حاوره: حميد ركاطة
عرف المغرب في السنوات الأخيرة نهضة تشكيلة متميزة، من خلال تعدد المعارض بمختلف مدن البلاد، تحول البعض منها من معارض محلية إلى معارض وطنية، اندرجت في إطار فعاليات المهرجانات الكبرى التي اتخذ البعض منها طرقه نحو المهرجان العربي، أو الدولي.
في هذه الحلقة سنحاور مبدعا مغربيا تميز بعطاءاته، وإبداعاته التشكيلية، وانخراطه في العمل الجمعوي ضمن إطار فني بمدينة خنيفرة المغربية، هي جمعية وشمة للفنون التشكيلية، التي عرفت بإشعاعها الفني، وانفتاحها على مختلف مكونات المجتمع المدني.
من خلال هذا الحوار سنفتح معه نوافذ لنجوب أفاقا، وقضايا حول التشكيل المغربي، والعربي، وبالتالي طرق اشتغاله، وتقنياته وأبعاده، ومميزاته. خصوصا بعد مشاركته الأخيرة في المعرض الدولي للفن التشكيلي بفاس، وبمعرض آخر وطني نظم بمدينة خنيفرة على هامش المهرجان الوطني للقصة القصيرة دورة القاص والروائي محمد غرناط من طرف جمعية الأنصار للثقافة.
إلى متى يرجع اهتمامكم بالتشكيل ؟
يرجع اهتمامي بالتشكيل إلى مرحلة الطفولة، حيث كانت تستهويني الأشكال الهندسية، والألوان الطبيعية التي كانت تأسرني كثيرا. كما أنني كنت أعشق تأمل حركة المارة بالشارع، خصوصا بالمدينة التي أسكنها بدروبها الضيقة، وفضاءاتها الساحرة، التي كانت تعج بالحركة. كما كنت من هواة الحلقة، والفن الشعبي، ناهيك عن أماكن الحرفيين التي كنت أرتادها دوما صوب “دار الدباغة “، حيث كان يشتغل أبي. كما عرفت فترة طفولتي الاحتفال بالعديد من المناسبات الوطنية، والدينية التي كانت فرصة حقيقية للاطلاع على الحلة الجديدة التي كانت تأخذها المدينة، وفضاءاتها، والعروض التي كانت تنظم في حفلات مستمرة لما يزيد عن الأسبوع. منذ ذلك الحين وأنا أنظر بعين غير التي كان ينظر بها أصدقائي الصغار.
ـــ هل تتعارض التربية والتشكيل مع روح الابداع لديكم ؟
لم يكن مجال التدريس عائقا في السير وراء حب الفن والإبداع، فالتربية والتشكيل لا يتعارضان مع أهدافه النبيلة والاستمرارية في الإنتاج واستلهام الجماليات. فالفن التشكيلي يلعب دورا كبيرا في تربية الناشئة، وإدراك الجمال يتطلب تدريبهم، وتنمية قدراتهم الحسية والعقلية. فلا بد أن تتوفر وتنمو لديهم من خلال التأمل وتربية الذوق الجمالي، لما يتجلى في السكون، والأشياء، عن طريق التربية.
اللغة التشكيلية هي لغة بصرية مكونة من أطياف وألوان وأشكال، ما هي اللمسة التي تتميزون بها في الساحة التشكيلية المغربية؟
الجواب على هذا السؤال قد يأتيك من كل فنان تشكيلي مدرك لعمق اشتغاله بشكل لا شعوري، لأنه يتأثر بأسلوب، وينتمي لمدرسة معينة، ونحن نعلم من خلال تاريخ الفن ظهرت مدارس فنية عديدة في القرن الماضي، تجد إرهاصاتها الممتدة لعصر النهضة الأوروبية (عصر الأنوار)، ابتداء من الكلاسيكية، والواقعية، مرورا بالانطباعية، والتكعيبية، ثم الوحشية، والتعبيرية والدادائية، والسريالية، والتجريبية، والمستقبلية إلى يومنا هذا. وصولا إلى الفن الرقمي. كل هذه المدارس لا بد أن تجد في أحداها مرجعا ما.
ما موقعكم داخل هذه المدارس؟
موقعي وسط هذه المدارس لم يكن ليتحدد بسهولة، وبعد اضطلاعي على أغلبها وجدت التجريدية هي الأنسب والأحب إلي، وإلى ما يجول في خاطري من مشاعر، وأفكار، وظفتها بأسلوبي الخاص مستلهما التراب المحلي خصوصا .
التقنية الموظفة في لوحاتكم تمتح من مواد مختلفة نلاحظ أن بعضها يعتمد أساسا على مواد محلية، كيف تفسرون هذا الاختيار، وبالتالي ما هي المواضيع التي تترجمونها في لوحاتكم ؟
الفنان ابن بيئته، منها يستلهم مواضيعه ويترجم أحاسيسه، فأنا ترعرعت ي مدينة خنيفرة جوهرة الأطلس المتوسط، وعاصمة قبائل زيان المشتهرة بمقاومتها وحضورها التاريخي، والاجتماعي، والسياسي. وبما أن جذوري العائلية لم تكن بعيدة عن المنطقة باعتباري من مجال جغرافي الأقرب إلى زيان (أخص بالذكر مدينة أبي الجعد)، منحني ازدواجا في الهوية، وبالتالي مصادر متعددة في ثقافتي مكنتني من استخلاص قيمة ما تزخر به هذه المناطق من أشكال وألوان وطقوس وعادات، وتقاليد ولغات، ولهجات، هي مكونات ثقافية غنية بالتنوع، تحقق نوعا من التكامل الضارب أعماقه في جذور التاريخ، والمكان. فكان اشتغالي أساسا على مكونات محلية، ومواد مستخلصة من نباتات طبيعية في الغالب، لكنها تمتاز بخصوصية محلية تعكس وجها حضاريا مغربيا أصيلا .
في المغرب كما في الشرق نلاحظ تعدد المعارض التشكيلية، لكننا نتساءل من خلالكم عن مقوماتها، وكيف هي أحوال التشكيل العربي خصوصا بعد مشاركتم في معرض دولي بفاس. ثم ماهي انطباعاتكم كفنان حول الفن التشكيلي العربي ومميزاته؟
لقد شاركت في السنوات الأخيرة في العديد من المعارض، التي ضمت أعمال مبدعين أجانب، وعرب. فمن حيث المضامين، نلاحظ أنه يغلب عليها الطابع التجريدي، وبعضها التعبيري، مثلا (سوريا، فلسطين، العراق)، في حين أن الأعمال العربية الأخرى تصب في تجاه التعبيرية، مع توظيف جماليات اللوحة باستثمار كالخط العربي بالنسبة للمغرب مثلا.
أما من حيث الشكل فإننا نلمس احترافية، وتمكن في توظيف وتضمين التقنيات بمهارة. فالاشتغال ارتقى عربيا سواء من حيث الاشتغال على الألوان، أو الأشكال من تناسق، وتعارض، وضوء… في حين لا يزال الاشتغال الفلسطيني من خلال ملاحظتنا للأعمال المعروضة، معتمدا على اللونين الأبيض، والأسود، كقيم ضوئية. أما بخصوص الطبيعية فقد برزت بشكل قليل في أعمال معروضة، لكنها قليلة وربما هي في مآل تقلص مساحة الاهتمام بها بشكل كبير، نظرا لانفتاح الفن التشكيلي العربي على الجماليات التعبيرية، والمواضيع المحلية، والمواد المتوفرة منذ القدم. وهذا الاخلاص للماضي، برز في المادة المستعملة، وليس في الأفكار التي لا يزال القماش يحضنها بحنو، وحب، مع استثناء طفيف في اشتغالي شخصيا على مادة الجلد .
أما بخصوص الشطر الثاني من السؤال حول مميزات الابداع العربي تشكيليا، فهناك توازن، وتباين راجع لخصوصية المنطقة التي ينتمي إليها كل مبدع. وهنا يضحى للمجال تأثيره الواضح في إيقاع اللون، وحرارته، وبرودته. فالاشتغال المغاربي متأثر باللونين الأبيض والأزرق، في حين أن مبدعي منطقة الخليج العربي، يرتكزون على التعبيرية، والألوان المستخدمة تكون أساسا داكنة. وهو ما يعكس قضاياها، وتصوراتها الخاصة، وبالتالي مجالات اهتمامها.
هل يمكن الحديث عن تيار حداتي عربي ضمن التشكيل اليوم، سيما وأننا نلاحظ أن المواضيع المعبر عنها تتراوح بين التجريد المطلق، والتعبيرية الواضحة ؟
ربما الحديث عن تيار حداتي عربي في الفن التشكيلي، يمكن تركه كسؤال لنقاد الفن التشكيلي عموما، كما أن حكم المبدع قد لا يكون عادلا، ويظل محكوما بذاتيته التي قد لا تعكس الحقيقة. لكن الراجح في نظري، وهذا رأي شخصي، أن المواضيع المعبر عنها تتراوح بالفعل بين التجريد المطلق، والتعبيرية الواضحة. وهذه ملاحظة مهمة تؤكد منظورنا للتوجه عام عربي مستقبلا دون أن ننسى تيارات حداتية نحت باللوحة نحو الرقمنة.
هل أثر الربيع العربي تشكيليا، كما أثر قصصيا، وروائيا، وفنيا في مبدعينا المغاربة والعرب ؟
في الواقع ليس هناك تأثير، وهذا أمر نلمسه من خلال الأعمال المعروضة، ربما هناك تحفظ وعدم تسرع، وبالتالي مراعاة ظروف الاحتقان الشعبي بأغلب المناطق . فما حققته الثورات لم يظهر بعد جليا، وواضحا حتى على المستوى السياسي، نتيجة لما خلفه الدمار، والخراب من قتلى وتشريد. كما أن الأدب نفسه، لم يبادر إلا بشكل محتشم بالحديث عن الربيع العربي، وتحفظ مبدعينا راجع كذلك إلى المنع الذي يواجهون به في بعض المعارض. وحتى وإن كانت لديهم لوحات فهم لا يحضرونها للعرض، وقد اضطلعنا على تجربة من هذا القبيل عاشها مبدعون عرب في معرض أقيم بدولة الامارات العربية المتحدة .مؤخرا.
التشكيل والموسيقى تجربة برزت بالمغرب من خلال تجربة عبد اللطيف الزين وآخرون هل يمكن الحديث عن هذه التجربة في نظركم عربيا ؟
بالفعل في المغرب كما في العدي من المناطق الأخرى من العالم أصبحت علاقة التشكيل بالموسيقى أكثر ارتباطا على مستوى الانجاز، كما حدث بالنسبة للموسيقى، والشعر. هذه المكونات هي في الأصل مندغمة في صلب بعضها البعض بل ومانحة للحياة لبعضها البعض. فللشعر موسيقيته التي يبرزها اللحن، والإلقاء أحيانا، والقافية والوزن، داخل بحر من البحور الشعرية، أو مقام من المقامات الموسيقية. هذه العلاقة الجدلية تبرز كذلك من خلال علاقة الموسيقى بالتشكيل التي ترجمت على اللوحة بألوان وإيقاعات الموسيقى الكناوية وهي تجربة تستحق التشجيع لأنها تدخل ضمن محاولات الابتكار والتجديد وليس بمقدور الجميع خوضها كل وظروف اشتغاله وطقوسه الخاصة، وإن كانت فكرة رائدة في المغرب، فقد اضطلعنا على تجارب من هذا القيبل في الغرب الأمريكي مع موسيقى الجاز من قبل .
كيف تنظرون إلى المتابعة النقدية اليوم لأعمالكم، وهل هناك دراسات حول الفن ببلدتكم خنيفرة حولها، وحول وأعمال الرواد منكم ؟
لقد لقيت أعمالنا رواجا لا بأس به، واهتماما من لدن الصحافة المحلية، والمتتبعين، وعشاق الجداريات التي تشتهر بها المدينة ومؤسساتها التعليمية، وفضاءاتها العمومية. لقد عملنا على ترسيخ ثقافة الفن التشكيلي بالانفتاح على كل مكونات المجتمع المدني من خلال الجمعية التي انتمي إليها وأتولى رئاستها (حاليا) منذ تأسيها. كما أن تدريسنا للفن التشكيلي، عمد على تكون جيل من المهتمين، والمتتبعين، والقراء الذين نحترم مواقفهم، وأرائهم. كما أن تعدد المعارض داخل المدينة، وخارجها أبرز للواجهة أعمال أعضاء “جمعية وشمة ” وأعمال مبدعين آخرين.
فالمدينة هي مدنية المبدعين، وهنا نستحضر العديد من الأسماء التي ساهمت بشكل كبير إلى إخراج اللوحة إلى القاعات والفضاءات العمومية، وأقامت معارضها الأولى التي كنا نتحلق حول لوحاتها بشغف، وحب كبيرين. كالفنان أحمد وعتيق، بالإضافة إلى مبدعين معاصرين و كنا نعشق أعمالهم كالمرحوم “سعيد أمين ” وإن كان قد تخصص في فن الكاريكاتير فيما بعد.
نزعتم في السنوات الأخيرة إلى الاشتغال على اللوحة من خلال ابراز نتوءاتها، وتشكيلاها المثيرة فضائيا. لماذا بالضبط هذا الاختيار، هل هو مسايرة للأعمال المعاصرة، أو مزاوجة بين فن النحت، والتشكيل ؟أم هي محاولة لشعرنة اللوحة ؟ ثم ما هو الحيز الذي يحتله الموروث الثقافي في لوحاتكم ؟
لقد أصبحت أشتغل على سند الجلد عن طريق تطويعه حتى يتشكل نتوءات يتم تلصيقها على سند الخشب، أو القماش في إطار تركيب متماسك، ومتوازن، بعد ذلك أبدأ بالعمل على إدخال لمسات من ألألوان التقليدية كمسحوق الزعفران الحر، وقشرة الجوز، والملونات من الحبر، مع إدماج بعض الحروف، والرموز، والعلامات بطريقة أكثر اختزالا. لكنها تتداخل في تناسق، وتركيب تجريدي. وقد جاء اختياري للاشتغال على مادة الجلد نتيجة العلاقة الحميمية بماضي طفولتي، فأبي كان يمارس حرفة الدباغة، وقد اشتعلت معه وساعدته سنوات عديدة. تعلمت منه (الصنعة) ومراحل تهيئ الجلود من مادة خام، إلى مادة مصنعة بعد دبغها. فللجلد خصوصية بحيث إذا لم يتم تطويعه، وترويضه، ومصارعته، لا يمكن أن يصبح على ما هو منتظر منه في اللوحة.
فالاشتغال في لوحاتي بقدر ما مزج بين مكونات عديدة، عمل على خلق لسمة خاصة تجمع بين النحت، والتشكيل. وقد عمدت إلى ابراز نتوءات اللوحة لتبرز أبعادها، وتكون أكثر جاذبية .
فالعلاقة بين الشعر والتشكيل تتقاطع في الحديث عن الصورة في تداعياتها، واشراقتها الدالة، والمكتنزة بالكثير من بالمعاني. وللتعبير بصدق عما يخالج المبدع. فالشعر هو تشكيل بمعنى من المعاني، ومحاولة لإخراج ما تمور به الاعماق لخلق تواصل مع المتلقي، هنا تلتقي القصيدة واللوحة في تكامل، وتناسق، وجاذبية، بل في تماهي مطلق. فاللغة والمعنى والصورة هي وجوه ووسائل للإبلاغ والتواصل، واللوحة بألوانها، وإيقاعاتها، ورموزها، ومؤثثات فضائها، تهدف إلى تمرير خطابها للمتلقي، وهي تستدرجه رويدا، رويدا لإقحامه في عالمها من خلال لغة غير مرئية، لأنها لغة بصرية ذات ملامح واضحة، وجد مجدية، بفعاليتها وصدقها.
كيف تنظرون إلى فن التشكيل المغربي، وبالتالي العربي، بعد إدراجه منذ سنوات كمادة مستقلة ضمن مناهج التربية والتعليم، وهل ذلك يعتبر كافيا للاستجابة لحاجيات أطفالنا، وشبابنا في توجهاتهم، واختياراتهم المستقبلية ؟
الفنون التشكيلية هي لغة تواصل، وتخاطب، وترجمة أفكار. عندما يستخدم المتعلم قدراته البصرية في إدراك إيقاعات الكون، وفهم ثقافة العين بلغة الخطوط، والأشكال، والألوان، والأحجام، والرموز ..فإنه يوقظ بالممارسة عقليته الابتكارية، ويطورها في اتجاه ولوج عالم القيم، وإدراك الجمال الذي يتخذه مسلكا للحياة، عن طريق التربية في علاقتها بالفن. لهذا فعلى برامجنا التعليمية أن ترقى لتلبي حاجيات متعلمينا، وشبابنا، وبالتالي الاستجابة لتطلعاتهم الحقيقية مستقبلا.
ما هي الاعمال المحببة إليك أكثر من غيرها هل يمكن الحديث في هذا الاطار عن أعمال أنجزتها سابقا أم ما تنجزه اليوم ؟
هذا أمر يحدث لكل المبدعين وفي كل المجالات الابداعية والتعبيرية بحيث نلحظ أن هناك اعمالا تأسرك بحبها حد الجنون لكنها في الآن ذاته تجعلك غير قادر على تجاوزها، وهو ما يكبل كل ملكة من ملكاتك الابداعية، ويجعلك سجين أفكار كان عليك نبدها وراء ظهرك، كي تستطيع الاستمرار في البحث، والتنقيب عن الجديد. وهذه الخلاصة لا نتوصل إليها إلا بعد عناء طويل.
هل هناك سؤال كنت تود أن يطرح عليك لكننا لم نطرحه ؟
في الواقع أنا من المبدعين الذين لا يحبون الحديث كثيرا عن أعمالهم، وأترك الأمر للنقاد، وأفضل أن أكون كالمخرج بالنسبة للفيلم السينمائي، فهو يقدم رؤيته الفنية ومنظوره للعالم، ويترك التعليق والحكم للمتفرج، والناقد. فلكل قراءته، ومواقفه، ومنظوره الذي تختلف زواياه من فئة لأخرى، ومن مرحلة لأخرى كذلك. كما أن الصورة اليوم واللوحة لهما مقوماتهما وميكانيزماتهما، وقراءتهما التي أصبحت تلقن اكاديميا. وهذه تأتي بمبادرة تشاركية بين الدولة والمجتمع المدني، لأننا لاحظنا كيف أترث الصورة الإشهارية بالسلب، والإيجاب علينا وهي تعرض في ثوان معودة مئات الصور المصحوبة بخطاب سريع، مؤثر وفعال، وموسيقى تنفذ بسرعة للأعماق. مع اختيار ألوان تدغدغ العين، وتأسرها قبل ان تأسر العاطفة. هذه القوة هي التي يمكن تجميع عناصرها في اللوحة الحديثة المرتكزة على الكثافة، والعمق، والبساطة. وهذا ما نطمح إليه من خلال تحول اللوحة العربية اليوم إلى التعبير عن الموقف، والفكرة التي لا يمكن للمبدع التعبير عنها بشكل مباشر. كما يجب ربط الابداع بالحرية وفتح المجال أكثر، للتعبير لاشتغال على مواضيع تبرز قضايا، لها دلالات وإشارات خاصة. فأنا من المبدعين الذين يحتل الموروث المحلي حيزا مهما في لوحاتهم، أحاول المزاوجة بين التجريد وتوظيف المعطيات المحلية الخاصة بالأطلس المتوسط لما لها من دلالة تاريخية وحضارية واشتغالي لا يرتكز على الحدث المعاصر بقدر ما يستلهم التراث ويحاكيه ويجدد بعضا من معالمه التي في طريقها للأندثار أو النسايان .كالوشم، والزربية، والرسم بالحناء، والنقش عل الخشب، والألوان المستعملة في صبغ الأصواف طبيعيا، تلكم حقيقة ما أحاول التعبير عنه وأنا أسارع الزمن لانقاد موروث محلي متعدد ومتنوع وغني، وجزء من ذاكرة مدينة وباديتها المنسية على الأطراف في المناطق النائية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصطفى قصطال: هو من مواليد خنيفرة سنة 1962 عاصمة الأطلس المتوسط بالمغرب، حصل على شهادة الباكالوريا فنون تشكيلية سنة 1984 بمراكش. حالت ظروف خاصة دون متابعة دراسته بالخارج بعد حصوله على الموافقة من أحد المعاهد العليا في مونبولي بفرنسا. بعدها تابع دراسته بجامعة القاضي عياض بمراكش شعبة اللغة الفرنسية ليلتحق بالمركز التربوي الجهوي بطنجة سنة 1986 شعبة الفنون التشكيلية ليتخرج منها أستاذا ومدرسا لنفس المادة بمدينة خنيفرة إلى اليوم.
حميد ركاطة: ناقد وقاص من المغرب