ترجمة جودت جالي
إذا كانت توجد مقاييس للجمال فالقبح لا مقياس له. كيف تتشكل أحكامنا الجمالية؟ كيف نقرر ان عملا فنيا، أو وجها، هو “جميل” أو “قبيح” ؟ ألا نفترض، كما فعل أفلاطون، بأنه يوجد جمال سري، فيما وراء المظهر، في الكلام أو في الروح؟
ظهر في وقت واحد، مصادفة، كتابان بشأن الموضوع.
الأول بعنوان “النفور من القبح” وهو أنطولوجيا ألفتها “جوينايل أوبري” تقودنا فيها من سقراط الى دوبوفيه مرورا بوايلد وبودلير وغويا وباتيل، والثاني بعنوان ” تأريخ القبح ” لأمبرتو أيكو الذي يعبر القرون بنا بحيوية لا تقل عن حيوية كتابه السابق “تأريخ الجمال” 2004.
ويسرد لنا صورا بيانية تحبس الأنفاس من ميدوزا الأقدمين الى جيروم بوش وكتش وكامب وسوتين وباكون مؤكدا بديهية فكتورهيجو التي تقول “ليس للجمال سوى طراز واحد أما القبح فله ألف طراز” . وهكذا فالكتابان ينطويان على ألف شئ يقولانه :
س: هل القبح نقيض الجمال؟
أوبري: رجح في التقليد الميتافيزيقي ثنائي ” قبح- جمال” على ثنائيات المتناقضات الأخرى مثل “جوهر- شكل” و ” شر- خير” و” موت- حياة”.
ولكن الأشياء في تعارض ” قبح- جمال” تكون أكثر تعقيدا لأن القبح قد يكون بالنسبة الى الحياة، أو بالنسبة الى جمال آخر، وربما يتأتى من تجديد للأشكال. أن أدورنو من بين الفلاسفة النادرين الذين تأملوا في القبح بحد ذاته.
أيكو: بعد أن قمت بالعمل نفسه الذي قمت به في ” تاريخ الجمال” من جمع للنصوص والصور أدركت الأختلاف الحقيقي بين هذين المفهومين . كانت أول نظرية هو قانون ” بولكليت” في القرن الخامس قبل الميلاد حدد فيه مقاييس ونسبا لايمكن وفقا لها أن يكون الأنسان جميلا وهو بطول 30 سنتمترا مثلا، وحدد للذراع طولا معينا ،الى آخره.
هكذا يكون الجمال ضمن حدود معينة بينما القبح غير محدود، وبهذا فهو أكثر تعقيدا، ومنوعا، ومسليا. غالبا مايكون القبح في الرسم الكلاسيكي مخفيا في التفاصيل ويتوجب علينا البحث عنه. لقد تحدث الفلاسفة كلهم عن الجمال ولكن يوجد القليل من النصوص حول القبح.
أوبري : في كتابي السابق ” حياتنا تهترئ بالتغييرات” 2007 تكلمت عن القبح بأسلوب أدبي أنطلاقا من تجربة أمرأة تعاني من تصور أنها قبيحة بنظر الآخرين. رأيت في تجربة القبح “عارا” بالمعنى الأيتمولوجي للكلمة، ظلما عميق التجذر.
نحن نعرف أن الأطفال الرضع يميلون الى الأبتسام لوجه منسجم الملامح أكثر من الوجه مشوه الملامح ولكن لا أحد يتحدث عن هذا الأمر.
ثم تساءلت عن التباين بين هذه التجربة الشخصية واللامبالاة الغريبة نحو المراتب الجمالية في الفن المعاصر.
انها تستبعد مراتب القبح والجمال بوصفها مبتذلة من قبل فنانين ونقاد معينين ولكنهم يمارسون هذه المراتب بعنف شديد في مجال الجسد وخاصة جسد المرأة.
حول المرور من ” قماش اللوحة” الى ” الجسد” أنبنت هذه الرواية التي تكون هذه الأنطولوجيا معادلها النظري على نحو ما.
أيكو: تأملت في موضوع القبح منذ زمن طويل. كتبت “جمالية القبح” عام 1968 في موسوعة ثم فرض الموضوع علي نفسه بعد ” تأريخ الجمال”.
وجدت نفسي في ميدان مألوف فقد كنت دائما مولعا بالوحوش.
يوجد في مكتبتي العديد من الكتب عن الحيوانات وعجائب المخلوقات وبقي الكثير لأكتشفه فمثلا توجد قصة كتبها زولا بعنوان ” القبيحة”، هل قرأتم القصة؟ يكتشف البطل أنه حين تكون أمرأة ليست جميلة الى جوار قبيحة تبدو جميلة فأوجد له مهنة يعمل فيها على تأجير القبيحات الى نساء متوسطات الجمال لكي يبدون أكثر جمالا.
جعلنا زولا نشعر شعورا جميلا بمعاناة المرأة التي تحصل على عمل لكونها قبيحة.
أوبري: في قصة قصيرة لهنري جيمس تختار سيدة مجتمع أمرأة لترافقها ليس فقط لأن هذه أكبر منها سنا بل لأنها كئيبة المظهر وفجأة يبدأ المحيطون بسيدة المجتمع بالأهتمام بها.
أحس بأن هذه ” القبيحة” خارجة مباشرة من لوحة لهولبين. أن بحثي تعلق بما أسميه أعتيادية القبح كما يمكن أن نقول أعتيادية الشر- وجوه كئيبة، ملامح تغم النفس، مناظر مشوهة – في القبح كتجربة من التجارب اليومية الأعتيادية، فيما هو داخل هذه التجربة ويمكن أن يشكل كشفا عندما تخرب الأشكال، عندما تتحطم المظاهر.
إيكو: أن النصوص الفلسفية يجب أن تفسر بطريقة مختلفة وفقا لتكنولوجيا زمنها. عندما كان القدماء ينظرون في مرآتهم المعدنية فأنهم يرون شيئا قريبا من الذي نراه في مرايا ” لونا بارك ” المشوشة.
قال “غيوم دوكام ” في موضع ما أن صورة هرقل يمكن أن يتعرف عليها فقط من شاهد هرقل سابقا. في الواقع أنه لم تكن في زمنه بورتريهات ولهذا فالأيقونة ليس لها سوى قيمة التذكار.
س: هل التكنولوجيا اليوم جراحة جمالية؟
إيكو: قد يكون هذا خلاصا لبعض النساء. تصوروا أن أمرأة ولدت في هذا الزمن بوجه كوجه ” ماي ويست” أو “غريتا غاربو”! لن تكون جميلة بأية حال! أن أمتلاك جمال مضى زمنه هو لعنة! الأمر أقل قسوة بالنسبة الى الرجال.
يمكن للرجل أن يكون مقبولا بوجه ميشيل سيمون، وأذا كانت الجراحة يمكن أن تحول غريتا غاربو الى ” نعومي كامبل” فيمكنني أن أصبح ميشيل سيمون!
س: أن التعاطف حاضر في كتابيكما.
أوبري: يقول ريلكه بأن على الفنان أن يتقبل الواقع بمجموعه بما في ذلك الجيفة. يتحدث أيف بونفوا بخصوص رسوم غويا السوداوية عن التعاطف معها حيث يترابط فيها الأخلاقي والجمالي.. توجد أيتيمولوجيا وهمية في كلمة (قبح) دون شك تشتقها من الكلمة اللاتينية ” يجرح “. أن القبح هو مايجرح ولكن الجرح نفسه في أصل الجمال.
س: ماذا ترون في موضة الصور المخيفة في عالم أصبح فيه الجمال من أولويات المجلات؟
إيكو: أن الميل الى المخيف ليس حكرا على زمننا. كان الرومان يذهبون لرؤية المسيحيين تلتهمهم الأسود وكان صاموئيل بيبيس يشتري التذاكر ليذهب لرؤية عمليات الشنق. ولكن هذه الصور اليوم كلية الحضور.
أوبري: تحول الرسامة التشكيلية أورلان نفسها، تزرع نتوءات على جبهتها، تمزج صورتها بالمحولات (Morphings) مع صور التماثيل البدائية. يوجد في عملها هذا رفض للأشكال المفروضة مسبقا. أن القبيح بالنسبة الى ” ماليفيتش” كل ماهو رمزي.
أيكو: من الضروري تجربة قراءة ” فوسكا” لأيجينيو تارشيتي (1869)، حكاية رجل وقع في غرام أمرأة قبيحة ليس لأنه مازوشي بل لأنها قبيحة وبرغم هذا القبح الذي لايستطيع تحمله.
أوبري: يوجد في الأدب قبيحات مغريات عظيمات. يضمحل” قبحهن” في حركتهن وفقا لجمالية الموهبة الآلهية التي تحدث عنها أفلوطين في القرن الثالث ق م. كن جذابات قبل كل شيئ.
إيكو: آه لقد لفظت الكلمة السحرية.غالبا ما يسألونني أن كانت بربارا سترايساند و جيرار ديبارديو جميلين أم قبيحين فأجيب بأنه يوجد تصنيف ثالث يجب أن يكرس له كتاب ولكنه عصي على الإدراك وهو الجاذبية!
يمكنك أن تضعي قياسات للجمال ولكن ليس للجاذبية. أنه سر أربك الفلاسفة اليونان ويربكنا. أنظري بورتريهات جورج صاند. لم تكن جميلة ولكن يمكننا أن نحكم من غرامياتها بأنها كانت تمتلك ” شيئا ما”. لقد كان نيرفال مدلها بالممثلة جين كولون ولكنك أذا رأيت بورتريها لها أنفجرت ضحكا، ولكن مع ذلك لايمكننا إلا أن نفكر أنها كانت جذابة.
* عن المجلة الفرنسية لو نوفيل أوبزرفاتو