حبر بطعم الشغف | نمر سعدي
نمر سعدي/ فلسطين
كيفَ انتهى عصرُ الحبرِ وتغيرَّت تلك العوالم الجميلة في هذه السرعة القياسية؟ في أواخر التسعينيات كنتُ أكتبُ القصيدة وأشمُّها على الورق، كما يشمُّ العاشقُ رسالةَ حبيبته الأولى ،كانَ لحبر القصيدةِ عبقٌ خاص، أبعثها بالفاكس أحيانا أو أضعها في الظرف البريدي وأرسلها لعنوان صحيفة الإتحاد الحيفاوية، وفي مرَّات كثيرة أذهبُ بنفسي لتسليمها للمحرِّر الأدبي في ذلك الوقت لأنتظرها في الثلاثاء الأدبي على أحرِّ من الجمر، كانت همومي صغيرةً والحياةُ بريئةً حينها، وكانت تربطني صداقةٌ حقيقيةٌ بالمحرر الأدبي في الأتحاد، نتكلَّم بشكل شبه يومي، نادرا ما كنتُ في حيفا ولم أمر بمكتبهِ لإلقاء التحية، كان شغفي الشعري هو الذي يوقظني من النوم في صبيحة اليوم التالي من أجل هدف مقدَّس واحد، أن أذهب لحيفا وأعودَ بالصحيفة لأرى قصيدتي المنشورة، بعد هذا العالم بسنوات جاء دور البريد الالكتروني ليحتلَّ فراغ الورق والحبر والبريد البطيء، مرحلة تشبه الحلم لكنها أقلُّ تعباً من سابقتها، مئات القصائد نشرتها عبرَ ما يُسمَّى البريد الالكتروني أو الايميل، ببساطة تبعث القصيدة أو المقالة إلى مجموعة بريديَّة تحوي عناوين الجرائد والصحف والأصدقاء المهتمين، الآن أفكِّرُ أن هذه المرحلة انقرضتْ أو تكاد تنقرض في ظلِّ سطوة الفيسبوك ومواقع التواصل، أغلب الكتَّاب والشعراء انضمَّوا تدريجيَّا إلى هذه الغرفة الكونية، انتهى وقت المجموعات البريديَّة والشعور بمسؤولية ما نكتبهُ، أصبحنا نمارسُ العبث الكتابي اليومي في الفضاءات الزرقاء، هل هناك من لا يزالُ يكتب بالحبر ويضعُ قصائده أو مقالاته في الدرج أسابيعَ وشهوراً لتختمر التجربة أو لتزهر القصائد، ويبعث ما يكتبهُ في النهاية بالفاكس أو البريدِ الأرضي إلى الجهة التي يريد؟
2016-12-04