الرئيسية | سرديات | الشجرة: ألف قصة وقصة عن مغرب لا ينتهي | حنان الدرقاوي

الشجرة: ألف قصة وقصة عن مغرب لا ينتهي | حنان الدرقاوي

حنان الدرقاوي

 

منذ ما يزيد على ثلاثة عقود وأنا اسمع من أبي قصة أسلافه الشرفاء. كان لا يفتأ يردد ” كانت لدينا شجرة أنساب ممتدة حتى آل البيت لولا أن جدي قتل وهرب نصف العائلة إلى مراكش” شهدت كيف أنه هو وعمي الأكبر كانا يبحثان عن النصف الآخر من العائلة، النصف الذي رحل حاملا معه شجرة النسب تاركا لنا الهذيان والجنون. كانت تلك حكاية أبي المفضلة. الحديث عن الحاجة التي في مراكش والشجرة التي بحوزتها. أبي كان يهرب من واقع أنه موظف بئيس بالاحتماء بالأصل الشريف.

في انتظار الشجرة كان عمي قد تصرف واستخرج بطاقة شريف, البطاقة التي تقسم المغاربة نصفين: نصف خرج من فخذ جوبيتير تقضى حاجاته ونصف ابن كلب. الشرفاء يحملون في جيوب ستراتهم بطاقة تثبت الشرف وتمكنهم من امتيازات عديدة في بلد الريع. ظل البحث عن الحاجة عيشة هاجسا في الأسرة. كانت الأمل في العثور على الشجرة.

2009

كنت في زيارة إلى أسرتي لرؤية أخي الذي أصيب بمرض في الكلية استوجبت إزالتها . طرقت بيتنا سيدة تقول أن لها ثلاث كلي وهي مستعدة لإعطاء إحداها لأخي. لم يستطع أحد إدخالها ففي قصتها بعض الخرافة وأبي رجل عقلاني ولا يقبل بما فوق المحسوس.

التقيت صديقة تعرفها وعاتبتني على أننا لم ندخل تلك السيدة فهي بالفعل تتوفر على ثلاث كلي. قلت للصديقة أن تعود معها في المساء وسأحادث أبي وأتكفل به. قرأت على النت أن حالة التوفر على ثلاث كلي هي حالة استثنائية لكنها ممكنة.

هيأت أبي قدر الإمكان لذلك اللقاء ناقلة له ما قرأته في النت. وافق على دخول السيدة إلى البيت. جلسنا معها جميعنا ومنذ اللحظة الأولى بدا لي أنني أعرفها.  تبادلنا أطراف الحديث واكتشفنا أننا التقينا ذات مهرجان ببني ملال. كانت صحفية وكنت ضمن لجنة التحكيم. نشئ بيننا ود وظللنا نتحدث حتى منتصف الليل قبل أن يأتي أبي ليأمرنا بإنهاء المحاورة.

نزلنا من البيت وهناك سألتني ” هل أنت درقاوية بالفعل؟” قلت لها نعم ربما إمارات الإنتماء الشريف لاتظهر علي, لاأومن بنقاء النسب ” قالت لي أن أمها هي أيضا درقاوية. أتى أبي مرة أخرى لينهي حديثنا بكل صفاقة. انصرفت أمل وقد وعدتها بأن أفطر عندها في الغد.

في الغد اشتريت مسمنا ومحراشا وذهبت في الصباح الباكر عند أمل. أدخلتني إلى الغرفة التي تنام فيها أمها. كانت مستلقية. ألقيت عليها التحية وأجابتني ” مرحبا بك أنا أعرفك” كررت ذلك ثلاث مرات. أعادت القول فسألتها كيف تعرفني ونحن لم نلتق يوما وقالت

–              أنت السيدة التي تأتيني في المنام وتقول أنك من دمي.

استغربت وناديت أمل وطلبت منها أن تشرح لي مايحدث فقالت أن أمها منذ شهر تحلم بامرأة من دمها ومن المؤكد أنني تلك المرأة. خفت من التردي في الخرافة خاصة أن السيدة كانت هي الحاجة عيشة من مراكش التي يبحث عنها أبي وعمي منذ عقود. أخبرت عمي أنني وجدت الحاجة وأتى سريعا للإطمئنان على الشجرة التي في الصالون.  تصورت أن أبي سيفرح بحل لغز الحاجة والشجرة معا في آن واحد. تخيلت أن يهنئني على زيارتي للناس في الأحلام وهي قفزة في حياتي الروحية. على العكس من ذلك غضب خلال طعام الغذاء ووصفني بالهذيان والحمق. ” تجدين الحاجة عن طريق حلم؟ هل يعقل؟ ألن تكفي عن جنونك هذا؟ فضحتينا دائما بأحلامك التنبؤية والآن تقفين على الناس في الأحلام وتقولين درست فلسفة وحاضرت في ديكارت؟

مر الغذاء في جو مكهرب. فهمت أن أبي خائف لأن عقلانيته الهشة لاتحتمل الخوارق والصدف السعيدة. الأمر ليس إلا صدفة, تناسق أحداث.

أغلق باب النقاش في الموضوع. كنت عائدة إلى فرنسا وكان علي أن أستقل القطار من محطة أكدال بعد أن رفضوا إيصالي إليها. قلت “سآخذ طاكسي، أنا متعودة على بهدلة المواصلات” خرجب من البيت دون أن أرى أبي. وجدته أمام الباب، مد لي يده قائلا ” مع السلامة يا شريفة” كانت آخر مرة أراه وآخر مرة أسمع صوته ولم أسمعه بعدها يتحدث عن الشجرة. تركت أبي لخوفه وسرت في درب الحياة بدون وهم ولا بحث عن بطاقة الشرفاء .

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.