أحِسُّها توَشوش من بعيد | حميد عقبي
حميد عقبي:
تفتخر الشجرة الكبيرة بأذرعها الطويلة
تحتل هذا الجزء المهم من وسط المدينة
تنام الكنيسة الصغيرة مطمئنة بجانبها
المسيح يتأرجح على الصليب متذكراً أيام الطفولة
كلما أحسّ بالعطش، تُسرع الشجرة بهز أصابعها لتكسر ساق سحابة
تقسمه بينها وبينه, مدعية أنه طفلها بالتبنّي
يسرعان بمضغه
تركضُ الريح لرفع بقايا الجثة التي تغير لونها
تحملها على القطار الذي تقوده والمتجه إلى حقول العنب
قطار الريح يُحدثُ ضجيجاً ويرفس مايعترضه
الشجرة منزعجة جداً
تنصح بناتها حولها بعدم لبس سراويل قصيرة في هذا الموسم
كنت أقف لحظتها لإشعال سيجارتي
سمعتها تقول : ” أشتاق إلى الصيف الذي يُطعم الشمس حطباً مشتعلاً
أشتاق إلى ظلي يتمدد وقت القيلوة
يُعجبني خياطة شراشف من الليل عند الظهيرة
انثره على المارة
وأنسج للعشاق بعض الليل يحملونه معهم إلى بيوتهم.”
هذه الشجرة تعرف ملامح عشيقتي
أبحث في كراريس ذاكرتي عن ضحكاتها مخافة أن تتبخر
أتذكر أننا كنا نمر من هنا
نستوهب من الظل ستائر، نفرشها على ضوء الشموع
ذهبت عدة مرات إلى السوبر ماركت
بحثت عن رفوف بيع الأحلام
أقترب مني البائع وقال : ” قد تجد بعضها في سوق الخردة، لكن عليك قراءة بيان الغلاف”
حذرني من وجود مواد مغشوشة تسبب ضعف البائة.
الشجرة وطفلها المصلوب والأزقة ومواقف الحافلات
جميعهم يعرفوننا
لكن أحد منهم لا يخبرني إن كانت تمر من هنا
في الصباحات الباكرة
يتسكع الضباب متحدياً قانون الطوارئ
تفترش قهقهته الأرض والسماء معاً
أهرش بأظافري جدرانه لعلي أرى موقف الحافلة
رُبما تكون هنالك تنتظر الحافلة رقم 5 أو رقم 7
أحسّها
توَشوش من بعيد في أذن بعض أحلامي
أحسّها
توَشوش قلمي ليكتب لها ما تريد
من يمنحني حبلاً
كي أربط خيالي في ساق صخرة لا ترقص
يتعبني وجع الفراق المستبد
أحِسُّها توَشوش من بعيد حميد عقبي 2016-02-07