استراحةٌ في سيرةِ أبي | محمد عريج
محمد عريج (المغرب):
أمامَ عينيكَ / كم سرباً من الشُّهُبِ
هوى ، وكم كوكباً أغفى من التّعبِ؟
وكمْ تمزَّقتَ في ما لا يكونُ، وكمْ
سقطْتَ في النارِ تمثالاً من الخشبِ.
كأنَّ عُمْرَكَ لم يُكْتَبْ لهُ عمُرٌ
حتّى يَرَى،
آخرَ الأشياء من كثبِ.
فراحَ يكبرُ في أحضانِ ساقيةٍ
جفّتْ / وتركضُ ما زالتْ بلا سببِ.
عيناكَ ، هل تستطيعُ الآن فتحهما
حتّى ترى ، كيفَ أنّ الليلَ يحدقُ بي ؟
أبي ، وكي تبصِرَ الأيّامَ نافرةً
كظبيةٍ ، حذّرتْها رَعْشَةُ العُشُبِ
هربتُ من وجهكَ العالي ، إلى امرأةٍ
ورحتُ أدفنُ في مرآتها نَسَبِي.
وكنتُ أكفرَ منْ ماءٍ بلا عطشٍ
ومنْ قصائدَ تذْوي داخلَ الكُتُبِ.
يمتدُّ في قامتي حزنُ السماءِ كما
يَمتدُّ جرحُ
ثقوبِ النّايِ في القصبِ.
طفولتي لم تكنْ شيئاً.
وكانَ فمي
يغفو
ويأكلُ ما في الظلِّ من سغَبِ.
وكنتُ أصغي لموسيقى الطريقِ بلا حُلْمٍ
كمغتربٍ يُصغي لمغتربِ.
يمرُّ بي الليلُ لكنْ لا يُضَايفني
في نَجمةٍ مُرّةٍ
أو كوكبٍ خَرِبِ.
أبِي،
توزّعتُ في المنفى القريبِ فَتًى
وخضتُ حَرْبِي وحيداً
غيرَ مُنسحبِ.
درَّبْتُ رأسي على ألا يدورَ معي
وأن يظلَّ نخيلاً يانعَ الرُّطَبِ.
حتّى فراشةُ عمري وهْي هاربةٌ
حذّرتُها -يا أبي- من آخرِ الهربِ.
ورحتُ أدفعها للنّارِ مُرغمةً
حتّى أؤاخي
جناحيها مع اللّهبِ
أبي ،
رأيْتُكَ منقوشاً على جَسَدِي
وحاضراً
في انفعالاتي
وفي غضبي.
عاتبتَ باسميَ هذا الماءَ في رئتي
لأنّني لم أكنْ أقوى على العتبِ.
وقفتَ غابةَ أضلاعٍ مهشّمةٍ
كي لا تصبَّ الليالي الخوفَ في هدبي.
وكنتُ أحطبُها إذ لم يعدْ أبداً
في جوفِ مدفأتي شيءٌ من الحطبِ.
أبي تركتكَ مشدوداً إلى وَتَرٍ
عَارٍ
عراء نوايانا من الكذبِ.
كبرتَ ،
والرّيحُ شاخَتْ فيكَ وانكسرتْ
وأنت ما زلتَ تحدو ناقة السُّحب.
أعدُّ كم شيبةٍ في رأسكَ اشتعلتْ
عَسَايَ أفهمُ مَعْنَى أنْ تَكُونَ أبي.
كأنّ شيْبَكَ ريشٌ قرَّ في لغتي
كما يقرُّ كلامُ اللهُ
عينَ نَبِي.
استراحةٌ في سيرةِ أبي محمد عريج 2016-03-03