تأليف : سينثيا .إف .وونج
ترجمة : د. محمد عبدالحليم غنيم
في يوم رطب من أيام أكتوبر في عام 2006، رافقت كازو إيشيجورو بصحبة ابنتي البالغة من العمر 10 سنوات (جريس) إلى طاولة خلفية في مقهى صاخب في لندن لإجراء مقابلة معه . وأثناء أجابة إيشيجورو على أسئلتي، أوضح لى كيف أنه يجرى اختبار تمثيل ( auditions ) لشخصياته على مستوى الصوت والخصائص في ذهنه قبل أن تظهر هذه الشخصيات في رواياته، وتحدث بصراحة عن عمل الكاتب الفوضوي.
الآن هو الحائز على جائزة نوبل في الأدب، بسب ما أشادت به الأكاديمية السويدية فى قرار منحه الجائزة بمقدرته غير المعتادة على تصوير ” الجحيم وراء شعورنا الوهمى فى علاقتنا بالعالم”.
إن فى ذلك إيماءة إلى الوهم الذاتى الذى يسيطرعلى العديد من شخصيات إيشيجورو، إحدى الشخصيات،على سبيل المثال، يسوغ خدمته فى موالاة الفاشية، وآخرون يرون ماضيهم من خلف عدسة مضببة للصدمة . وإذا كنا نريد نزع قشرة الخداع الذاتي المشوه، فقد نجد حفرة عميقة من اليأس.
في تلك المقابلة قبل سنوات، تحدث إيشيجورو عن التشويهات المؤلمة التى تصيب شخصياته، وطريقة حماية أنفسهم منها وذلك بإخفاء أخطائهم. ولكن عندما يبدو كل شيء ميؤوسا منه، فإن الشخصيات غالبا ما تلجأ فى شجاعة إلى خيالها لإقامة اتصال افتراضى بالحياة . وعند القيام بذلك يهيؤون القراء لتخيل شيء ما أفضل أيضا .
عندما سألت إيشيجورو عن روايته ضد اليوتوبيا الصادرة عام 2005 ” لا تدعنى أرحل” تغيرت لهجته. وأخفض صوته عندما حدثنى عن الطلاب في تلك الرواية، وكيف أنهم يموتون في نهاية المطاف. إلا أنه أصيب بالدهشة عندما قلت له إنني وجدت الرواية محزنة.
فاعترف قائلا
– هناك حزن لا مفر منه”، من ناحية أخرى،لا يمثل الحزن وجهة نظر قاتمة عن الطبيعة البشرية .
أستطعت أن أشعر بقلق إيشيجورو على ابنتي من الاستماع إلى ملاحظاته عن الموت واليأس.
ثم تابع قائلا:
– السؤال هو ماذا نستفيد ؟ ذلك هو السؤال الذي تطرحه ابنتك ” جريس”و هو السؤال نفسه لشخصيات مثل “تومي و” كاثي” في رواية ” لا تدعنى أرحل “. تقول بعض الأنظمة الباردة أن “تومي و” كاثي” سوف تكونان مفيدتان (للعالم)، وهو نفس الشيء فى نظام آخر يقول ل ” جريس” أنها في يوم من الأيام سوف تكون مفيدة للاقتصاد العالمي “.
الأنظمة الإنسانية في جميع روايات إيشيجورو- سواء أكانت حكومات أو مجتمعات أو عائلات – في كثير من الأحيان نظم فاسدة، ومع ذلك على البشر أن يتحركوا فى نطاقها . يحاولون إصلاحها أو إنقاذ أنفسهم. وقد اختبر إيشيجورو جوانب وحقائق كثيرة حول ما يعنيه العيش وسط أنظمة لا حصر لها.
الراوى بضمير المتكلم هو القائم بالسرد فى روايات إيشيجورو الثلاثة الأولى، “منظرشاحب من التلال”، و “فنان من العالم العائم” و “بقايا اليوم”، تعكس الخسائر الشخصية في سياق الأحداث العالمية: الأصدقاء والعائلات والقتلى من جراء القصف الذري في اليابان، والرومانسية غيرالمتحققة، والخيارات الخاطئة والحياة على أساس من الوهم.هذه الشخصيات تمتد من أجل الصفاء، والقصاص أو الغفران .
الرواة فى رواياته الثلاثة التالية على نحو ما متنوعة ، عازف البيانو، ” من لا عزاء لهم “، و أحد المحققين في لندن “عندما كنا يتامى”، وعامل متشرد ينزل ف دير فى ” لا تدعنى أرحل”. سواء أكانوا موجودين في اليابان أو فى بريطانيا العظمى أو في بعض المدن الأوروبية التي لم يكشف عن اسمها أو حتى قرية من قرى القرون الوسطى، فإن شخصيات إيشيجورو تخدع القراء من خلال بعض ما يفصحون به . نثره البليغ يعبر عن آلامهم أو طموحاتهم المقموعة. نحن نشعر بالزمن يتخلل ظلال هذه الشخصيات. كما نرى كيف يواجهون خيبات الأمل والآلام من أجل الكرامة .
أوضح إيشيجورو أن سبر أغوار القوة العاطفية فى رواياته، يجب أن نفهم أنه يتم من خلال حصر الشخصيات داخل “عالم داخلي [و] وأن لهذا العالم منطقه العاطفي الذي يتفق معه “حيث أنهم في سرد أحزانهم وتفاؤلهم المثمر، يقدم إشيجورو لقرائه وسيلة التعاطف مع ظروف وحالات شخصياته.
وتأتى قدرة إيشيجورو على إثارة الشفقة منذ أن انقطع عن الجامعة لمدة عام عندما عمل مع المشردين ، بالإضافة إلى دراسته للبيانو والجيتار ، حيث حلم بامتهان الموسيق قبل أن يتحول إلى برنامج الكتابة الإبداعية فى جامعة إيست انجليا ، ومازال يكتب الأغانى ويعمل مع الموسيقيين بوصفه محترفا .
باعترافه الشخصى ، فإن إيشيجورو كاتب بطيء، فهو ينتج رواية كل بضعة سنوات. في عام 2015، عندما جاء إلى دنفر لحضور ورشة عمل فنار الكتاب للترويج لروايته الاخيرة ، أجريت معه مقابلة . وأشار إلى أنه قد لا يكون لديه هناك سوى عدد قليل من الكتب القادمة.
قال :
– نحن لسنا مخلدين ، نحن هنا لفترة محددة ، هناك عد تنازلى .
وتكريم الأكاديمية السويدية الحائز على جائزة تكريم مدى الحياة. حتى الآن، نشر إيشيجورو ثمانية كتب فضلا عن العديد من القصص القصيرة وسيناريوهات تلفزيونية و سينمائية. قد يبدو حياته المهنية مفككة عند التركيز فقط على الروايات المشهورة، “بقايا اليوم” و ” لا تدعنى أرحل”.
ولكن عدد قليل من الكتاب المعاصرين من أستطاع أن يتجرأ على تحمل العديد من المخاطر مثل إشيغورو. الرواية الأكثر تعقيدا، ذات الأجواة الكافكا ” من لا عزاء لهم ” هو كتاب وصفه بعض النقاد أنها رواية مخيبة للآمال. لو وصف كاتب آخرمن نوع مختلف بهذا لكان قد كف عن الكتابة ، ولكن إيشيجورو صمد وواصل الكتابة .
وفى المقابل ، على الرغم من أن بعض القراء تقبلوا بهدوء وسعة رحب روايته الأخيرة : ” العملاق المدفون ” فإن كازو إيشيجورو ،فإن إيشيجورو قد اتخذ قفزة أدبية أخرى: تم تحديد قصة مجازية للغاية في حقبة إإنجليزية في وقت مبكر قبل التسجيل التاريخى . الذاكرة، و قمع الألم والعزم على حماية الذات والرغبة فى العودة إلى الأماكن ، ولكن كل ذلك بطرق استعارية غير عادية .
كل رواية هى مثابة إنجاز فردي. كل واحة مشروع متوال يثري قماشة عريضة من صور إيشيجورو لحيوات غريبة.
خلال مقابلة ف لندن عام 2006، شاهدت إيشيججورو يمزح مع ابنتي أثناء الاستراحة. لقد كانا يضحكان حول ما يعنيه الغذاء “شارف”، وتناولا بعض البسكويت وملاعق الآيس الكريم المذاب للوصف أو الشرح . إيشيجورو هادىء سهولة وفكه عندما يتحدث مع طفلتي الفاتنة .
وعلى الرغم من الحزن فى كتبه ، فإن إيشيجورو راع كريم للبشرية، وقيم رائع للعواطف وقصاص حاذق .
لا نعرف كم من الكتب سوف ينشر إيشيجورو. ولكن يمكن أن نكون على يقين من أن إنجازه الأدبى سيبقى جسورا .
الكاتبة : سينثيا .إف. وونج
أستاذة اللغة الإنجليزية في جامعة كولورادو دنفر حيث تدرس الأدب العالمي الحديث والمعاصر. و هي المؤلفة أو المشاركة في تحرير ثلاثة كتب أكاديمية والعديد من المقالات عن حياة وأعمال كازو إيشيجورو. وقد قامت بغجرا مقابلتين مع إيشيجورو في عامي 2000م و 2006م .
المصدر :
https://theconversation.com/the-inevitable-sadness-of-kazuo-ishiguros-fiction-85299
