تحول | حسام حميدو
حسام حميدو
فتح عينيه فرأى السقف، وقف على قدميه، حرك يديه ، رقص عارياً و هو يضحك. ارتدى شيئاً من ملابس صاحبه، و خرج إلى عالمه الجديد فتى شاب بملابس رثة و ابتسامة عريضة. مشا في الحارة القديمة الجديدة يكاد يحيي كل من يرى ، ارتطم مع أحد المارة “حمار” فركض إلى سياراة نظر في زجاجها ووجد وجه إنسان جميل، ابتسم من جديد . وصل أحد الشوارع التي يعرفها و اندفع كما اندفع الناس داخل أحد الباصات. فتاة تجلس مواجهةً له ضحكت من الضحكة المرسومة على وجهه و خافت صديقتها. تحرك الباص، تنهد، وضحك كما يضحك طفل يركب أرجوحته الأولى، ضحك عليه الركاب فضحك معهم “مين ما دفع” توقف الضحك “مين اللي ما دفع ” نظر الركاب إليه لكنه لم يفهم “الحمار اللي ما دفع يدفع ” عيون السائق على المرأة تنظر نحوه . تحرك يريد ترك كرسيه ولكنه لما رأى انعكاسه الجديد على الزجاج و كان قد تعلم ان يصدق الزجاج ترددت رغبته في الهرب . قال له رجل لا يعرفه بعد ان دفع عنه غضب السائق ” لا يهمك لا تزعل ” . بعد أن نزل من الباص قرر أنه لن يصعد الباص مرة أخرى . مشى يتبع رائحة أوصلته إلى محل فلافل ، وقف ينتظر دوره دون أن يطلب ، سأله البائع ” متلن ” رد عليه ، أعطاه البائع سندويشة لم يدفع ثمنها ، و البائع لم يطلب . بعدذّلك عاد إلى بيته لينام ، ليس طويلاً ، فالصوت الذي أحدثه وهو يفتح الباب جذب إليه رجلاً غاضباً دفع الباب و دخل و هو يصرخ
” شو عم تساوي هون “
” أنا “
” أنت اللي سرئت حماري “
” لأ .. “
” و ين الحمار “
” أنا .. “
” أنت شو “
” أنا .. “
” أي أنت حمار .. بس مو الحمار تبعي “
” أنا … صرت .. “
” حكي وين الحمار ” و هجم عليه
” تركو ” صاحت زوجة صاحب الحمار ثم اقتربت و أمسكت زوجها عنه ” و أنت روح من هون ” تجمد في مكانه ، صرخت ثانية ، فخرج يركض .
فتح عينيه فرأى السماء . جلس على الأرض لا يعلم أين هو . تدبر شربة ماء قبل أن يتجه بحثاً عن أكل . يوم واحد كان كفيلاً بإزالة الابتسامة الغريبة عن وجهه و ذلك لم يكن في صالحه ، فصاحب محل السندويش رفض أن يعطيه دون نقود ، و لم يستطع الحصول على شيء يأكله و هو لم يتعلم بعد كيف يجوع بصمت . لكن هناك ، عند مدخل حارة ضيقة رأى على الأرض شيئاً يمكن أن .. عادة قديمة . دخل الحارة ، تأكد من أن أحداً لا ينظر إليه و تناول فطوره . خرج من الحارة الضيقة ليجد أنه بين عدد كبير من الناس و عرف حينها من أين كان يأتي الصوت الذي سمعه قبل أن يخرج إلى الشارع . لم يحاول أن يخرج من بينهم و ربما ما استطاع لو حاول ، ابتسم ، ابتسامة جديدة و ابتسموا له ، بعض منهم ، البعض الأخر لا ينظر أمامه لكن لا يتعثر في خطاه هؤلاء أعجبوه ، قلدهم ، نادى ، و لوح بيديه مثلهم و بدا عليه الجد مثلهم ، بدا انه منهم و لو فُهم ما كان يقول لربما رددوا بعده . لكن الاصوات العالية انخفضت ثم علت من جديد بإيقاع مختلف و بدأ الركض . وقل العدد . و هو أيضاً بدأ يركض و يضحك ضحكة عصبية لا استغراب فيها أو خوف ، و أخراً وقع على وجهه . حين فتح عينيه لم يرى شيئاً . و إن كان الظلام يُرى فقد رآه . حرك رأسه باتجاه الصوت . أضيء في وجهه نور قاس أختار أن يغلق عينيه عنه و يعود إلى الظلام . أجلسوه على كرسي و فتحت عيناه
” شو أسمك ” سأله الرجل ذو النظرة الحاقدة التي لا يعرف سببها
” شو أسمك ” أعاد
” صابر ” أجاب بعد تفكير
” صابر شو
” صابر .. “
” صابر شو “
” صابر .. صابر ، أسمي صابر ” لانه لا يعرف كيف يسيطر على الخوف فقد سيطر الخوف عليه
” حكيلي صابر ، ليش كنت طالع بالمظاهرة “
” شو يعني … “
ضربه و أعاد السؤال
” ليش كنت طالع بالمظاهرة “
نفس الجواب الذي لم يكتمل
” شو بدك أنت و اللي معك “
” أنا بدي أطلع من هون ، هني ما بعرف شو بدن ، سألن “
، لم يُعجب الرجل كثيراً بالإجابة فانهال عليه بالضرب و هو يصرخ عليه و يهينه بكلمات تمرس استعمالها لكن كلمة لم تترك أثراً في صابر إلى أن قال له ” حمار ” فرد صابر ” أنا مالي حمار ” .
” لأ حمار “
لكن صابر أصر على الإنكار ” أنا مالي حمار ” .
” لو كنت حمار كان أحسنلك لأنك رح تاكل ئتل بس الحمير بتتحملو . اعترف أحسنلك صابر ” . قال بنبرة تصنع فيها تعاطفه مع صابر . لكن صابر ظل رافضا أن يعترف أنه و من يومين فقط كان حمار و أن أمنية قديمة له بأن يصبح إنسان قد تحققت من نفسها . و لو أنه اعترف فهل من عاقل يصدق هذه الحكاية . عاد المحقق ليضربه . لكن صابر أصر على الإنكار أنا مالي حمار .
2016-10-13