حاورها: عبد الواحد مفتاح
هي إحدى الشاعرات المغربيات الأكثر إثارة للانتباه، وسط مدونتنا الشعرية، فدوى الزياني بما خطته من نصوص شعرية وهبتها اعترافا مبكرا من لدن النقاد، رغم أنها شاعرة ما زالت في ريعان قصائدها، إلا أن منجزها لاقى استحسانا كبيرا من طرف جمهور القراء.
فصاحبة ديوان )أسبق النهر بخطوة( تكتب قصائدها بلغة بيضاء، كريستالية، ما يهبها لغة تصويرية غاية في الرشاقة، هي ما أهلتها هذه المكانة المرموقة وسط الأسماء الشعرية المتميزة.
في هذا الحوار نقترب أكثر من فدوى الزياني، نطرق معها محطات أساسية في مسيرتها، ونقف عن معاني الشعر لديها وأسئلته الملحة اليوم.
كبداية لهذا الحوار، ما فاتحة النص الذي ورطك في عالم الكتابة؟ خبرينا قليلا عن البدايات؟
– لأنني ولدت في محيط قبليّ ،مرغمة ودّعت فصول المدرسة في سن الحادية عشرة ، كنت أطمح لتجاوز هذه السقطة ”وضع الله أمامنا سلما علينا أن نتسلقه درجة إثر درجة لديك قدمان فلم التظاهر بالعرج؟ ”جملة لجلال الدين الرومي لم أتوقف عند حدود معناها العميق وحسب، بل ارتبطت بها بشكل روحي، بفضلها استغليت الوضع وبالإمكانات البسيطة التي أملك قرأت عشرات الكتب التي تفوق طاقتي الفكرية مثل العبرات و النظرات للمنفلوطي ،الأدلة المادية على وجود الله للشعراوي و الأيام لطه حسين و حاولت جاهدة استيعابها بعناد و تكرار حتى وقعت على كتاب كان مخبأ في الكراتين المهملة التي تركها أخي بعدما هاجر لإكمال دراسته ، الكتاب الصغير الممزق “مئة رسالة حب” لنزار قباني أصبح بعدها كنزي وسري الذي أخفيه عن الجميع، قبل النوم تحت وسادتي وصباحا تحت الفراش ، هكذا أمسك بي الشعر في فورة الغضب والرفض ليدلّني على غاباته الشاسعة وأحراشه السريّة.
– هل تختار القصيدة موعد ولادتها ؟ وماذا عن طقوسك الكتابية ؟
الحياة اليومية نص طويل و المعاناة تثقل الأجساد لكن أرواحنا لم تخلق لتغرد داخل قفص أو لتدور حول نفسها في أكواريوم، القصيدة إعلان صارخ كل يوم يطالب بالحريةبالتعري من كل الإحباط و القبح الذي يحيط ،قد نعرف متى بدأت الأولى لكن لا نعرف متى تبدأ الأخرى أو متى تنتهي.
–في منظورك ما وظيفة الشاعر اليوم؟
من أكثر الأعمال التي تمنيت مزاولتها بائعة ورد أو حرفية بالنجارة ،أن نهب أو نصنع الجمال للآخرين هذا هو الشعر المقدس وعموما الحِرف اليدوية تذهلني ، خلق الدهشة من لا شيء هو منتهى الإبداع والشعر، العالم يزايد على بؤسنا اليومي وهو شريك جدلي وتفاعلي مع الشعراء ،لذا كل منهما ينتج الآخر ويسهم في خلقه وتكوينه الشاعر لسان العالم لغته وإيحاءاته، وظيفته أن يزيح عتمة الليل بأصابع فلاح ،أن يكون نايا للراعي و رغيفا للجائع أن يكون زهرة في عروة عاشق و حلوى في يد طفل ، وظيفة الشاعر أن يجعلنا قادرين على الابتسام وتشذيب أرواحنا أن نبحث عن الحب لدرجة استيعاب الشر كله.
–ماذا عن الشيء الأكثر حضورا في ذاكرة الشاعرة ؟
– الحب و الموت .
-أين يكمن المحظور الذي ليس بمقدور الشاعرة الاقتراب منه ؟
الشاعر نحات بفطرته وباستطاعته أن يحفر أعظم صخرة ويجعلها مقطوعات صغيرة و مذهلة بين يدي العالم ، الشاعر أيضا هو الذي يستطيع البحث عن بناء الوجود وهو الذي يستطيع ان يسمي الحقيقة كيفما يشاء ، كيف نبني الجمال إذا ضيعنا الحقيقة أو كيف نرسم الجمال الشعري في غياب رؤية وجودية نستطيع بها تغيير الحياة .
–من من الشعراء ارتبطت بهم وجدانيا، في رحلتك مع الحرف ؟ وهل الشاعر بالنهاية هو محصلة قراءات؟
– تعلمنا الكثير من كبار الشعراء الذين سبقونا إلى الشعر واقتنصوا الأعمق والأجمل من أحراشه، لكن لن أنكر إعجابي وإيماني القوي بشعراء الحداثة والتجارب المعاصرة التي أثارت نوعا من الحياة في المشهد الثقافي العربي ،الشعراء الذين نعاصرهم حاليا مذهلون حقا ،الحنكة اللغوية و التقاط اليومي ،قدرات خارقة وعالية تمكنهم بسلاسة من خلق الحدث و بناء نصوص مدهشة و ماتعة.
نحن نوعا ما ما عشنا و ما قرأنا لكن التجربة الحياتية بكل مكابداتها الشرسة هي البوصلة الحقيقة التي تحدد مسار الشاعر وتظهر جديته في توضيح صوته رؤيته ورهاناته ..
–في ديوانك «أسبق النهر بخطوة»، تتخذين من قصيدة النثر مُنكتبا لقصائدك، هل تجدين أن هذه القصيدة قد حققت الوعد الذي انطلقت منه؟ هل قصيدة النثر اليوم هي قصيدة نهائية وتجاوزت مراحل التجريب؟
– أتفق مع الرأي القائل أن قصيدة النثر هي أفق ممتد يرفض الثبوتية والركون إلى ترسيخ مفاهيم جامدة، وهذا ما نحتاج إليه في عالم تُغيّر الحروب والأزمات المناخية معالم خريطته نهاية كل يوم ،القصيدة النثرية تنطلق من أن التغيير هو ماهية الفن ليلائم طبيعة العصور وتتبنى الكتابة كنبوءة لا كفعل ساكن وبالتالي تسعى لتفجير طاقة اللغة وخلق ثورات الكتابة بعيدا عن القوالب الجاهزة التي تحول الفن لمنتج استهلاكي قابل للتدوير، لا يمكننا الحجر على ماهية التجريب، فالتجريب الفني حق مكتسب لكل مبدع يرغب في التجديد ويودّ حقا تشكيل هوية فنية لكتابة تخصه.
وهذا لا يعني أن قصيدة النثر لم تكتشف نفسها بل يعني وبكل تأكيد أنها قابلة لديمومة التجدد وسيرورة الإبداع..
– كيف ترين لواقع الساحة الشعرية المغربية اليوم؟
بطبيعة الحال أنا ابنة هذا النطاق ولم أنسلخ عن مغربيتي لذا فأنا اكثر اهتماما بما يجري حولي. الساحة الشعرية في حراك دائم ملفتة للنظر في بعض الاحيان ومخيبة له في أحيان أخر. إن أي حراك ثقافي ينتج عن إفرازات ودينماكية مستمرة ناهيك عن الرغبة الملحة في التميز ينتج أدبا ذا نوعية راقية، وكالعادة في أي حراك نجد الغث والسمين والمغرب ليس استثناءً عن بقية البلدان لكن ما أراه حقيقة ان الشعر المغربي بالهامش أكثر إشراقا و انفتاحا من المحافل الأخرى..