجاجة الصّغيرة تنقر الدّجاجة الجريحة والأخيرة لا تفعل شيئًا سوى التململ قلت مغتاظًا:
– عجيب أمر هذا الدّجاج.
ردّ البائع بلا اكتراث :
– لا تعجب من شيء يا أستاذ.
أخرجتُ الدّجاجة الصغيرة ونقلتها إلى قفص آخر، وعدت أتابع البائع وهو يقطع ساقيّ دجاجتي ويلفها في كيس بلاستيكي أسود… تناولت الكيس من البائع ونقدته الثمن… ولمّا هممت بالخروج من المكان، رنت مني نظرة صوب الدّجاجة الجريحة والرابضة في القفص وحيدة. أصابني ما يشبه الحزن عندما رأيتها تنقر جناحها غير عابئة بالدّم الذي يسيل منه.