الرئيسية |
سرديات |
الخلاص: ألف حكاية وحكاية عن مغرب لا ينتهي | حنان الدرقاوي – فرنسا
الخلاص: ألف حكاية وحكاية عن مغرب لا ينتهي | حنان الدرقاوي – فرنسا
حنان الدرقاوي – فرنسا
الخلاص كانت ليلة مقمرة من ليالي تنجداد صيف 1983. كنا في سطح إحدى قريباتي. كانت النجوم تبدو كأنها ستنزل إلى الأرض. كنا نحس بالسماء قريبة من رؤوسنا. كنا نتحلق حول لامبة الفتيلة الموصولة بقنينة الغاز الصغيرة وتبدأ السهرة: حكي ومسابقات ثقافية حتى آخر الليل . أخذ إبراهيم الكلمة وقال أنه سيحكي لنا حكاية عجيبة حدثت في الكصر قبل سنتين قال بعد أن حلف أن القصة واقعية ” قبل سنتين أتاني زايد ولد رابحة تشيويت وهو يرتعد من الرعب. كان سكرانا وكان يصرخ. كان متوجسا من خطر يحدق به وبأمه. كنت جالسا تحت شجرة تالكوت في مدخل القصر. كان الوقت خريفا وكانت البيادر ملئية بالتمر وتنز منها رائحة لذيذة. قلت لزايد أن يجلس ويحدثني عما يجعله غاضبا بذلك الشكل. بسمل وقرأ المعوذتين قبل أن يقول ” قبل ثلاث سنوات كنت جالسا في مكانك هذا. كنت هادئ البال. كنت عائدا من ميدلت حيث أشتغل عطاشا في البناء وأربح جيدا. أعود كل ستة أشهر لأقضي أسبوعين مع زوجتي وأبنائي وأمي. كنت راضيا بعيشتي, زوجتي امرأة مدبرة وقد اشتريت قطعة أرض لتشييد بيت صغير خارج القصر, بيتا إسمنتيا صلبا بدل المسكن الطيني. كنت أرقب النجوم في السماء وأتمنى من الله الصحة وطول العمر لأفرح بأبنائي خاصة بابنتي راضية التي أود أن أزوجها قبل أن أموت. كنت أدخن سيجارة. الحقيقة لا أدخن باستمرار فقط حين أفرح أشعل سيجارة لأبقى نشيطا. أتاني زايد أولحو “من أعيان القصر” وهو مغموم. جلس بالقرب مني وقال ” إنني أتعذب يا إبراهيم, أحس بالنهاية قريبة. لقد صرت هرما الآن. أديت فريضة الحج والحمد لله لكنني أتعذب لأنني أخطات كثيرا في حياتي: عرفت عاهرات وشربت الخمر وغششت في مواد البناء التي أبيعها. ذنوبي تطاردني وأود ان أتخلص منها. أريد أن أخلص روحي لأمضي إلى الموت خفيفا ومرتاحا” رددت عليه” يمكنك أن تصلي, أن تصوم الإثنين والخميس وأن تتصدق” رد علي بأنه يفعل كل ذلك لكن لا شيء يهدئ عذاب الضمير لديه. أخبرني أن الوسيلة الوحيدة للتخلص من ذنوبه هو أن يحملها عنه شخص آخر وهو يعطيه قدرا من المال. سألته كم من المال يمكنه أن يعطي. قال ” خمسة آلاف درهم” كان مبلغا كبيرا سيمكنني من الشروع في البناء. هدأت من روعه وقلت له أنني أمام الله آخذ ذنوبه كلها. في الغد أتاني بالمال ونسيت موضوع الذنوب. اعتقدت أن زايد يهذي وقد أصابه خرف الشيخوخة. كان الأمر دعابة بالنسبة لي. لم يتغير شيء في حياتي. أحمل معي ذنوب شخص آخر وماذا بعد؟ الله لن يعاقبني بذنوب زايد. مرت الأشهر وكنت في ميدلت أشتغل. صعدت على سلم خشبي طويل لأصبغ واجهة بيت. سقطت من السلم وتكسرت رجلي. عدت إلى القصر لفترة النقاهة وهناك انفتحت أمامي بوابة الجحيم. الشروع في البناء جعل زوجتي عصبية ولا تحتمل أي كلام. معها حق فهي التي كانت تدير ورشة البناء وتتفاهم مع البنائين. صارت عصبية مع أمي والأولاد. تحولت الحياة معها إلى عراك يومي وتبادل للسباب والكلام السيء. كنت عاجزا عن الحركة بفعل الجبيرة في رجلي. لو كنت سليما لأدبتها وضربتها حتى تعرف الحق من الباطل. لم تتأدب رغم تهديداتي واستمرت في التنكيل بي ونعتي بأقدح الأوصاف إلى أن رميت عليها اليمين وطلقتها بالثلاث. غادرت البيت مباشرة وحملت معها الأطفال. خلا البيت بدونها وصرت أعيش في عذاب. فكرت في زايد اولحو الذي أعطاني ذنوبه. سألته أن يتزوج زوجتي لتحل لي فيما بعد شريطة أن لا يلمسها. وافق ووعدني بأن الزواج سيكون شكليا. ذهبنا معا لخطبة زوجتي ووافقت. تزوج زايد اولحو من زوجتي وبات معها ورفض أن يطلقها. عادت الحياة إلى عروقه وصار يبدو شابا, كنت أنا أهرم كل يوم وأتعذب. كل ذلك بسبب ذنوبه التي حملتها عنه. هاته الذنوب أنزلت اللعنة علي وجعلت حياتي جحيما لايطاق. أنا اتعذب يا ابراهيم. أريدك أن تكتب رسالة إلى ركن المفتي لتسأله عن رأي الشرع في من أخذ ذنوب شخص آخر. الله يعاقب على ذلك وإلا لما انقلبت حياتي بهذا الشكل. أرجوك يا إبراهيم من أجل خلاص روحي أكتب لركن المفتي. أريد أن أشفى من لعنة ذنوب زايد, أنت شخص متعلم لا شك تعرف إن كان الله يعاقب شخصا بذنب آخر” قال قريبي إبراهيم أنه كتب الرسالة بالفعل لكن لم يتم إدراجها في ركن المفتي. انتظر زايد طويلا قبل أن يتحول إلى مجنون القرية الذي نراه كل يوم منكوش الشعر وهو يحاول أن يجد شخصا يحمل عنه ذنوبه وذنوب زايد اولحو.
الخلاص: ألف حكاية وحكاية عن مغرب لا ينتهي | حنان الدرقاوي - فرنسا 2016-09-16